السيد مراد يبحث مع نظيره الايطالي التعاون الثنائي في عدة مجالات    الفنان المسرحي و السينمائي ميمون كواكي في ذمة الله    كرة القدم/فيفا: "الاتحادية الجزائرية لها دور ريادي وتحفيزي "    كرة القدم/رابطة ابطال افريقيا: مولودية الجزائر تتلقى مراسلة من لجنة الانضباط للكاف    سطيف..انطلاق فعاليات الحملة الوطنية التحسيسية ضد الآفات الاجتماعية    تيارت..انطلاق قافلة طبية لفائدة سكان بلدية سيدي الحسني    غرداية..دعوة لتنسيق الجهود بين كافة الشركاء لمكافحة الجراد الصحراوي    البيض.. الطريقة الشيخية الشاذلية تدعو إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية    وزير الاتصال "محمد مزيان" يستقبل إطارات الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين: نحو شراكة استراتيجية لتطوير الإعلام الوطني    رقمنة: البنك الوطني للإسكان يعتزم التزود بنظام معلومات بنكي جديد    الرابطة الأولى موبيليس - الجولة 22: تأجيل لقاء شباب قسنطينة-مولودية وهران إلى تاريخ لاحق    البوليساريو "على الشعب الصحراوي التحلي باليقظة لمواجهة سياسات الإحتلال المغربي"    مقررة أممية تطالب دول العالم بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني وإلزامه بوقف عدوانه على غزة    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم ال75 على التوالي    عطاف يشارك بأنطاليا في مراسم افتتاح الطبعة الرابعة لمنتدى أنطاليا الدبلوماسي    وزير التربية يترأس ندوة وطنية للتحضير الجيد للامتحانات المدرسية الوطنية    وزير الصحة يشرف على اجتماع لمتابعة مشاريع المستشفيات الجديدة ويؤكد على نظام استشفائي متعدد التخصصات    حملاوي تؤكد من خنشلة على أهمية انخراط المرأة في العمل الجمعوي والسياسي    احذروا.. الليبرالية الفاشية على الأبواب    الولايات المتحدة… من الديمقراطية إلى الاستبداد    الأمم المتحدة: 12500 جريح و مريض في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي    انعقاد الدورة الخامسة من المشاورات السياسية الجزائرية-الروسية بموسكو    بالصبر يُزهر النصر    كفارة الغيبة    العيد ربيقة يبرز الإنجازات المحققة في مجال صون الذاكرة الوطنية    سايحي يدعو الى تسيير المصالح الطبية بالمستشفيات الجديدة بنظام إستشفائي ضمن شبكة متعددة التخصصات    اغتيال المسعفين: حتى ال نيويورك تايمز شهدت!    مساجد فلسطين تستغيث    مشكل عويص يؤرق الأمهات    سيارات: فيات الجزائر تعتمد جملة من الاجراءات لمكافحة المضاربة    المهرجان الثقافي الدولي للشعر العربي الكلاسيكي: مشاركة مرتقبة لأكثر من 40 شاعرا وشاعرة    سطيف: الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة بداية من الأحد المقبل    شركة الخطوط الجوية الجزائرية تطمح أن تكون رائدا افريقيا للنقل الجوي    أزيد من 1,4 مليون شخص يستفيد من المنحة الجزافية للتضامن "    زيتوني يترأس اجتماعا تنسيقيا    صادي يُجدّد الحرص على مرافقة الأندية    هذا آخر أجل لمغادرة المعتمرين    وزير الصحة يعقد اجتماعاً تنسيقياً    إرهابي يسلم نفسه وتوقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    استرجاع 1200 متر من الكوابل النحاسية المسروقة ببوشقوف    اتفاقية بين الجزائر وقطر للتعاون في خدمات النّقل الجوي    عرض جوانب خفية من أعظم ثورة    ملتقى وطني للنحت احتفاءً بالفنان محمد بوكرش    بهجة الحياة مع إطلالة مواسم الربيع    مساعٍ للتعريف بمخزون "مادور" و"خميسة"    حملة تحسيسية وطنية ضد تعاطي المنشطات    مازة يكشف سرَّ توهج هيرتا برلين    الفرنسيون يهاجمون بن ناصر بقسوة    بلايلي تحت صدمة إقصاء الترجي من دوري الأبطال    هاجس الحساسية.. هذا هو الحل    لقاء علمي حول حفظ وصيانة المخطوطات    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    "زمالة الأمير عبد القادر": أكبر سفينة صيد بحرية جزائرية محلية الصنع تنزل المياه من ميناء المرسى بالشلف    جامعة التكوين المتواصل تنظم الدورة التكوينية الثانية في المقاولاتية    الطبعة ال27 للصالون الدولي للصحة "سيمام" تنطلق بوهران بمشاركة 600 شركة من 38 دولة    الفيفا تنظم ندوة حول بالجزائر    الجزائر محمية باللّه    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاريكاتير بين السخرية و الواقعية في الصحافة الجزائرية
