ما أحوج الأمة إلى وقفات للمحاسبة الدائمة والمراقبة المستمرة، ما أحوجها إلى فُرص للتأمل ووقفات للنظر في الأحوال، والتفكر في شؤونها و أوضاعها، وقفاتٍ تستلهم منها الأمة العبر والعظات، فتبصرها بواقعها، و تنير لها مستقبلها، وتكشف لها معالم حاضرها وغدها، وإنّ في مثل مناسبةٍ كرمضان لأعظم الفُرص التي يجب على الأمة أفرادًا ومجتمعات حكامًا ومحكومين، أن تتخذ منها جسرًا لتقييم الجهود، وإصلاح الأوضاع قبل فوات الأوان وانقلاب الأزمان، إن في رمضان عطاءات وافرة ودروسًا عظيمة يجب أن تتحقق و تستلهم منها الأمة العزم على المجاهدة الحقة للشيطان، وأن تقودها للمسيرة الصحيحة على الصراط المستقيم، صراطا يستقيم معه حال الدنيا معاشا و الآخرة معادا، وأن تنأى بها عن كل بغي وفساد وإفساد بشتى صوره واختلاف أشكاله. فما يحمله رمضان للأمة من معان لا ينحصر على حال الناس في نهاره أو ليله من صيام أو قيام، بل تمت أبعاد أخرى لشهر رمضان تظاهي في حكمتها الصيام والقيام، فتوافق الناس على حالة واحدة و اشتراكهم في سياق موحد يعطي للصيام و القيام والأعمال الخيرية نكهة لا تجدها سوى في رمضان، و أي صورة أجمل من صورة التآلف بين أفراد المجتمع حينما ترى صورا من المعروف بين أفراد المجتمع، ليحققوا معنى التوافق على أرض الواقع، فالإسلام لا يعترف و لا يقيم وزنا إلاّ بما يحقق معنى التوافق و التآلف و المواساة، ومتى فقد المجتمع هذه القيم أصبح مجتمعا لا يحقق الهدف الأسمى من المخالطة و لا يصل حبال العلاقات الإجتماعية بحبل المودة والتراحم. إن الواجب على أبناء الأمة الوعي الكامل والإدراك الشامل بمخاطر الأعداء ومخططاتهم في استهداف عقائد المسلمين، وزعزعة استقرارهم، وتهديد مقدراتهم، فكم من أمور غامضة تجري، وتخطيط ضخم يُرتب في الخفاء، الله أعلم بما يحوي وما عليه يأوي، فأعداء الأمة والدين يقودون العالم العربي و الإسلامي إلى الكوارث والمحن، ويتربصون بأمة محمد صلى الله عليه و سلم القلاقل والفتن، والأضرار والإحن، فالحذر الحذر... ثم الحذر. إنّ قطار الزمن ماض لا يتوقف ومحطاته قبور ينزل فيها من وصل إلى نهاية طريقه فانقضى أجله وغادر الدنيا بما فيها، بخيرها وشرها، بقضها وقضيضها، فتزودوا عبر الطريق بما تجدونه عند نهايتها، واعتبروا بمن مضى ومن كان قبلكم، هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا.