قبل إنطلاق المونديال تناقلت الألسنة أسماء عديدة.. وتبارى هواة الكرة يتنبؤون باسم نجم المونديال الإفريقي المقبل.. تحدث كثيرون عن ميسي ورونالدو وروني وديفيد فيا.. لكن أحدا لم يتفوه أبدا باسم إنيستا رغم حضور الإسباني الدائم بين قوائم أشهر لاعبي العالم. عاش ابن الباسيتي دائما في ظل آخرين.. وبقى يظهر في مرتبة ثانية خلف نجوم لامعين، سواء في برشلونة أم مع الماتادور.. واقع أرجعه البعض لشخصية أندريس نفسها، باعتباره خجولا منطويا على الذات، يقضي أفضل اوقاته وحيدا في غرفته، تلك التي غطت حوائطها صور بيبي جوارديولا.. نجم البارسا السابق.. ومدربه الحالي. إنيستا الذي انتمى إلى "لامسيا".. وهي أكاديمية الناشئين في برشلونة.. يافعا في الثانية عشرة لم يلبث رغم الصعاب أن فرض بموهبته الأصيلة اسمه على الجميع، وحين دعي للتدريب مع الفريق الأول في سن السادسة عشرة جذب بشدة أنظار نجمه المفضل جوارديولا.. وكان إن تحدث بيبي، وهو لا يزال وقتها لاعبا في التاسعة والعشرين، عن إنيستا باعتباره نجما واعدا سيدفع بتألقه كل نجوم خط الوسط بالفريق إلى الاعتزال. تنبؤات جوارديولا لم يلبث أن عززتها سريعا عينا لويس فان جال الخبيرة، بعدما منحه الهولندي المحنك مباراته الرسمية الأولى مع الفريق عام 2002.. لكن ظهوره الحقيقي تأخر بعدها لسنوات وتحديدا حين استعان به هولندي آخر هو فرانك رايكارد، لكن طريقه إلى التشكيلة الأساسية بدت في ذلك الوقت تحتشد بعوائق حقيقية.. وتكتظ بمنافسين خطيرين على شاكلة تشافي وميسي وديكو وفان بوميل.. وبعدما اعتاد الجميع متابعة إنيستا بديلا أو غائبا.. بدا وكأن مستقبل النجم الشاب إلى خفوت.. وتنبأ كثيرون بلاعب سيظهر فقط حين تستحيل مشاركة آخرين.. قبل أن تكشف الكرة عن وجهها العادل، وتدفع الموهبة الحقيقية بصاحبها إلى مكانه المستحق. ببطء.. ولكن بثقة.. راح اسم إنيستا يتردد أكثر، ومشاركاته تزداد شيئا فشيئا.. حتى حولته الأيام لاعبا أساسيا.. واعتاد المشجعون متابعة ما يقدمه مع البارسا وإسبانيا.. ظهور هادىء متتالي صبغه القصير بموهبته الكبيرة، وسرعته الهائلة وأهدافه التي لا تنسى.. فيما راحت السنوات الأخيرة تراكم الإنجازات.. ووضع إنيستا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة يديه على كل ما تتيحه الكرة للاعب من ألقاب.. وكان إن توالت النجاحات، فتحقق لقب أمم أوروبا 2008.. ثم صنع إنيستا مع زملائه أسطورة برشلونة الإسباني في 2009 حين حصد برفقة الكتالونيين ستة ألقاب؛ أهمها دوري الأبطال الأوروبي، محرزا خلال مشوار البطولة ذلك الهدف القاتل في مرمى تشيلسي بالثواني الأخيرة لمبارة نصف النهائي. في 2010 تحقق الإنجاز الأكبر.. وبعدما استبق أندريس المباراة النهائية للمونديال بدعوة زملائه إلى تسجيل أكثر من هدف في المرمى الهولندي، وتأهب الجميع لمتابعة ركلات الترجيح بعد مباراة خشنة وعصيبة.. لولا ومضة تألق أخرى من القصير الفنان، وهدف آخر في اللحظات القاتلة جاء ليضع الأسبان على منصات التتويج ويدفع بإنيستا، أخيرا ونهائيا، إلى مكانه المستحق بين نخبة النجوم. أنصف المونديال نجما وصفه زميله تشافي يوما بلاعب يمتلك كل شيء، وتحدث عنه زميله السابق صامويل إيتو، ومنافسه واين روني باعتباره أفضل لاعب في العالم.. وتابع الملايين في ملعب سوكر سيتي قبضتي صاحب هدف التتويج المضموتين تشهدان العالم على لحظة تاريخية.. كما قرأ الجميع عبارات تحية نقشها إنيستا على قميصه في ذكرى صديقه الراحل دانييل خاركي.. تحول إنيستا أخيرا إلى نجم النجوم، وتجسد مرة أخرى تواضع لاعب موهوب قال بعد المباراة إنه لم يقدم إلا مساهمة متواضعة لفريقه.. بينما لن تتبدل على الأرجح أشياء كثيرة في حياة الشاب ذي الستة وعشرين عاما.. سيبقى إنيستا برأسه الحليقة وتواضعه الكبير نجما ولكن على طرازه الخاص.. لاعب يتألق فقط فوق العشب بينما يبقى خارجه بعيدا عن الأضواء.