خطوط تُعري العيوب
نشر في الجمهورية يوم 22 - 12 - 2015

يكتسي الكاريكاتير أهمية بالغة في وسائل الإعلام الجزائرية لا سيما المكتوبة منها ، في الصحف كما في المجلات ، حيث بات هذا الفن القائم بذاته ، يستقطب أكثر فأكثر القارئ ، و يزاحم المقالات الصحفية في ذلك ، من خلال طرحه و نقده العديد من القضايا الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية ، و مسايرته للأحداث الراهنة ، و تناولها بنظرة نقدية تحمل الكثير من السخرية حيال ما يجري من حولنا ، من ظواهر و مشاكل و مشاهد ، شغلت الرأي العام في الداخل و الخارج على حد سواء ، اختزلت كلها في رسم كريكاتيري ، فرغم بساطته و سخريته ، إلا أن معظمها في الحقيقة ، يلامس جوهر الأمور، و يخترق عمق الأشياء ، و يلخص الواقع في صورة واحدة ، كفيلة بفهم كل الأفكار الرائجة هنا و هناك ، لكن كل هذا يتوقف على قدرات و مهارات الفنان و ملكاته الفنية و موهبته في ترجمة الواقع ، حسب ما تمليه عليه مخيلته ، برسم يؤثر في القارئ و المتلقي ، و يساهم في تحريك الرأي العام في الكثير من الأحيان ، بأسلوب لا يخلو من الفرجة و الفسحة ، يمكنه أن يصنع الفارق بين هذا و ذاك الرسام.
فن يلخص الواقع ويختزل الكلام
يرى الباحث و الأستاذ الجامعي بوخموشة إلياس ، أن تراكم التجربة خلال ممارسات فن الكاريكاتير، آل به لأن يصبح حرفة واسعة الانتشار في جل المجالات ، بما فيها السمعية البصرية ، لا سيما السينما و التلفزيون ، التي أصبحت تمثل صنفا ضروريا لوسائلنا في الاتصال والإعلام ، وحتى التسلية وبلورة الذوق ، كما هو الحال عليه في الكاريكاتير الاجتماعي ، الذي يسعى إلى تصوير قضايا وتناقضات الواقع ، و يحرص على أن يعري عيوب المجتمع ، و غالبا ما تكون سخريته لاذعة وتهكمه شديد ، لكن تأثيره يبقى محدودا ، إذا ما قورن بالكاركاتير السياسي الأكثر شيوعًا وانتشارًا ، حيث أن مهمته تحريضية بحتة ، تسعى إلى نقد الواقع، و الحراك السياسي المحلي أو العالمي ، و هناك أيضا الكاريكاتير الرياضي ، الذي بدأ يحتل مكانة مهمة و مساحة واسعة في الصحافة الجزائرية ، و يعتبر في الأساس فرعًا من فروع الكاريكاتير الاجتماعي، فكل هذه الأنواع ، جعلت وظيفة و ملامح الكاريكاتير ، تتجلى بوضوح ، كفن قائم على النقد ، و هو ما جعله يلعب دورًا أساسيًّا في الدفاع عن حقوق الإنسان ، و القضايا العادلة ، و المطالب المشروعة ، و يغوص في أعماق المجتمع ، ليستلهم من يومياته ، و يظهر للجميع ، القدرة العجيبة لهذه الخطوط البسيطة ، في نقل المعنى والمضمون، و تحريك الضمائر و نشر الوعي بين الناس ، و التقيد بنقد منفتح و بناء و إيجابي ، يستند على الحكمة و العقل و يختزل كل الكلام ، و يدعو باحترافية إلى قراءة ما بين الخطوط ، في محاولة لفتح آفاق جديدة للمستقبل والواقع ، للتغيير أو لبناء أسس اجتماعية وإنسانية جديدة ، من شأنها إصلاح الواقع ، و المساهمة في استقامة سلوكيات المجتمع ، و تلاشي صوره المشينة ، عوض فتح المجال على مصراعيه للانحراف و الإساءة و التجريح ، و لا بأس إن تم تحريف ملامح الأشخاص و الأشياء ، لأن هذا الفن يقتضي ذلك ، و مبني على المبالغة في التصوير و الرسم ، حسب الكلمة الإيطالية ، التي اشتقت منها التسمية .
