* قتال ضار من الخامسة صباحا الى منتصف النهار * سي بلقاسم قابل دبابة للعدو برمي مكثف واستشهد تحت عجلاتها * عسكري فرنسي حاول حرق جثامين الشهداء فقنصه مجاهد من بعيد بطلق واحد في هذه المنطقة التي شهدت التوقيع على معاهدة التافنة 1849 بين الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري والجنرال "بيجو" والتي نقضتها فرنسا ,في هذه البقعة غير بعيد عن ساحة معركة سيدي ابراهيم التي كبد فيها مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة أفدح الخسائر لجيش الظلم والطغيان كما دأب عليه طيلة 17 سنة من الجهاد , في هذه المنطقة التي احتضنت بعد قرابة قرن من ملحمة الأمير جيش التحرير الوطني ومركز قيادة الولاية الخامسة التاريخية بداية من 1956 كل شبر كل جبل كل واد كل مغارة تنطق ثورة وجهادا وتبوح لمن دنا منها بمليون سر وسر ... في هذا المثلث الثوري الماثل الى اليوم بين ولايتي عين تموشنت وتلمسان شواهد وشهادات رجال وهبهم الله اليقين وقوة الذاكرة رغم بلوغهم من العمر عتيا ... عدنا الى هذه المنطقة منطقة ولهاصة بلاد الثوم والبصل وموطن الزواية الجازولية بعد سنة بالتمام على تحقيقنا بجبل امزيرية الذي شهد سنة 1956 ابشع جرائم فرنسا ضد الانسانية في عملية اغتيال جماعي جبان ل 7 شهداء من خيرة أبناء الجزائر من جنود وقادة جيش التحرير قصفهم جيش الاحتلال بغاز محظور داخل مغارة أمزيرية واستعمل لقياس فعالية وأثار العملية . عدنا هذه المرة الى السفح الغربي لجبل أمزيرية رفقة الحاج أعمر أعمر صاحب 84 سنة أطال الله في عمره دليلنا هو ورفاق سلاح آخرين سي أحمد بن مداح (78 سنة) و سي محمد بلغراس (الذي جاوز ال 80 سنة) و ما زال يتذكر بفخر واعتزاز وشرف أبسط تفاصيل الأحداث...... هنا قلب المنطقة الثالثة من الولاية الخامسة التاريخية على مثلث أمزيرية-سيدي دحمان-أولاد مداح ميدان شرف آخر شهد في صائفة 1957 و بالتحديد في 14 جويلية معركة "المدادحة". * 1957، الثورة في نقطة اللارجوع بالمنطقة الثالثة بعد أقل من سنة عن مؤتمر الصومام (1956) قيادة الولاية الخامسة التاريخية بوعرفة محمد (سي بوسيف) الحاج بن علا، بن حدو بوحجر (سي عثمان) أو (الكولونال عثمان) سي مرباح صعدت من عملياتها الخاطفة و الجريئة على قوات و مواقع الاستعمار الفرنسي ضمن إستراتيجية جبهة و جيش التحرير بأكثر تنظيم و أكثر شمولية عبر مختلف مناطق الوطن و في المنطقة الثالثة للولاية الخامسة التاريخية رجال زعماء وقادة يطبقون المهام كما حددها "النظام"...سي قويدر بلغراس (بنمري)، سي بلقاسم، (من بني وارسوس)، سي عمورة( من تيارت)، سي محمد جبلي (داودي) أخذوا على عاتقهم التجنيد و التسليح و مباغتة العدو... * سيدي يخلف عبد الله شاهد على المعركة بعد أيام من معركة العين الكبيرة بمنطقة مديونة الجبلية التي استشهد فيها القائد سي محمد جبلي رفقة 6 من رفقائه. انسحبت كتيبة جيش التحرير الوطني إلى الشمال إلى منطقة أولاد مداح 72 مجاهدا بقيادة سي عمورة و عبد القادر العنبري و تنقل المجاهدون بين عدد من المراكز قصد إعداد العدة لمعارك قادمة و تنقل أفراد الكتيبة في تلك الأيام التي سبقت معركة المدادحة بين سيدي ورياش والنخالي و العوامرية أين تمركزوا بمنزل مولاي