هي محطات سريعة نسلط فيها الضوء على أدبنا الجزائري الحديث، فيها إشارة إلى الأصول والمصادر التي شكلت نصوصه المختلفة. كما نقف فيها على الاختلافات المسجلة بين النخب المثقفة عندنا وأسباب عدم انسجامها، مع المراهنة على تماسك هذا الإبداع الإنساني المتميز وانطلاقه مع الأجيال الجديدة... يمتاز الأدب الجزائري الحديث عن غيره من الآداب العربية الأخرى، بخصوصية الثراء والتركيب والتنوع. وهي مميزات خاصة به، أفرزتها عوامل تاريخية وحضارية مختلفة، اندمجت عبر الصيرورة التاريخية للجزائر، حيث أفرزت في الأخير تشكيلة مركبة ميزت الأدب الجزائري الحديث على غيره من الآداب الأخرى. فالثقافة الجزائرية عموما تزخر بثرائها وبتنوع روافدها، فهي متعددة بمصادر مناهلها المختلفة.. وإذا أردنا أن نشمل أصولها الأساسية فسوف نجد بأنها متأتية بالأساس من ثلاث مصادر أصلية: 01 – مصدر محلي منحدر من نواة المجتمع المحلي الأول وهي الآداب والثقافة الأمازيغية 02 – المصدر العربي والذي تمتد جذوره إلى المشرق العربي وهي الآداب والثقافة العربية 03 – المصدر اللاتيني الفرنسي الوافد مع الاستعمار الحديث وهي الآداب والثقافة الفرنسية لقد انصهرت هذه العناصر المختلفة لغة وثقافة عبر العصور التاريخية ، وكان للوضع الاستعماري والمحنة الوطنية أن وحدت مشاربها أثناء الثورة التحريرية بالخصوص، لتخرج بحلة جزائرية ميزت الروح الوطنية وصبغت الثقافة الجزائرية بميزة تعددية الثقافة وتوحد الانتماء الوطني .. أما إذا أردنا أن نلتمس مدى تعايش هذه الثقافات ومدى انصهارها، فسوف نجد بأن الأمر خاضع للعوامل التاريخية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع ، وبدون شك فإن للتنوع والاختلاف آثاره على صيرورة المجتمع، مع العلم بأن هذه الآثار ليست دائما إيجابية. فلقد كان للاستعمار دوره السلبي في استغلال عامل الاختلاف هذا، خاصة عندما أراد أن يبسط نفوذه الحضاري والروحي، وذلك بمحاربته لأهم مقومات الأمة أي اللغة العربية والدين الإسلامي، بحيث سعى إلى طرح البديل اللغوي والثقافي وعمل على نشرهما، وحتى وإن فشل في تحقيق أهدافه الأساسية، إلا أنه استطاع أن يؤسس لتيارات ورؤى فكرية مختلفة، غريبة عن الأمة، سرعان ما تغلغلت في المجتمع الجزائري، وهي الخلافات التي سيطول عمرها بين النخب الوطنية. لقد تحمل الإبداع الأدبي على الخصوص تبعات هذا الأمر، فالاختلاف في التعبير اللغوي أصبح يثير بعض الحساسيات؛ في غياب روح التكاتف والوحدة الوطنية. وأصبح البعض يقوم بتصنيف الأدب بحسب اللغة المستعملة أو المعبر بها، ودخلنا في حساسية الانتماء اللغوي وتصنيف الآداب حسب اللغة التي تميزه . كما كان للتموقع الاجتماعي والانتماء العرقي والتأثر بالتيارات الوافدة أثره في تزكية هذه التصنيفات، تلك التي شحنت الحساسيات بين النخب الأدبية والفكرية، وأصبح لكل منهم موقعه وتوجهه، وقد يصل الأمر إلى رفض الآخر؛ ثقافيا وأدبيا على الأقل. وقد وجدنا بعض المثقفين(المتقوقعين فكريا) يرفضون انتماءهم الأدبي والحضاري(العربي) وينطلقون من نقطة الصفر كما لو كانوا سيؤسسون من جديد أدبا جزائريا؛ مقطوع الجذور من أصوله وحضارته. هذه الحضارة العريقة التي مدت الغرب مثلما الشرق بأرقى أنواع العطاء العلمي والمعرفي. نؤكد فقط بأن ما يصدر عن هؤلاء (المثقفين)، على قلتهم، ما هو إلا عقوق في حق مسيرة عطاء حضارية قدمت الكثير للإنسانية. نؤكد هذا على الرغم من أن هؤلاء (المتعنتتين) - في حقيقة أمرهم– لا يمثلون المثقفين الجزائريين ولا الثقافة الجزائرية ... ويبقى الأمل قائم على النخب الجديدة، من الأدباء والمفكرين، النخب المثقفة التي نشأت في ظل العولمة الحضارية والإنسانية؛ العولمة الايجابية التي قاربت الأقطار ووحدت الشعوب والتي ستعمل على صهر الإبداعات والرؤى الإنسانية، طوعا أو كرها، في بوتقة فكرية وثقافية موحدة، تنتصر فيها للإنسان أولا وأخيرا، ولا مجال فيها للتموقع أو التقوقع، بل المجال فيها مفتوح للتنافس النزيه على الإبداع الإنساني، الأدبي والثقافي، الأكثر جودة وفنية والذي يرتقي بالذوق الإنساني إلى ما هو أسمى وأرقى...