طيب عراب.. عراب الكاريكاتير
لا يمكننا أن نستعرض واقع هذا الفن في الصحافة الجزائرية ، دون الرجوع إلى الرواد ، ممن صنعوا الصورة من خلال المعلومة ، و ساهموا في تأسيسه منذ تأميم الصحف الجزائرية ، وخير نموذج يمكن أن نستحضره اليوم من باب الاعتراف و العرفان ، هو ابن "لا ريبوبليك" أو "الجمهورية" حاليا، الصادرة باللغة الفرنسية في السابق طيب عراب ، هذا الاسم الراسخ في ذاكرة الصحافة الجزائرية ، و جيل الستينيات و السبعينيات على حد سواء ، لا تزال رسوماته محفوظة في أرشيف جريدتنا ، كما في مجلة "أفرك أزي" أو "إفريقيا آسيا" التي عمل بها ، عندما انتقل للعيش بالعاصمة الفرنسية باريس ، بعدما ظل يتربع على عرش الرسم الكاريكاتيري في الصحافة الجزائرية ، طوال عقد من الزمن ، امتد من نهاية الستينيات إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي ، بأسلوبه الساخر و الراقي ، البليغ و الغني عن أي تعليق ، كان عراب يرسم ما يعجز اللسان عن التعبير عنه ، حول فظاعة الحروب ، و ينتفض على الظلم و اللاعدل ، و يسخر بسلاسة و أحيانا بغضب شديد ، من بعض الظواهر الاجتماعية المتفشية بين الجزائريين ، كما سايرت رسوماته معظم الورشات الكبرى ، التي شهدتها الجزائر في تلك الفترة ، الصناعية منها و الثقافية ، عراب كان عميقا في طرحة للأفكار و في تناوله للقضايا الحساسة و الأحداث المهمة ، و كانت رسوماته تحمل أكثر من دلالة و رسالة في قالب ساخر، حتى يتسنى للقارئ فك شفراتها و فهم معانيها ، لقد استطاع هذا الفنان العصامي ، الذي تعلم من مدرسة الحياة ، و تخرج منها برتبة رائد الرسم الكاريكاتيري في الجزائر بلا منازع ، أن يؤسس قاعدة متينة لهذا الفن ببلادنا ، من خلال توقيعه لأكثر من 7000 رسم ، و يرفع التحدي أمام فنانين كبار ، من أمثال الكاتب كاتب ياسين ، و الفنان التشكيلي محمد إيسياخم ، خلال تعاونهما بجريدة " لا ريبوبليك" ، رائدة الصحف على المستوى الوطني و حتى الإفريقي آنذاك ، و المدرسة العريقة التي تخرج منها خيرة ما أنجبت الجزائر من أقلام ، و ما صنعت من أسماء في عالم الصحافة و الأدب ، فموهبته الخلاقة جعلته يتحول من "تليكسمان" إلى رسام محنك ، و فرضته فرضا على الساحة الإعلامية ، و فتحت له أبواب قاعة التحرير على مصراعيها ، ما كان هذا ليكون لولا المدير السابق ل " لا ريبوبليك" بشير رزوق ، الذي تفطن لموهبته ، و خصص له مساحة على صفحاتها ، ليصبح بذلك الأب الروحي للكاريكاتير، حتى بات يلقب ب "دوميي الجزائر" ، نسبة إلى الفنان و الرسام الكاريكاتيري الشهير ، الفرنسي "أونوري دوميي" ، كل هذا ينطبق تماما على زميله الفنان الكبير محمد حنكور خريج مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر و باريس ، الذي ساهم بدوره في ترسيخ هذا الفن في المشهد الإعلامي ، من خلال إسهاماته الكثيرة و المتميزة و الراقية ، عبر العديد من الصحف الوطنية ، لاسيما "لا ريبوبليك" ، التي عمل فيها إبان السبعينيات.
