لكل ثورة أدباؤها ولكل حدث بديع في تاريخ الإنسانية من يشتغلون على تدوينه ، بشتى الوسائل المتاحة ، حتى يخلد ويبقى إرثاً لا تطاله أيادي التقادم. ولأن رسالة الأدب ، في المحصلة ، تتجاوز الحيز الجغرافي الذي يُولَدُ فيه ، ليعانق الانشغالات الإنسانية بمعزل عن المكان الذي احتضنه واللغة التي أُنتج بها والثقافة التي آوته بما يشكله من تعبير عن المشترك الإنساني في قوالب إبداعية تمنحه الخلود. فالأدب ينقل التجربة الإنسانية من مستوى الحدث العادي إلى المتخيل ، والمسافة الفاصلة بين الواقع والخيال هي بالضبط التي تمنح لهذه التجربة مغزاها وتجردها من الزمان والمكان لتسمها بالخلود وتصبغ عليها طابع الأنسنة، فكل الأحداث التي شكلت منعطفاً مهماً في تاريخ الدول والشعوب ، إذا لم نشأ قول الإنسانية ، استلهمت الكثير من مصطلحاتها وتعبيراتها المهمة من كتابات الأدباء والمفكرين ومن أقوال الشعراء . كما أن العكس حدث أيضاً ،إذ أن القمع السياسي والتعذيب وكل أشكال الظلم ألهمت الكثير من الأعمال الأدبية التي شكلت سجلاً أساسياً لمعرفة تاريخ مراحل مفصلية من حياة الشعوب. ولنا في تاريخ الجزائر الثوري اكبر العبر دون الذهاب الى تاريخ أمم آخرى رغم أن هذه الأحداث لحد الآن لم تكتب بروعتها الجميلة و معاناتها الثورية فكل شهيد من شهدائنا رواية بحد ذاتها .و الأدب دائما كان محفزاً للثورة وممهداً لها بتأسيس الإطار المفاهيمي المرجعي لها من خلال تداول لغتها وأفكارها ، و لو كان للأدب دين أو طائفة أو حتى لغة لما قرأنا كتاب "البؤساء" و لأحرقنا "الكوميدية الإلهية " ولما انتشرت كتابات غارسيا ماركيز ويوكيو ميشيما في كل أصقاع الأرض ، دون أن ننسى ، بطبيعة الحال، الاقبال المنقطع النظير على دراسة نصوص محمد ديب وأسيا جبار و أحلام مستغانمي ونجيب محفوظ وغيرهم في الجامعات الغربية والشرقية. فرغم أن الأديب لا يخرج دبابات إلى الشارع ولا يقصف البيوت بالصواريخ،بل إن الأديب الحقيقي لا يسمح لنفسه حتى بالتحريض على ذلك،إلا أن قدرته على خلق عوالمه،سواء المستوحاة من الواقع أو المتخيلة،تفرض على القارئ إعادة التفكير في معيشه اليومي وفي طريقة تعامل السلطة معه بمختلف تجلياتها البادية والمضمرة ،فالكتابة بهذا المعنى تلعب دور مرآة تعكس مأساة المجتمع وتستفز الأفراد والجماعات ليسترجعوا مصائرهم المسلوبة منهم ، والشاعر أو الأديب الملتزم لا يمكن أن يكون في الموقع الخطأ وهو يرى ملحمة تاريخية تكتب أمام عينيه دون أن يعي ذلك.إن الأدب يعبر عن فترة معينة لا يمكن أن تكتب إلا في هذه الفترة،وبهذه الحالة التي يتكون عليها الكاتب،فالكتابة فعل لا يقبل التأجيل،فالكاتب يهمه أن يكتب عن انفعاله الآني،ولتثبت الأيام رؤيته أو لا تثبتها،ليس مهماً،إنما المهم أنه أفرغ ما داخله علي الورق ولم يهمل لحظة توهجه. وجسدها في أي شكل فني سواء قصيدة أو رواية أو في لوحة رسمها.