عرفت مدينة وهران خلال السنوات الأخيرة توسعا معماريا كبيرا وسريعا جدا غير تماما من مميزات هذه المنطقة السكنية التي تمثل في الأصل قطبا اقتصاديا هاما جالب للسّكان خاصة في مرحلة العشرية السوداء التي شهدت نزوح الآلاف من سكان الأرياف نحو هذه المدينة بحثا عن الأمن والعمل نتج عن هذا النزوح من جهة والجمود الذي عرفته المشاريع التنموية لاسيما في مجال السكن من جهة أخرى أزمة خانقة اضطرت بالسلطات المحلية الى احتوائها في فترة واحدة وقصيرة ما ساهم في ظهور عيوب اخرى في تجسيد هذه الحلول أهمّها عدم الإهتمام بمقاييس التوسّع العمراني المنتظم والذي يحافظ على النّمط المعماري الموحد لمختلف الأحياء السكنية من جهة أو حتى جاهزية واكتمال الأحياء الجديدة وتوفرها على جميع المرافق لضمان راحة المواطن وتفادي حصول مشاكل قد تكون نتائجها وخيمة فيما بعد أو حتى التوسعات العمرانية الفوضوية التي شوهت وجه المدينة من خلال ظهور عدد كبير جدا من الأحياء الفوضوية سواءا وسط التجمعات السكنية القديمة أو خارجها. في ظل وجود جميع هذه الظروف فقدت مدينة وهران شيئا فشيئا نمطها المعماري السابق وبدلا من أن نتجه نحو نمط معماري حديث ومنظم تعكسه الأحياء الجديدة التي كان يجب ان تحترم في انجازها جميع مقاييس التوسع العمراني المطابق إلا أنّها وللأسف عرفت توسّعا شابته الفوضى في عدة جوانب وبالأخص تلك البناءات التي انجزت داخل الأحياء القديمة والتي جردتها من ميزاتها وظهر مع انجازها عدم الاندماج وفقدان هذه الأخيرة لنمطها المعماري السابق فمدينة وهران بحكم شساعة مساحتها وتعدادها السكاني الكبير وعراقتها كمدينة قديمة جدا لها تميز منفرد يخصّ كل حيّ عن الآخر وكل تجمع سكني عن الآخر يعبر عن خصوصيات سكانها وطريقة عيشهم ومستواهم المادي والثقافي في نفس الوقت غير أن عدم احترام هذه المعايير جرّد تلك التجمعات السكانية من خصوصياتها وهو ما تبرره عدة أسباب. - أزمة السكن ونقص الجيوب العقارية أهم المسببات وأكد لنا في هذا السياق عدد من الأخصائيين في مجال الهندسة المعمارية وتوسع المدن بأن أزمة السكن الخانقة التي عرفتها مدينة وهران كبقية مدن الجزائر والتي زاد من حدتها النزوح الريفي الذي عرفته البلاد خلال سنوات العشرية السوداء مع ما تمخض عنها من لا أمن وبطالة من أهم الأسباب التي أدت إلى اهمال مقاييس التوسع العمراني المنظم والمطابق والمدروس إذ أن هذه الظروف حسبما أكده لنا المختصون وعلى رأسهم السيد حمان مبروك مختص في الهندسة المدنية وهو عميد لكلية الهندسة المعمارية لم تسمح بمنح اهتمام كاف لشرط النوعية في الإنجاز لأن هذا الأخير يضمن مراعاة مثل هذه المقاييس ذلك أن الأزمة فرضت التوجه نحو انجاز أكبر عدد ممكن من المشاريع السكنية وهو أمر ايجابي فعلا سمح بإزالة غبن آلاف العائلات غير أن مطابقة المعايير الأخرى لم تراع بالقدر المطلوب فتم الاضطرار مثلا الى ترحيل المستفيدين حتى قبل الانطلاق في انجاز المرافق حتى وإن