"لو إيك".. الحرية و المسؤولية
و بالمرور إلى مرحلة التعددية الحزبية و الإعلامية ، التي شهدتها الجزائر نهاية الثمانينيات و مطلع التسعينيات ، فان هذا الانفتاح شكل تحولا هاما و منعرجا حاسما في تاريخ الصحافة المكتوبة ببلادنا ، التي خرجت من جلباب القطاع العام ، لترتدي لباسها الخاص ، و قد أسفر ذلك عن ظهور العديد من العناوين ، التي تعدى عددها اليوم ال 170 صحيفة ، بعضها اليوم بات يحتل الصدارة ، و يحظى بمقروئية جد معتبرة ، بل و يشكل مرجعية في الاحترافية ، اكتسبت من ورائها شهرة كبيرة ، تعدت حدود الوطن ، باللغتين العربية و الفرنسية ، و مما لا شك فيه أن الكاريكاتير في الصحف الرائدة ، التي تصدر بالفرنسية ، يعكس بشكل جلي مدى أهمية هذا الفن في الصحافة الوطنية ، و المستوى العالي الذي بلغه ، من توقيع أسماء كبيرة و معروفة لها وزنها و ثقلها في المشهد الإعلامي ، بل أضحت رمزا للكاريكاتير الصحفي في الجزائر ، على غرار سليم بيومية "لوسوار دالجيري" و "ديلام" بجريدة "ليبارتي" ، الذي حال سفره دون أخذ رأيه في الموضوع ، و أيضا هشام بابا أحمد ، المشهور باسم "لو إيك" بيومية الوطن ، الذي صرح في هذا الشأن قائلا " إن المساحة التي يحتلها الرسام الصحفي ، هي فضاء للتعبير بكل حرية و دون أدنى قيود ، و هو أمر مهم و جد ضروري في العمل الصحفي ، لكنها في الوقت نفسه ، تحمله مسؤولية كبيرة حيال القارئ ، و تجعله شديد الحرص على طرح قضايا و أفكار جوهرية و جادة ، ليس أي شيء قابل للرسم ، فالكاريكاتير هو بمثابة افتتاحية موازية للكتابية ، باعتبار أنه يستقطب أعدادا هائلة من القراء ، على اختلاف اللغات التي يتقنونها و يتحدثون بها ، شخصيا ، أحظى بمتابعة كبيرة من قبل ، المعربين و المفرنسين و حتى الأنجلوفونيين ، و هنا يكمن الفارق بين الرسم و المقال الصحفيين" ، و بخصوص تعامله مع الظواهر السلبية و القضايا و الأحداث قال هشام "حقيقة نحن نرى الأشياء بمنظار مختلف و زاوية مغايرة تماما ، فمثلا أنا لا أنظر إلى الأشخاص بل إلى مناصبهم ، أعتقد أن الكاريكاتير يساهم ، بطريقة أو بأخرى ، في معالجة بعض السلوكيات غير المستقيمة و الظواهر السلبية ، و ربما يكون في بعض الأحيان سببا في حل مشاكلها ، بمعنى أن فكرة الرسم يكون لها صدى ، لدى الجهات المسؤولة ، بغض النظر عن الأثر و الانطباع ، الذي يتركه لدى القارئ ، و هذا ما ألمسه يوميا ، من خلال تعليقات القراء على "فايسبوك" ، و التي تتعدى ال 3000 تعليق كل يوم".
