هل يمكن تحويل أي رواية إلى عمل سينمائي؟ أم من الضروري توفر قيم فنية محددة لتحقيق هذا الغرض؟ إشكالية طرحتها “المساء” على السيدة مليكة بلقاسمي، أستاذة بالمعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري، في هذه الدردشة. هل تصلح كل رواية لأن تحول إلى عمل سينمائي؟ ليست كل رواية صالحة للتحول إلى فيلم سينمائي، إذ يجب أن تتوفر فيها مقومات العمل الفني، لأن السينما تحتاج إلى شخوص وقصة وحبكة وعقدة وحركية داخل النص، بالتالي لا بد أن يكون النص الأدبي مشبعا بهذه الأسس الفنية من حوار شيق وتجاذب وقصة فيها عقدة وصراع درامي إلى غير ذلك، علاوة على مشاهد تساعد المخرج السينمائي وتحفزه على أن يحول العمل إلى فيلم، وكمثال على ذلك رواية الأستاذ رابح فيلالي “وعد الياسمين” التي كان من المفترض أن يحولها الأستاذ بوكرش- أستاذ بمعهد الفنون الدرامية ومخرج مسرحي- إلى عمل فني، وحينما التقيت بالأستاذ وطرحت عليه سؤالا بخصوص عدم تنفيذ هذا المشروع، أجابني أن الرواية تغيب فيها مقومات العمل الفني، لأن المؤلف كان صحفيا في قالب أدبي، بالتالي يشهد غياب المقومات الفنية التي تسهل على المخرج انتقاء هذا العمل وتحويله إلى عمل سينمائي، وهذا طبعا لا ينقص من قيمة عمل فيلالي، لكن المخرج يبحث عن نص دسم ولم يجده في “وعد الياسمين”.
هل يجب أن تكون الرواية ناجحة حتى تتحول إلى عمل سينمائي؟ أبدا، صحيح أن نجاح الرواية يغري المخرج ويستفزه ويدفعه إلى التعامل، لأن الرواية نجحت واستقطبت الجمهور، لكن نجد من الروايات التي لم تحقق الشهرة ومع ذلك فهي قيمة، والأضواء الآن كلها متوجهة نحو أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج، وبالفعل أعمالهما فيها من القيمة الفنية والجمالية والأدبية ما لا يختلف عليه اثنان، لكن هذا لا ينفي وجود أعمال لروائيين ليسوا جامعيين لكن تتوفّر فيهم المقاييس والمعايير الفنية.
هل من غير اللائق أن يكتب الروائي عمله بنية أن يتحول إلى عمل سينمائي؟ الأصل أنّه في السنوات الأخيرة، يجب أن يتفطن الروائي إلى ضرورة تسويق منتوجه، نعم من الجيد أن نكتب رواية بدافع ذاتي وأن نعيش موضوعا ما، إلى غير ذلك، لكن من الجيد أيضا أن نزاوج بين الميل الذاتي وتسويق هذا المنتوج، فمثلا هناك قحط في النصوص رغم الكم الهائل للروايات وكذا العدد المعتبر للمخرجين، علاوة على مساعدات وزارة الثقافة، لكن الحلقة التي تربط بين المخرج والروائي مفقودة، لهذا من الضروري أن يكون للكاتب وعي في تسويق أعماله الأدبية، واليوم يكتفي الروائي بالتنفيس عما يحسّ به والتعبير عن قضاياه دون أن يكون له هدف التسويق، بينما لو سوّق منتوجه سنضمن وجود سيناريوهات وإنتاج سينمائي ومسرحي وسنزوّد الساحة السينمائية، مثلا، برصيد هائل سيشتغل عليه المخرج والروائي معا، بالتالي سيكون لهذا الأخير حظ الشهرة بدل الاقتصار على جمهور متكون من طلبة ومرتادي المكتبات، بل سيرى عمله في الشاشات وعلى الفضائيات.
المشكلة إذا في عدم أو قلة “الوسطاء” الذين ينقلون العمل الروائي إلى أفلام سينمائية؟ وهو كذلك، هناك روايات جيدة وعدد هائل من الروائيين، خصوصا الأساتذة الجامعيين الذين يدرسون المقاييس وأسس الرواية الإبداعية، وهناك مخرجون متحكمون في الجانب التقني والاحترافي، لكن ثمة حلقة مفقودة تتمثّل في الوسيط، أي “السيناريست” الذي يحوّل النص الروائي إلى عمل سينمائي، والجزائر تحوز عددا قليلا من هذه الفئة، خاصة أنها مجبرة على امتلاك ذوق فني والإلمام بالأدب، وفي الوقت نفسه ملمة بالجانب التقني حتى تحسن انتقاء النصوص وتحويلها، وفي هذا السياق يلزم لهذه الفئة أن تتكون، وتمنيت لو تحقق الجامعة ذلك، ونحن كأكاديميين سنسعى إلى سد الفراغ، وبدل أن تنعت الجامعة بالقطاع المفلس وغير المنتج ماديا، سنساهم نحن في الحركية الثقافية، مع تسويق المنتوج وسد هذه الفراغات.
هل تؤمنين بتسمية “الرواية السينمائية”؟ لا.. فالرواية رواية وتصلح لأن تتحوّل إلى فيلم سينمائي، كما أن للسينما خصوصياتها، فتحويل الرواية إلى عمل سينمائي يرجع إلى براعة وقدرة وتحكم السيناريست، وهو ليس بالأمر الهين، لأنّ الأديب يتكلم عن الشخوص، المكان، الزمان، العقدة والصراع الداخلي، بينما عالم السينما يضم أمورا أخرى سواء من الناحية الفنية أو حتى التقنية، لهذا فالمخرج حسبي هو قائد الأوركسترا وعمله شاق فعلا، فقد تنزلق الأمور من بين يديه، وهنا الأصل أن يضبط السيناريست العمل قبل أن يصل إلى المخرج.
ماذا عن تحوّل الروايات غير الجزائرية إلى فيلم جزائري؟ عادي، وهو ما يحصل في كل البلدان.
نعم لكنه نادر جدا في الجزائر، أليس كذلك؟ أجل لأنّنا مررنا بفترة طويلة من الاستعمار، فجاءت أفلامنا بعدها تاريخية في أغلبها وبعدها دخلنا في عهود أخرى، من بينها العشرية السوداء، حيث أصبح الإنتاج من نوع آخر، أصلا النقلة النوعية للإنتاج السينمائي قصيرة لا نستطيع أن نحاسبها، كما أننا نميز في السنوات الأخيرة مساعدة وزارة الثقافة للمخرجين، علاوة على تفتّح القطاع السمعي البصري وكثرة مهرجانات الفن السابع، والمشكل ليس في أن تنتقي رواية جزائرية أو غير جزائرية بل في كيفية التحكّم في الجانب التقني، فالرواية كيفما كانت جنسيتها تعتبر عملا إنسانيا، فهي ملك مشاع لأن الفكر لا يمكن أن نحجر عليه.