كانت مبرمجة بهذه المناطق لأن مناطق التوسع هذه سبقتها دراسة غير أنها في نفس الوقت وبالنظر الى الإهتمام بشرط الكمية فإن حتى هذه المرافق ستكون غير كافية لأن عدد السكان كبير جدا وستظهر مشاكل أخرى مستقبلا بعد الإنطلاق في استغلالها كالمؤسسات التربوية ومرافق الخدمات دون الحديث عن مرافق الترفيه والمساحات الخضراء التي لم تظهر مواقع انجازها بعد هذا إن وجد لها مكان أصلا ذلك أن كثرة هذه المشاريع استهلكت مساحات شاسعة من المناطق الشاغرة القريبة من المدينة كحي الصباح والياسمين وحي النور ليتم البحث عن مناطق توسع أخرى وهو ما سيكون عن طريق تحويل المشاريع في إطار البرنامج الخماسي الجديد الى مناطق أخرى. أما فيما يخص البناءات الجديدة داخل التجمعات السكنية القديمة ونخص بالذكر البناءات غير المندمجة أو ذات النمط المعماري المخالف للبناءات المجاورة لها كأن نجد عمارة راقية بخمسة عشر طابقا وسط بناءات فردية في حي سكني شعبي ما يرسم صورة سيئة لا تعبير عن وجود أي تناسق أو نمط معماري معروف وكأنها فوضى يبررها نقص الجيوب العقارية المناسبة والرغبة دائما في انجاز بناءات وسط المدينة لسهولة تسويقها سواءا بالبيع أو للكراء دون الإهتمام بالنمط المعماري العام للمدينة، فرغم أن هذه البناءات مطابقة من حيث معايير الانجاز حسبما أكده لنا في مجال آخر مختص ثاني وهو السيد »سريان منير« مهندس معماري إلا أنها قد لا تكون مناسبة إن صح التعبير لتنجز في مثل هذه المواقع كما أن استغلال هذه السكنات من طرف أشخاص يختلفون في المستوى المادي والثقافي وغيرها قد يخلق مشاكل فيما بعد لأن أفكارهم مختلفة ومن تم لا يتناسب جمعهم في مكان واحد. من جانب آخر فإن للظاهرة مسببات أخرى خاصة وأن عمليات التوسع هذه مرهونة بوجود رخصة البناء التي تمنحها المصالح المختصة في هذا المجال والمنوط بها دور ومهمة تنظيم عمليات البناء ومراقبتها وجعلها وفقا لمخططات تعرف بمخطط شغل الأراضي. - بناءات قانونية لكن خارج النمط المعماري وأغلب هذه البناءات منجزة بطريقة قانونية أي بناء على رخصة بناء تمنحها المصالح المختصة والمتمثلة في مديرية التعمير ومن ثم البلدية غير أن هذه الأخيرة لا تمنح هذه الرخصة حسبما صرح به لنا مسؤول خلية الإتصال على مستواها إلا بعد دراسة ملف المبنى وهو ما يتطلب العودة الى مخطط شغل الأراضي الخاص بالمنطقة التي سينجز عليها هذا الأخير فإن كان يسمح بوجود مبنى بالمواصفات الهندسية المصرح بها في مخطط البناء المودع من طرف طالب الرخصة تمنح له الترخيص قانونا خاصة وأن مخططات شغل الأراضي تعد لتستغل كل 5 سنوات لتجدد مع مضي هذه الفترة وهي تتضمن مواصفات جميع البناءات الممكن انجازها على كافة المساحة التي يتعلق بها المخطط نفسه فتحدد مثلا المساحة، طبيعة البناءات إن كانت سكنات فردية أو جماعية، سكنات خاصة أو مرافق عمومية وحتى عدد الطوابق الممكن بناؤها في كل مبنى، يعد هذا المخطط وتصادق عليه جميع المصالح الإدارية المعنية