يحيي نهار اليوم سكان ولاية عين تموشنت أحداث التاسع من شهر ديسمبر والتي تكون قد مرت عليها 53 سنة إذ تعتبر منعرجا هاما ومحطة أساسية في مسار ثورة نوفمبر الخالدة، فهذه الأحداث احتضنتها مدينة عين تموشنت لترد على شارل ديغول بأن الجزائر جزائرية وستبقى كذلك. وعمد الاستعمار لطمس الحقائق محاولا إظهار ظهور مزيف وتأييد مزعوم وموهوم به وكأن الجزائريين مؤيدون للبرنامج الديغولي وما يحمل في طياته من دسائس خبيثة حيث كان يبدو للمعمرين أن هذه المنطقة آمنة بعد قضاء المعمرين على المنطقة الثالثة والتي كانت عين تموشنت ووهران من بين نواحيها أواخر سنة 1958، ولكن وبعد القضاء على المنطقة الثالثة تم تقسيمها في الحين الى أربع مناطق منها المنطقة الثانية التي أضيفت لها عين تموشنت، المالح، العامرية، حاسي الغلة، بوتليليس ونصف وهران، وكانت عين تموشنت نقطة التماس ما بين المنطقة الثانية والخامسة يفصلهما الطريق الوطني سابقا الذي كان يشق مدينة عين تموشنت، وعلى هذا الأساس اختيرت المدينة كمرحلة أولى للزيارة ثم وهران ومستغانم كمرحلة ثانية ونظرا لكثافة سكان الإستعمار الإستيطاني الأوروبي وتوفير إمكانية حماية ديغول فيما إذا تطورت الأحداث في الإتجاه المعاكس لأهداف الزيارة، قررت قيادة المنطقة الثانية بالولاية الخامسة وبالتنسيق مع تنظيماتها السرية تحريك خلايا النضال لتحريك الجماهير الشعبية للقيام بمظاهرات 9 ديسمبر بعين تموشنت ويوم 10 ديسمبر بوهران ومستغانم، فهذه المظاهرات جاءت لتحطم كل الإجراءات العسكرية والأمنية التي سخرتها عقول جنرالات فرنسا الاستعمارية ولتقول للعالم وقوى التحرر إن الجزائر الفرنسية مجرد وهم تولدّ عن الإحساس بالكبرياء وكرسته عقدة التعالي لدى الاستعماريين الفرنسيين أمام شعب كان يعتبر مجرد مجموعات أهالي، فسكان عين تموشنت عندما كسروا طوق الإجراءات العسكرية الأمنية تحت قيادة جبهة التحرير الوطني لم يفعلوا ذلك من أجل مدينتهم بل كان ذلك من أجل كل الجزائر، وأن الأعلام التي رفعت هي العلم الوطني في وجه ديغول والمرافقين له من مدنيين وعسكريين وأمام وسائل الإعلام والصحافة العالمية والوطنية والجهوية، ورفع أصوات الجماهير المرددة لشعارات: «تحيا الجزائر حرة مستقلة، تحيا الجزائر العربية المسلمة، يحيا جيش وجبهة التحرير الوطني، تحيا الحكومة المؤقتة» هذه الأحداث أفزعت القادة الفرنسيين وهم الذين سبق لهم أن أعدوا العدة وحضروا لزيارة ديغول بالتواطؤ مع المعمرين لتنظيم مظاهرات لتأكيد وجودهم الاستيطاني رافعين لافتات كتبت عليها «تحيا الجزائر الفرنسية، الجزائر فرنسية» كما عملوا على إجبار بعض الفئات الاجتماعية من الجزائريين وخاصة القصر مثل الشيوخ والأطفال والنساء للمشاركة معهم بالقوة بعين تموشنت ووهران، وجندوا بعض المرتزقة والخونة «الحركة» لإظهار الجزائريين في الواجهة الأولى للمظاهرة وكأنهم مؤيدون لهم أمام أنصار الرأي العام العالمي، لكن الشيء الذي يؤسف له أن أحداث 9 ديسمبر 1960 التي أعطت الضوء الأخضر لسلسلة من المظاهرات عمت بعض مناطق الوطن استحوذت عليها في الأخير مظاهرات بلكلور في العاصمة حيث أصبحت تعرف بمظاهرات 11 ديسمبر 1960 جاءت بعد يومين من أحداث عين تموشنت التي غيبت تماما حتى في المقررات المدرسية، ويمكن أن نسأل أي طالب جامعي أو ثانوي إذا كان يعرف أو حتى يسمع عن أحداث عين تموشنت الأليمة التي تطل علينا بذكراها، طبعا ليس في الغرب أو الشرق بل حتى في المدينة التي احتضنت المظاهرات قبل 53 سنة، إن هذه الذكرى تستوقفنا ليس فقط لاسترجاع ذكريات نضالنا الوطني من أجل افتكاك حريتنا وكرامتنا بل كذلك لإعادة النظر فيما كتب زورا وإجحافا في حق هذا الشعب الذي ضحى بالنفس والنفيس وبخير ما يملك من أجل جزائر واحدة.