نثمن النية التي أبدتها الدولة في تحويل الكتابات الروائية إلى أفلام عدم فهم المخرج للنصوص الأدبية يعد مشكلا حقيقيا أكد الروائي واسيني الأعرج أن غياب كتاب السيناريو الحقيقيين بات يشكل حلقة مفقودة في المشهد السينمائي الجزائري، ويساهم بشكل جلي في ضعف العمل الفني وتدهوره، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة فتح مدارس خاصة لتعليم كتابة فن السيناريو خصوصا أن الدولة الجزائرية قد أبدت نيتها في دعم عملية تحويل الأعمال الروائية إلى افلام سينمائية، كما اعتبر صاحب رائعة "مملكة الفراشة " في الحوار الحصري الذي خص به جريدة الجمهورية أن انعدام هذه المدارس وغياب مؤسسات انتاج كبيرة على غرار تلك التي كانت تدعم القطاع خلال سنوات السبعينيات وبداية الثمانينات سيحول لا محالة دون انجازات سينمائية كبيرة في الوقت القريب، كما تحدث واسيني أيضا عن إشكالية فهم المخرج للنصوص الأدبية وعدم اطلاعه الجيد عليها ،مع تصميمه على كتابة السيناريو بنفسه وتخليه عن الكاتب المتمرس المختص ما ينجم عنه أفلام ضعيفة خالية من القوة و التأثير، إضافة إلى تصريحات آخرى تتعلق جلها بثنائية الرواية والسينما تابعوها في الحوار التالي : الجمهورية : اقتحمت السينما الجزائرية مؤخرا وبقوة عالم الرواية والأدب من خلال اقتباسها للكثير من النّصوص الناجحة وتحويلها إلى أفلام مختلفة، فهل تعتقدون أن العلاقة بين اللونين قد حطمت البنية السردية للنص الأدبي أم أنها أخذت منحنى آخر في المشهد السينمائي ؟ . واسيني : في الحقيقة تسليط الضوء على إشكالية علاقة " الرواية بالسينما " أمر جيد لابد من التركيز عليه ودراسته من مختلف الجوانب ،لاسيما في خضم وجود الإرادة السياسية من أجل دعم قطاعي السينما و الأدب، حيث أننا نثمن النية الواضحة التي أبدتها وزارة الثقافة في إعطاء فرصة للنصوص الروائية الجزائرية التي تملك بدورها كيانا افتراضيا يشبه الكيان الاجتماعي، ورغم أن هذه الخطوة تعد مكسبا حقيقيا من شأنه دفع عجلة الصناعة السينمائية وتطوير المشهد الأدبي، إلا أن هناك مشاكل جليّة علينا معالجتها والحرص على حلّها بسرعة، إذ لا يكفي أن تأخذ رواية وتحوّلها إلى فيلم سينمائي !! ، فلابدّ من وجود سيناريست حقيقي يملك من الكفاءة ما يؤهّله لتقديم نص جيد وهذا لن يتحقق إلا بوجود مدرسة مختصّة في تعليم كتابة السيناريو، كما يجب الاستفادة من الطاقات الجزائرية الموجودة وأيضا الطاقات العربية التي يمكن أن تسهم في تحويل هذه النصوص الروائية إلى أعمال سينمائية ، ويمكن الاستفادة منها باعتبارها احترافية أكثر على غرار مصر وسوريا . الجمهورية : ما هي في رأيك أبرز الاختلافات الجوهرية بين اللّونين ؟ وهل تعتقد أنها تشكّل حاجزا أمام نجاح عملية التّحويل الروائي إلى السينمائي ؟ واسيني : بالطبع هناك اختلافات جوهرية بين السينما والرواية، أي بين شيء ُينجز عن طريق الصورة التي تضع ما قدّمه الروائي لغويا أمام المشاهد فتحدّ إمكانياته من ناحية التصوّر، وبين اللغة المكتوبة التي تمنح القارئ حرية التخيل، فوصف المدينة أو السماء مثلا يتطلب عشرات الصفحات، في حين أن لقطة سينمائية واحدة تعبر لك عن كل شيء، بمعنى أن السينما عندها طابع اختزالي ، ما يجعل مخرج العمل مسؤولا عن نقله لتفاصيل النص جميعها كما هي دون المساس بجوهرها وفحواها، لكن أوّلا عليه أن يفهم النص وتكون له القدرة على التأويل باعتباره أساس أية مقاربة ، فهو لا يعيد النص الروائي لكنه يدخل إلى جوهره . الجمهورية :حققت عملية التحويل الروائي إلى السينما في الجزائر نجاحا ملموسا في الماضي من خلال عدة أعمال ناجحة ،فهل يمكن أن تُعاد التجربة اليوم عبر انجازات سينمائيّة هامة ؟ واسيني : لا يمكن الإنكار أننا شهدنا تجارب ناجحة بين القلم والشاشة مثل رواية " ريح الجنوب" التي كتبها " عبد الحميد بن هدوقة" وأخرجها " سليم رياض"، و ايضا رواية " الافيون والعصا " للروائي مولود معمري التي أخرجها سينمائيا " أحمد راشدي" وغيرهما من النصوص الأدبية التي حُوّلت إلى السينما، لكن المشكل الوحيد في الجزائر هو عدم تحول هذه العملية على ظاهرة أو عادة مكرّرة على غرار التجربة المصرية التي تضم أعمالا جمّة مثل روايات "نجيب محفوظ" التي حُوّلت كلها ،وأعمال" إبراهيم عبد المجيد"، و"يوسف القعيد " وكل الكتاب تقريبا الذين انتقلت نصوصهم إلى عالم السينما ،ورغم الانتقادات التي غالبا ما تشهدها هذه الأعمال في مصر حول قيمة النصوص وكيفية الإخراج إلا أنها موجودة وبقوة في المشهد الفني، بغض النظر عن جانبها التجاري أو الرسمي وحتى دور الخواص، ففي الجزائر للأسف كانت هناك خلال السّبعينيات وبداية الثمانينات مؤسسات وطنية كبيرة لدعم السينما التي لعبت دورا مهما في السينما الثورية، فبفضلها أخرجت هذه الأعمال على غرار فيلم " وقائع سنوات الجمر" لمحمد لخضر حمينة والروائي رشيد بوجدرة ،الذي نال جائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان الدولي عام 1975 ، ما يدل على أن السيناريو كان موجودا بشكل متين والحبكة الفنية كانت في محلّها، وما يطرح التساؤل اليوم في عالم السينما الجزائرية هو غياب البديل عن هذه المؤسسات الانتاجية التي اختفت، ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونتأكد من مسألة استحالة وجود انجازات سينمائية كبيرة في الوقت القريب، ليس لانعدام المخرجين أو الكتاب والممثلين بل لغياب مدرسة في كتابة السيناريو من جهة و انعدام مؤسسات الإنتاج الكبيرة من جهة أخرى . الجمهورية : أثارت مسالة غياب كتاب السيناريو في الجزائر الكثير من الجدل في المشهد السينمائي وحتى الأدبي ، ما هو رأيكم في هذا الموضوع ؟ واسيني :غياب كتاب السيناريو هو غياب لحلقة مهمة في السينما، وأيضا غياب المخرج القارئ والمطلع على النصوص الأدبية، الذي تم تصنيفه إلى ثلاثة أنوع، فهناك المخرج الذي يقرأ فقط اللغة الفرنسية ونادرا ما يتوجه إلى النصوص العربية، وهناك من يقرأ لكنه يفتقد للكفاءة من ناحية فهم النص كما هو و هذا أسوأ بصراحة ، والنوع الثالث هو المخرج الذي يهتم للمسائل المادية أكثر من حرصه على الجودة والنوعية، فيفضل كتابة نصه بنفسه بدل توظيف سيناريست محترف ودفع مبالغ مالية كأجر له، وبالتالي فإن أعماله لا تكون بتلك القوة والتأثير، لهذا فمن الضروري وجود مدرسة لكتابة السيناريو تنتج كتاب حقيقييّن وموهوبين ذو كفاءة عالية، فأنا شخصيا حضرت الكثير من عمليات التصوير الخاصة بالأفلام السينمائية واكتشفت أن بعض السيناريوهات أعيد تشكيلها تماما لأن صاحب السيناريو لم تكن له تلك القوة التي يعتمد عليها المخرج في فيلمه، ليجد نفسه مضطرا للاشتغال عليه من جديد ، وبالتالي وقوع مشاكل جمة بينه وبين السيناريست ،ما ينجم عنه مشكل آخر وهو هل يحمل السيناريو اسم من كتبه بشكل ضعيف أم من بلوره و أعطاه قابلية سينمائية جدية ؟