ثم ينشر في الجرائد اليومية الوطنية وتمنح بعد ذلك 45 يوما لتقديم الطعون حول مضمونه إذ يمكن لجميع المواطنين الطعن في حالة رفض ما جاء به وهنا يتحدد دور هؤلاء في امكانية محاربة مثل هذه الظاهرة عن طريق الطعن في مضمونه إن جاء به ما لا يناسب حيّهم كانجاز بناءات ذات طوابق عالية أو العكس بناءات فردية وسط حي به سكنات جماعية وغيرها من التحفظات التي يمكن ابداؤها قبل انتهاء فترة الطعن لأنه وبعد ذلك يصبح المخطط عمليا ويتم وفقا لمضمونه منه رخص البناء لأن التطابق مع مخطط شغل الأراضي الخاصة بالحي هو الركيزة القانونية التي تبرر منح الرخصة لنا فإن كان هذا المخطط يسمح بانجاز بناءات لا تعكس مواصفات النمط المعماري للمنطقة فإنه وبالرغم من ذلك فإنها بناءات مطابقة ومرخصة. أما الوجه الآخر لحالات عدم احترام التوسع العمراني المطابق فقد يكون أيضا من خلال البناءات الفوضوية أو المنجزة دون رخصة بناء وان كانت على أراضي مملوكة لأصحابها غير أن عدم حيازة رخصة البناء قد يجعل منها بناءات غير مراقبة ومن ثم قد لا تتوافق والنمط المعماري للمنطقة وهي حالات مرفوضة قانونا وتعاقب عليها مواد القانون رقم 09-90 المؤرخ في 1 ديسمبر 1990 ولاسيما المادة 76 منه وتسير حصيلة نشاط مديرية التعمير في هذا السياق الى ضبط العديد من هذه الحالات. 70 حالة بناء دون رخصة وقد أسفرت عمليات مراقبة البناء دون رخصة التي تقوم بها فرق التهميش التابعة لمديرية التعمير عن ضبط 70 حالة بناء دون رخصة حرّرت ضد أصحابها محاضر متابعة قضائية قد تكلف مرتكبي هذه المخالفة دفع غرامة مالية وهذا لأن أي أشغال بناء يجب أن تكون مرخصة ومتابعة من طرف الجهات المختصة وهذا وفقا لمخطط بناء يعده صاحب السكن وتدرسه الهيئات الإدارية المعنية أما فيما يخص البناءات التي انطلق في انجازها توقفت أشغالها أو ما يعرف بالبناءات غير المكتملة فقد صدر قانون جديد بشأنها وهو القانون رقم 15-08 المؤرخ في 2008-07-20 والذي دخل حيز التطبيق شهر ماي من سنة 2009 وفتح المجال لأصحاب هذه السكنات التي لم ينته انجازها بعد للتصريح بها وانهاء أشغال قبل ماي 2013 بعدها يتم الإنطلاق في تطبيق الإجراءات العقابية التي جاءت بها المادة 76 من ق 09.90 وهذا لمحاربة ظاهرة البناءات غير المكتملة والتي تمثل شكلا آخر من أشكال التوسع العمراني غير المطابق وقد تم لحد الآن التصريح بوجوده 2600 بناء غير مكتمل عبر اقليم ولاية وهران حسبما تشير إليه الإحصائيات المقدمة لنا على مستوى مديرية التعمير وهو رقم لا يعبّر عن العدد الحقيقي للبناءات غير المكتملة الجاري انجازها رغم انتهاء مدة رخصة بنائها وهذا لأن عددا كبيرا من أصحاب هذه البناءات لا يصرحون لدى الجهات المختصة، مع العلم أن القانون الجديد يطبق على جميع أنواع السكنات سواء كانت فردية أو جماعية، عمومية أو خاصة بناءات للسكن أو مرافق خدمات. جميع هذه الحالات ساهمت في تشويه وجه المدينة وعدم احترام النمط المعماري المطابق.