"أيوب".. عين على العيوب
إن هذا الفن لا يعدو أن يكون إلا عملا روتينيا بالنسبة للرسام الكبير أيوب ، الذي خاض فيه تجربة طويلة ، تمتد إلى نهاية سبعينيات القرن الماضي ، مكنته من صنع اسم مهم في الصحافة المكتوبة ، من خلال أسلوبه المتميز و بصمته الخاصة ، التي حرص على تطويرها عن طريق الممارسة ، خلال عمله بيومية "الخبر" في السابق ، و عناوين أخرى ، إلى أن استقربه الأمر في نهاية المطاف اليوم بجريدة "الشروق اليومي" ، يقول أيوب الذي تفنن في انتقاد العديد من الظواهر الاجتماعية ، " إن الكاريكاتير لا يعترف بالمجاملة ، كما أن الرسام اليوم بات يحظى بهامش كبير من الحرية ، للتعبير عما يريد ، قد تفوق بكثير ما هي عليه في أوروبا ، التي ساير فيها هذا الفن كل مراحل تطور الصحافة ، أما في الجزائر فهي متفاوتة من جريدة إلى أخرى و حسب الحصانة التي تتمتع بها ، لكنها في النهاية هي تعكس مستوى الصحيفة ، فنظرتنا الثاقبة كرسامين لكثير من الأمور و الأشياء ، تجعلنا نحرص على إظهار أو بالأحرى إبراز، الجوانب السلبية و الخفية و المسكوت عنها ، من خلال صورة مبسطة و محددة ، حتى تصل الفكرة للقارئ ، كل حسب قدراته الفنية ، و جرأته في معالجة الظواهر و الأحداث ، و تقديمها في قالب ساخر و بأسلوب لاذع ، مطعم بروح الفكاهة ، و هذا شرط أساسي لابد من توفره ، لأن الرسم الذي لا يضحك القارئ أو المتلقي ، لا يمكن أن نسميه كاريكاتير " ، و يضيف محدثنا في هذا السياق ، "على الرسام أن لا يتمرد على نفسه ، فبالنسبة لي هناك خطوط حمراء لا أتجاوزها احتراما للقارئ ، أقول هذا اليوم بعدما كنت متهورا في السابق ، خلال معايشتي و معالجتي لكل الأحداث التي شهدتها العشرية السوداء ، لكن لن أنكر بأن هذه الظروف الأمنية و الاجتماعية الصعبة ، و ما أفرزته من مشاكل ، منها البطالة و تسريح العمال ، خدمتني من الناحية الفنية رغم المجازفتي في طرحها ، يبقى أن أشير هنا ، أن فن الكاريكاتير في الجزائر ، قطع أشواطا كبيرا ، بالمقارنة إلى ما كان عليه في عهد الحزب الواحد ، و أحرز تقدما و تطورا إلى حد ما ، لكنه في الوقت نفسه ، لا يزال رهن المد و الجزر ، حسب الحالة و الوضع".