محيي الدين ثم عند الطيب بوجمعة ثم بلغراس ثم عند بيت سي مداح عبد الكريم و قد تم تموين الكتيبة بالأسلحة و الذخيرة والمؤونة... هذا ما علمنا من الحاج أعمر و سي محمد بلغراس و سي أحمد بن مداح و نحن في طريقنا إلى دوار سيدي دحمان لمقابلة شاهد على معركة المدادحة السيد سيدي يخلف عبد الله ولد يخلف بن بوزيان الذي حللنا عنده بعد ظهيرة يوم الخميس الماضي و جلسنا نستمع إليه يروي لنا تفاصيل هذه المعركة في الوقت الذي تحلق فيه أحفاده حفظهم الله جميعا حولنا مشدودين إلى حديث هذا الرجل الذي يحمل آثار الاستعمار على جسده (عين مفقوءة) جراء التعذيب ضربة عصا تلقاها في عملية استنطاق على مستوى الحاجب الأيسر بعد سقوطه في الأسر 3 مرات سنوات 1956، 1957، 1958 شهد خلالها تحت التعذيب كيف أقدم عسكري فرنسي على قتل مجاهد جريح ببرودة دم..... * 11 شهيدا و 45 قتيلا في صفوف العدو ضمن كرونولوجيا المعركة التي اندلعت في الخامسة صباحا من يوم 14 جويلية 1957 وانتهت في حدود منتصف النهار ملحمة حقيقية جديرة بعمل سينمائي ثوري مادته التضحية الى اخر رمق والجهاد الى النفس الاخير ... استرجع الشيخ سيدي يخلف أنفاسه وبسمل بعدما تعرف علينا ورحب بنا وقال : اذا أردتم الحديث عن الثورة فيجب أن نبدأ من البداية واذا أردتم فقط أن أدلي بشهادتي حول معركة المدادحة فاسمعوا ... بعد معركة مديونة وانسحاب كتيبة سي عمورة عبر وادي بن جلول والواد المالح (يوم قبل موقعة المدادحة ) يوم الثلاثاء تعقبت فرنسا المجاهدين وحاصرت المنطقة بتعزيزات عسكرية هائلة في محاولة انتقامية هناك في أسفل الواد تمركز الجنود بقيادة سي عمورة يرددون (الله أكبر الله أكبر) في هذه الأثناء تقدمت قوات الاحتلال ب 3 دبابات وقوات من المشاة تدعمها مروحية (لابانان) كحبة الموز ومجهزة بالرشاشات ولعدم تكافؤ موازين القوة اهتدى المجاهدون على قنص عساكر فرنسا واحدا واحدا أعلى الواد قتلى وجرحى خارج المعركة اشتد القتال قبل حلول منتصف النهار ونفذ العدو اقتحام الواد بالدبابات التي قابلها سي بلقاسم (رجل شجاع من بني وارسوس) برمي مكثف قبل أن تقدم عليه وتدوسه اسفل الواد شهيدا حيا عند الله تعالى في الوقت الذي أصيب فيه سي عمورة وانسحب بأحد الفجوج على طول الواد يقود المجاهدين ويحذرهم ويحمسهم ويحرضهم على مواصلة القتال وعدم الاستسلام كان يصرخ :" هذا نهار الجهاد .. هذا نهار الجنة". في حدود منتصف النهار قبضت فرنسا على سي عمورة وربطته على جذع شجرة واقدمت على مطاردة الأهالي بالمنطقة في عملية تهجير ممنهجة واحراق البهائم والمحاصيل الزراعية والبيوت . صورة لن انساها في اعقاب هذه المعركة التاريخية -يختم الشيخ سيدي يخلف عبد الله - اقدام عسكري فرنسي على محاولة حرق جثامين الشهداء ال 11 الطاهرة قبل ان يقنصه أحد المجاهدين من مسافة بعيدة بطلقة واحد اردته قتيلا " الشيخ سيدي يخلف الذي جاوز سنه اليوم هو الاخر ال 80 سنة يحمد الله اليوم على نعمة الاستقلال ويؤكد ... "ما قمنا به انما هو عمل في سبيل الله والوطن عانينا من التعذيب من الفقر والحرمان وبقينا ملتفين حول الثورة حول جيش التحرير حول الجزائر رغم كل شيء فقط أردنا اليوم لفتة اعتراف ولو على شكل بطاقة عضوية في جيش التحرير الوطني.