رغم أن السلطات الولائية والثقافية بتلمسان، وحتى الوزارية قامت بمجهودات كبيرة وجبارة للنقيب والبحث وإعطاء الأولويات للكثير من المواقع والأماكن الأثرية في مختلف مناطق وبلديات وقرى ولاية تلمسان، وذلك لأجل ترميمها وتهيئتها لتحضيرها للحدث الوطني والعربي والإسلامي الذي ستحتضنه الولاية لسنة كاملة بمشاركة عدة وفود وأكثر من 50 دولة ويتعلق الأمر بتلمسان "عاصمة الثقافة الإ سلامية"، ورغم المبالغ المالية الكبيرة والمهمة التي رصدت لترميم مختلف المعالم الأثرية القديمة إلا أن اللجنة التي كانت تشرف على هذه العمليات نسيت أو تناست أحد المعالم المتميزة والنادرة جدا على المستوى الولائي وحتى الوطني ويتعلق هنا الأمر "بالمسجد العتيق- مولاي ادريس-" ببلدية تيانت، هذا الأ خير الذي يزيد عمره عن 950 سنة- وهو عمر سيدنا نوح (عليه السلام)، فقد ظل منسيا تماما ولا يزال، فلا ترميم ولا اهتمام ولا حتى زيارات تفقدية من لدن القائمين على الشؤون الثقافية والدينية ولولا بعض المواطنين الذين لا يتعدى عددهم 10 أشخاص، ولا يزالون يرفعون فيه الآذان ويقومون ببعض الأشعال لتحول إلى شبه خربة مهدومة ويعود قلة المصلين فيه بحكم أنه يتواجد بمنطقة تيانت القديمة، بعدما هجر كل السكان إلى المدينةالجديدة، وتركوا منازلهم القديمة الهشة التي إتخذها بعض (الغرباء) مسكنا لهم، ويحتوي المسجد الذي زرناه على باب خشبي متين جدا وصلب رغم قدمه وبالداخل تجد مساحة مخصصة للرجال كما يحتوي المسجد على مشكاة كبيرة وأخرى صغيرة، ومختلفتين كانتا تستعملان للإضاءة والإنارة ولا زالتا تشتغلان لحد اليوم، وساحة كبيرة في الهواء الطلق بمقصورة صغيرة، على ما يبدو كانت تستعمل للصلاة في أوقات الحر الشديد، أما الشيء الأكثر دهشة وميزة للمسجد ويستحق عليه أن يرمّم ويسجل في برنامج "عاصمة الثقافة" إضافة إلى عمره الخارق هو وجود مصحفين مكتوبين بخط اليد، لا يزالا شاهدين على عراقة المسجد الذي تتلمذ فيه فقهاء وأئمة يعتبرون الآن من كبار المشايخ، ومفتون في الدين والفقه وهم آخر دفعة تعلموا في "مولاي إدريس" كالشيخ السّي برابح (بالسواحلية) والسي أحمد بودخيلي بمغنية والسّي بوجنان والسي عبد القادر بن رحو (بالغزوات) وآخرون كثيرون، أما الدفعات السابقة فلا أحد يتذكرهم، أو يعرفهم أو له معلومات عنهم وذلك للوقت والتاريخ والسنوات الكبيرة التي مضت وهو ما يدل على أن المسجد معلم ديني يفتخر به ومن الواجب الاهتمام به وإعطائه حقه اللازم في الظهور، وإقامة دراسات حو له وزيارات إليه من طرف العلماء والباحثين والطلبة، لأن مؤسسيه المباركين ورغم المعلومات الضيقة والشحيحة عنهم إلا أن نسبهم مشرف ويصل إلى الرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ولأن هذا المعلم التاريخي الذي لا يزال يعتريه الشموخ تم إهماله فقد قام رئيس البلدية السيد عمر ڤرڤار، منذ اعتلائه كرسي التسيير بمراسلات رسمية لمديرية الشؤون الدينية بتلمسان، لأجل إنقاذ هذا الصرح الديني التاريخي النادر شارحا وضعيته المزرية لكن لم يتلقى أي إجابة أو رد بهذا الخصوص، إلا أن مديرتا الثقافية والشؤون الدينية صرحتا مؤخرا أنهما اكتشفتا المعلم التاريخي في اطار التحضير لعاصمة الثقافة الاسلامية وهو ما لم يهضمه المجتمع المدني ببلدية تيانت والمسؤولين على استعمال لفظ ا(لإكتشاف) لأن المسجل موجود منذ عهود طويلة وكل السكان يعرفونه ويشاهدونه يوميا، وبعضهم يصلي فيه، ومن كل هذا يطالب المواطنون على مستوى الدائرة من المعنيين ترميم المسجد كأضعف الإيمان، وبرمجته في "عاصمة الثقافة الإسلامية" لأنه يشمل العراقة والشموخ والتاريخ والدين والعلم والأصالة والنسب، كما أنه يشرف دائرة الغزوات فرحم الله الذي أسس "مسجد مولاي ادريس" هذه المنارة العلمية العتيقة.