أصداء من مواقع التواصل الاجتماعي
لقد فرضت مواقع التواصل الاجتماعي ، حضورها في المشهد الإعلامي بشكل لافت ، و صار "فيسبوك" و "تويتر" و "أنستغرام" و غيرها من الشبكات ، جزءا من يوميات الناس ، و ضرورة ملحة في الحياة العادية و المهنية على حد سواء ، و هي وسائل لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ، باعتبارها الطريق الأسهل بل و الأمثل ، لنشر الأخبار و الأحداث و تداول الصور و الفيديوهات بسرعة البرق ، و إجراء المحادثات الفورية و إنشاء المدونات ، التي باتت تصل إلى المتلقي في حينها و حال نشرها ، مهما كان موقعه الجغرافي على وجه الأرض ، من خلال صفحات هذه المواقع ، التي اختصرت كل المسافات ، و ألغت كل الحدود ، و جعلت العالم برمته على تواصل و تفاعل دائم ، حيث أصبح الجزائريين من الفاعلين الأساسيين في هذا الحراك ، الذي انصهروا فيه إلى أبعد الحدود ، و هو ما جعل الجزائر تحتل المركز الرابع عالميا ، في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي ، بأكثر من أربعة ملايين مستخدم ، لاسيما على الفايسبوك ، حسب ما جاء في التقرير المنشور على الموقع الإلكتروني "سوشيال باكرز" ، المتخصص في رصد إحصائيات مواقع التواصل الاجتماعي ، الذي كشف عن استحواذ الشباب على حصة الأسد ، حيث باتت هذه الفئة الهامة من المجتمع ، تتفاعل اليوم مع كل الأحداث و الظواهر المتفشية ، و ملمة بكل ما يجري في الداخل و الخارج ، و تثور و تنتفض حيال كل ما يمس وطنها و كرامتها و عقيدتها ، من خلال ردود أفعال إيجابية تارة ، و سلبية تارة أخرى ، و بعيدا عن التعليقات و التغريدات الخارجة عن حدود اللباقة و الأدب ، يكفي أن نستحضر هنا كاريكاتير الرسام النمساوي ماريان كيمينساكي ، الذي نشره ساعات قبل لقاء منتخبنا الوطني بنظيره الألماني ، في مونديال البرازيل 2014 ، المتداول من قبل عدد كبير من نشطاء "الفايسبوك" و "تويتر" ، و الذي سخر فيه هذا الرسام من لاعبي فريقنا الوطني ، بسبب صيامهم شهر رمضان ، الذي تزامن مع خوضهم لهذه البطولة العالمية ، حيث أظهر الرسم لاعبينا و هم يلهثون وراء الكرة من شدة العطش ، في إشارة إلى عدم قدرتهم على تحمل أعباء المباراة بسبب الصيام ، أمام منافس قوي توج بكأس العالم في نهاية المطاف ، بعدما فاز بصعوبة كبيرة ، و بشق الأنفس أمام منتخبنا الوطني، في مقابلة تاريخية لا تزال عالقة في الأذهان ، انتهت بنتيجة هدفين مقابل واحد ، و كان هذا أحسن رد على الرسام الكاريكاتوري النمساوي ، الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي ، بسخريته المندفعة و أحكامه المسبقة ، التي أسقطت رسمه في الماء و تحلل حبره و تلاشت خطوطه ، قبل حتى الإعلان عن المرور إلى الوقت الإضافي ، إثر تعادل الفريقين في الوقت الرسمي للمباراة ، حيث أبان الشباب الجزائري ، تشجيعا قد يفوق كل الوصف ، و مساندة قوية ، و دعما معنويا كبيرا لفريقهم ، من خلال "الفيسبوك" و "تويتر".
ومن المواقف التي تحسب للجزائريين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أيضا ، ما حدث مطلع السنة الجارية ، جراء الرسومات التي نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية ، و كيف أشعل الجزائريون مواقع التواصل الاجتماعي ، دفاعا عن خاتم الأنبياء و الرسل ، و تنديدا بتجاوز هذه الأسبوعية المصابة بالجنون ، لكل الخطوط الحمراء، و الأخلاقيات المهنية ، من أجل إنقاذ نفسها من الغرق و الإفلاس ، عن طريق استفزازات عقيمة ، لا تمت للاحترافية بصلة ، و لأنها تأبى العصيان ، أعادت هذه الصحيفة المتطرفة الكرة مع الطفل "إيلان" ، حيث نشرت رسومات تسخر فيها من موته ، و من لفظ أمواج البحر لجثثه الهامدة بسواحل تركيا ، و هي الصورة التي اهتز لها العالم و حركت الرأي العام ، و تعاطف معها الحكام و صناع القرار، غير أن أسبوعية "الشر" هذه ، وجدت في المأساة ، مادة دسمة للتعبير عن "هبلها" و انحرافها مرة أخرى ، و لو على حساب البراءة ، و هو ما أثار سخط رواد مواقع التواصل الاجتماعي ، الجزائريين و العرب و حتى الأجانب ، الذين سارعوا إلى إشعال هذه المواقع ، بالتعليقات و التغريدات المعبرة ، عن استيائهم الكبير و غضبهم الشديد ، إزاء الرسومات الساخرة المنشورة ، لطفل أصبح اليوم رمزا للاجئين السوريين بأوروبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.