أفرزت التعددية الإعلامية التي عرفتها الجزائر بداية التسعينات، واقعا إعلاميا ومهنيا، مغايرا شكلا ومضمونا، عما كان عليه قبل الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي كانت تعيش فيه البلاد في فترة السبعينات وبداية الثمانينات، حيث ظهرت صحفا كثيرة مختلفة المشارب، ووظفت صحافيين وصحافيات، جاؤوا كلهم من رافد واحد وهو القطاع العمومي الاعلامي، وبالموازاة مع هذه المعطيات، برزت إلى السطح الممارساتي مسارات مهنية، إعترتها كثيرا مظاهر الانحرافات في أداء المهمة الصحفية النبيلة. فاختلط الحابل بالنابل وولج إلى المهنة دخلاء، لا صلة لهم بالصحافة، وحدث ما حدث من زيغ واعوجاج طالما ظلهم كان أعوج، فكان لابد من تدخل المشرع لضبط الساحة المهنية وأقر ضرورة إنشاء بطاقة وطنية للصحفي المحترف، تعرف بالماهية القانونية من هو الصحفي المحترف، دون سواه من المنتسبين إلى القطاع. وقد عرفت المادة 73 من قانون الإعلام الصادر في 12 يناير 2012 الصحفي المحترف بأنه «كل من يتفرغ للبحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها ومعالجتها و/أو تقديم الخبر... (المادة) لتأتي المادة 76 من نفس القانون التي تنص أن «صفة الصحفي المحترف تثبت بموجب بطاقة وطنية للصحفي المحترف تصدرها لجنة تحدد تشكيلتها وسيرها عن طريق التنظيم». ومن هنا، جاء هذا النص التنظيمي القانوني حاسما، للتمييز بين أصيل المهنة والدخيل عليها، أسوة بكل النشاطات المهنية الأخرى كالطب والمحاماة، والتجارة الخ... وتسهل هذه البطاقة لحاملها، سهولة الوصول إلى المعلومة الصحفية طبقا للمادة 83 من قانون الإعلام مع المحافظة على أحكام القانون السالف الذكر والتي توجب على الصحفي المحترف إحترام آداب وأخلاقيات المهنة، الواردة في المادة 92، وكذا مراعاة لضمون المادة 84 من نفس القانون التي تعترف للصحفي المحترف بحق الوصول إلى المعلومة ماعدا الحالات التالية الواردة على سبيل الحصر وهي: عندما يتعلق الخبر بسر الدفاع الوطني وعندما يمس الخبر بأمن الدولة و/أو السيادة الوطنية. وعندما يتعلق الخبر أيضا بسر البحث والتحقيق القضائي وبالسر الاقتصادي الاستراتيجي وحينما يمس الخبر بالسياسة الخارجية والمصالح الاقتصادية للبلاد. ومن جهة أخرى، فإن البطاقة الوطنية للصحفي المحترف تلزم بموجب المادة 79 من قانون الاعلام كل مدير أو مسؤول نشرية للإعلام العام أن يوظف بصفة دائمة صحفيين حاصلين على البطاقة الوطنية للصحفي المحترف على أن يساوي عددهم على الأقل 1/3 من طاقم التحرير. وهكذا فإن هذه الأحكام وغيرها تبرهن على مدى أهمية هذه البطاقة، والتي تشكلت لجنة وطنية مؤقتة متكونة من 13 عضوا من مختلف وسائل الاعلام والصحافة أسندت لها مهمة تحديد هوية الصحفيين المحترفين وتسليمهم البطاقة وفقا لضوابط قانونية أهمها وجود علاقة عمل قانونية بين المستخدم والصحفي (عقد عمل) وشروطا أخرى معروفة في تشكيل الملفات الإدارية على غرار وثيقة الهوية وشهادة الميلاد والاقامة والصور دون أن تفرض شرط الأقدمية. وتم تحديد مدة صلاحية البطاقة الوطنية للصحفي المحترف بسنتين (2) قابلة للتجديد، وفق ما نص عليها المرسوم التنفيذي المتضمن المحدد لشروط وآليات تسليمها وأبدى الأغلبية المطلقة للصحفيين شغفا لطلب الحصول على البطاقة، وتوافدوا بأعداد هامة إلى مقر اللجنة الوطنية المؤقتة الكائن مقرها بشارع مصطفى فروخي بالجزائر العاصمة، لإيداع الملفات، وتسليمهم البطاقة فيما بعد بمدة قصيرة، بعد فحص الوثائق من طرف أعضاء اللجنة التي يرأسها السيد السعدي شيباح وهو إطار سام بوزارة الاتصال، وخبير متمرس في الميدان. وكان وزير الاتصال السيد حميد قرين قد صرح في عدة زيارات ميدانية لعدة ولايات، أن البطاقة الوطنية للصحفي المحترف مكسب هام لرجال المهنة، وأنها وسيلة هامة للحصول على المعلومات الصحفية، ليؤكد على وجود عدة امتيازات ستعرف قريبا لصالح حامل هذه البطاقة، والتي تبرز إرادة السلطات العمومية في تطهير قطاع الاعلام والاتصال، وتزويده بالآليات القانونية الكفيلة بتحصينه من كل «المؤثرات» ومن بين هذه الآليات، سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، واللجنة الوطنية الدائمة، ومجلس أخلاقيات المهنة، والتي تندرج كلها ضمن الورشة الكبرى للإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية منذ توليه مقاليد قيادة البلاد وستظل هذه البطاقة حسب كل آراء الملاحظين للشأن الاعلامي الوطني، وحسب المهنيين بمثابة «الهوية الجديدة» للصحفي لاسيما وأن أحد الشروط الأساسية للمشاركة في جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف هو الحيازة على هذه البطاقة.