اعتبر المنشد العالمي الشيخ محمد أمين الترمذي الإعلام الرسمي أداة فاعلة في تطوير الأنشودة الملتزمة الدينية التي توسعت و انتشرت في أوساط الوطن العربي و الغربي رغم أنها بدأت بجهود متواضعة ومع هذا ارتقت عن طريق المهرجانات و المسابقات التي أوكلت لهذا النوع من الطرب المتحفظ الذي ساهم في التعريف بالإسلام استنادا على القرآن و السنة النبوية والتي جعلت الأنشودة تخترق حنجرة الكثير من الأجانب الذين كانوا من أكبر المغنيين في شتى طبوعاتهم والتي تم تطليقها لتأثرهم بالدين الحنيف وما يمليه على الإنسانية من تيسير في أمور الدنيا والآخرة بتوظيف الآيات الكريمة الأحاديث الصحيحة والحكم العلمية في الإنشاد العفيف والكلمة الطيبة خاصة عند الأشخاص المتعودين على سماع الذوق الفني من عديد الفرق الإسلامية التي ظهرت بقوة وتألقت و أضحى لها قابلية لتلقي الرسالة من الطرب الديني ودعاة الكلمة الجميلة النقية والتي ساهمت في تحبيب الناس للإسلام و تهييج عواطفهم الدينية لمواجهة التغريد الضال لأن هناك تيارات عالمية جارفة تريد تجريد الأعفاء من القيم و المثل الحسنة و لدا شاعت الأنشودة في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للإنتباه من خلال التوعية بقصائد فيها مواعظ الهداية و التربية بمعاني سامية تحتاج لمن يوصلها أكثر للمجتمع إذا ماتم خلق مدارس إنشادية بالقطر العربي العالمي للتركيز على فاعلية تكوين ذات الطرب بأسس نظيفة لأن له عمق متميز في مقاماته وهذا ما سنتعرف عليه في حوار مقتضب جمعنا بالشيخ الكريم ضيف مدينة سبدو بتلمسان على هامش الدورة التكوينية الوطنية الأولى للمقامات و موسيقى الإنشاد المنظمة من طرف الجمعية الولائية " آفاق الشباب الثقافية" و التي اغتنمت فيها "الجمهورية" عشية يوم السبت فرصة الراحة القصيرة التي أخذها المنشد الكبير ببيت الضيافة بحكم تقدمه في السن(70 عاما) . الجمهورية : لقد سبق و أن زرت الجزائر سنة 1990 بمناسبة ملتقى الفن الإسلامي الأول الذي احتضنته قسنطينة في تلك الفترة و كان الحدث عالمي جمع بين العرب و العجم من المنشدين فما هو الشيء الذي فاجأك في الملتقى خاصة و أن هذا النوع من الأغنية الدينية شاعت أيضا عند مطربين غربيين؟ الترمذي: لقد حللت بهذا الوطن المغوار الذي له بطولات تحررية يضرب بها المثل في العصر الحالي عندما دعيت إلى هذا الملتقى الذي لم يتكرر منذ تلك الحقبة و سجلت أنشودة بعنوان "يابلد المليون ونصف مليون شهيد يأهل الجزائر من الأقصى سلامي ظاهر "رغم أني سوري الأصل فاعتبرت نفسي أمثل القدس الشريف لمزج نضال بلدكم بفلسطين فكان الحدث حقا منفردا بسمة الأنشودة و الفن و الخط العربي و الهندسة المعمارية التي جاء بها أرباب الفن من أصقاع البلدان و ما أعجبني فيه حضور المنشد العالمي البريطاني "كات ستيفنز"الذي دخل الإسلام من باب الإنشاد و افتتح مدرسة لتعليم الشريعة الإسلامية في إنجلترا فتغيرت حياته حتى في هندامه بعباءته و عمامته و الحجاب الذي إرتدته زوجته و بناته في الملتقى حينها عرفت أن الأنشودة الدينية قادرة على حفظ ديننا باللون الفني الملتزم الذي أكد فيه للجميع أنه جاذبية بحق في التدين الأصيل الذي إلتمسته في الملتقى فجلبني بذلك حب الجزائر التي نشطت فيها حفلات لأني وجدت الإنشاد ظهر عندها منذ ثلاثة عقود فكررت تجوالي بسطيف و بسكرة و سكيكدة و قالمة و وورقلة و وهران و عنابة و كذا واد سوف و الأغواط و تندوف و عين الدفلى فتعرف عليّ الجزائريون بإحياء أمسيات إنشادية بأمر من الديوان الوطني للحفلات في عدة أشهر من رمضان السنوات الماضي بعد كل تراويح مما لاحظت أن الأذن متعودة على الذوق الفني الإنشادي بوطنكم . الجمهورية: هل لاحظت بوادر آخرى نابعة من الأنشودة ساهمت في تقريب الجاليات المتواجد بأوروبا وتوحيدهم بها في محافل كهذه؟ الترمذي : لقد صادفت رمزية الأنشودة الدينية في نشر الإسلام بالنمسا مرتين حين كان لي مهرجان لنفس الطبع وكذلك بفرنسا عندما عقد مؤتمر سنوي بمنطقة بورجين القريبة من باريس الذي شارك فيه المئات من المغتربين العرب القاطنين بجميع الدول الأوروبية فنظمت فيه أسواق للملابس الإسلامية و فتحت مطاعم عائلية و فنادق محترمة خصصت لأجواء إسلامية حميمية مفعمة بالقرآن والألحان الشجية للإنشاد، هذا الملتقى حضره في ظرف (4) أيام 170 ألف عربي مسلم قدموا من بلجيكا و هولندا و ألمانيا و السويد و بريطانيا للتعارف مع المنشدين الكبار ، واستلهام قصائدهم المؤثرة المخلصة للفؤاد و الذات و من أصحاب الإنشاد الجزائريين اللذين إلتقيتهم "الشيخ جلول "مغني الراي سابقا و أبو المجد الحسيني ومن المغرب هشام كريم أحيوا الكلمة الإيمانية و تجاوب معهم جمهور عريض لا يعد في المؤتمر . الجمهورية :بصفتك مدرسة للأنشودة الدينية دوليا أشرت إلى أن الإعلام قوة محركة لهذا الطرب بالجزائر فماذا تعني شهادتك للمقتحمين له الذين يخلطون التعامل به و تشويه سمة الإسلام؟ الترمذي:أصبح الإعلام يهتم بالحفلات هذا ما إستشفته ملاحظتي الشخصية ،كما الحال للجزائر التي لديها حصة"شدى الألحان" الإذاعية التي تستحق الجدارة في إثبات صورة الإنشاد و بثه من حيث المسابقات التي تتثريها ويتنافس عليها العديد من المنشدين و فاز فيها مجيب عياش و زروق و علي الصحراوي وعبد الحميد سراج مما يوحي تقدم الطرب ،فليس مستغرب في وطننا العربي لأن أهله يحبون الدين عن طريق صبغة الإنشاد رغم فطرتهم وهذا يدل على أن تفطن الناس للقصائد وارد ويمكنهم التصدي للتيار المعاكس بدور جيد في التوعية و ذا بنبذ النعارات الطائفية وغلق السجون و تحفيف الجرائم و التقليل من الإنحطاط الخلقي والرفع من معنوياتنا كمسلمين لكي لا نسقط في عنفوانية اللاخلاق سيما وأمريكا أصدرت قانون يسمح بزواج الرجل من الرجل وهذا خطر على البشرية ككل لأنها تسعى لقرض السلالة الإنسانية إذا ما استمر الوضع على مدى ستون عاما المقبلة خصوصا وأن بعض المنشدين لهم أهداف تخريبية تعطى لهم أشعارا فيها روح التمرد والعنف والقتل والشذوذ و نحن لا نعترف بهم إطلاقا لما لديهم من أناشيد مسيّسة غير بريئة ولها أيادي يحركها كالإرهاب من جانب ترمردهم على الله و الأخلاق وعدم فهمهم للإسلام فأنا لا أميل لدعواهم التي تهدم ففي الحقيقة المنشد الملتزم بمقاماته عنصر يبني ولا يخرب ويرتقي بذوق الإنسان بغرس روح الدين والمعاملة و الأمر بالصلاة و الإصتبار عليها (الدين انتشر باليسر لا بالعسر )(فذكر إن نفعت الذكرى )(قد تبين الرشد من الغي) لهذا أعرض إسلامي بطريق واضحة إن عجبهم أهلا و سهلا في الدين و الإنسانية و إن عزف عنه فيبقوا إخواني . الجمهورية : على حسب ظني لا توجد مدارس متخصصة في تعليم الإنشاد و تلقين علمه الذي يعد من المعارف الفنية التي ينبغي عل الطالب المنشد أن يجتهد فيها أليس كذلك؟ الترمذي : فعلا تكاد المدارس تخلو من الإنشاد الذي هو علم مفروض على الطرب لأن الممارسة لا تكفي مما دفعني لإنشاء مؤسسة تكوينية ببيتي الشخصي بعمان (الأردن )ما يزيد عن 7سنوات و أعلم فيه أوزان الأنشودة بالمجان وهناك المئات من الشباب الذي التحق بالتكوين و تحصل على 70 مقامة في الطرب الإنشادي مع درجة سلمها وخصصت يوم الجمعة من العصر إلى المغرب لتلقين الدروس ومن خلالها أصدرت كتاب "فن الإنشاد" وطبع في السعودية من قبل الدكتور علي العمري الذي أعجبه المنشور ولم آخذ منه مليما لأني وضعته لصالح العامة لنشر هذا الفن النابع من إيمان ديني و جئت بنسخة في تظاهرة الدورة التكوينية بسبدو ومنحتها لرئيس الجمعية ليتصرف فيها إذا أرادت أي دور نشر أن تطبعه لتوزيع دون مقابل على من يهمه هذا الطرب، و أنا استغني على حقوقي المادية لا تلزمني بقدر حاجة توسيع الإنشاد عند محبيه وهواته اللذين كثروا . الجمهورية: ماذا عن المتكونين الجزائريين المشاركين في تظاهرة المقامات الموسيقية للأنشودة الوطنية من ناحية مستواهم في التعامل مع الإنشاد أما قامة من أمثالك يا شيخ؟ الترمذي : الرغبة كبيرة عن الشباب الجزائري في تلقي هذا الفن وبمقدوره تطوير اتجاهه لأن بلدهم تتميز بمنشدين سطعوا بنقلة نوعية من أغنية الدنيا التي تخلّوا عنها وأسسوا فرق إسلامية يستطيعون إقناع بها المتطرفين في الفكر ممن يدّعي بتحريم الإنشاد كأغنية وكل ما هو إيقاع ليس في الجزائر بل الوطن العربي و هذا بالحفاظ على الكلمات المقتبسة من القرآن كقاعدة فقهية تقول:ما على الأرض مباح إلا ما حرّم الله علينا " فعلى المتربصين في الدورة تثمين هدف الجمعية المشرفة عليها وجعلها نبراسا في حماية الموروث الإنشادي .