1 الجمهورية : تنعقد دورة فنيزويلا لدول عدم الانحياز ( 17- 18 سبتمبر ) في سياق دولي خطير يميزه نشوب حروب جديدة ناهيك عن أزمة أسعار النفط ( التي تعاني منها عدة دول من الحركة و التي هي في نفس الوقت عضو في أوبيك ) فما هي قراءتكم لكل هذه المعطيات ؟ أستاذ لبوخ : تنعقد قمة دول عدم الاحياز لهذه السنة بفنزويلا في سياق عالمي مضطرب على كل المستويات الاقتصادية ، السياسية ، الأمنية و البيئية، كون غالبية البؤر المتوترة الآن تتمركز في بعض الدول الأعضاء في المنظمة على غرار ليبيا و العراق و اليمن و السودان و سوريا، إضافة الى دول الساحل ، ما يضاعف التحديات على هذه الحركة. و بالتركيز على أزمة أسعار النفط المتهاوية فإن كبار المصدرين هم أعضاء كذلك في الحركة مثل ايران ، المملكة العربية السعودية ، العراق ، ليبيا ، نيجيريا ، الجزائر و فنزويلا. و التي تشكل مجتمعة أكبر احتياطي عالمي للنفط. ففي ظل غياب سياسة طاقوية مشتركة بين هذه الدول يصعب الحديث عن بلورة اتفاق بين الدول المصدرة للنفط تحت سقف منظمة عدم الانحياز كون غالبية هذه الدول غير قادرة على توظيف مصادرها الطاقوية في خدمة مصلحتها . هذا لا ينفي أنه ستكون هناك مشاورات على هامش القمة بخصوص تجميد الانتاج و الحديث عن التوافق حول سعر محدد يخدم مصلحة الدول المنتجة و المستهلكة. 2 الجمهورية : دول كثيرة عضو في الحركة غالبا ما تلعب على حبلين بارتمائها في إديويوجيات أحد المعسكرين ( لأهداف سياسية و استراتيجية ) و مع ذلك تستمر في المناداة بمبادئ و أهداف الحركة ، و هذا كان سببا في افشال دور عدم الانحياز -أعتقد - ما مرد ذلك ؟ و كيف يصحح مسارها ؟ الأستاذ لبوخ : بطبيعة الحال هناك علاقات ثنائية بين دول داخل منظمة عدم الانحياز و دول خارج المنظمة على محاور كثيرة و هذا ما يفرضه المنظار الواقعي بالدرجة الأولى في العلاقات الدولية. فطبيعة المصلحة هي المحدد الأساسي للعلاقات بين الدول سواء كانت المصلحة سياسية أو اقتصادية أو أمنية. مثلا علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدةالأمريكية و بريطانيا أقوى من علاقتها مع دول أعضاء في الحركة. كذلك الجزائر و علاقاتها بفرنسا و ألمانيا و اسبانيا . و علاقة بعض الدول الأسيوية بروسيا و الصين. إضافة الى ذلك نشهد عودة روسيا بشكل ملحوظ من خلال دخولها كطرف في بعض النزاعات الإقليمية في آسيا بحيث تهدف بذلك الى الحفاض على مصالحها و السعي الى خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب . هذه العلاقات الثنائية تأثر بشكل سلبي و واضح على تطور حركة عدم الانحياز على المستويين الهيكلي و الوظيفي. فتصحيح مسار الحركة هو تحدي أمام الدول الأعضاء بداية من إعادة هيكلة الحركة و وضع خرائط عمل تمكنها من أداء وظائفها انطلاقا من نقاط التقاطع و مقدرات دول عدم الإنحياز باعتبارها تضم حوالي 120 دولة مشكلة بذلك أكبر كتلة بشرية ، إضافة الى أن دولتين مهمتين من مجموعة البريكس الأكثر نموا في العالم ( BRICS) جنوب افريقيا و الهند عضوان في حركة عدم الانحياز .ناهيك عن الصين و البرازيل التي تعتبر دول ملاحظة في كل قمم الحركة. ترتيب الأولويات أمر ضروري لتصحيح مسار المنظمة . انطلاقا من تحديد الاحتياجات السياسية، و الأمنية، و الاحتياجات التنموية. تدعيم التكتلات الإقليمية في شرق آسيا و افريقيا، و أمريكا اللاتينية. فإذا سلمنا بأن المعضلة الأساسية لدول عدم الانحياز هي غياب الفاعلية الاقتصادية. هنا يوجب العمل على تكثيف التجارة البينية بين الدول الأعضاء و تحويل جزء من الاستثمارات الخارجية لهذه الدول الى منطقة عدم الانحياز . اضافة الى إيجاد بيئة ملائمة للاستثمار. 3 أ لا تعتقدون أن الاتفاق حول عدم وضع دستور أو مبادئ أو سكرتارية دائمة للحركة قد يكون وراء عدم تأثيرها في اتخاذ القرار على المستوى الدولي ؟ الأستاذ لبوخ : في اعتقادي عدم الاتفاق على مبادئ تحكم الحركة و تأطرها هو نتيجة لضعف التعاون و التشاور البيني و الدائم بين أعضائها. فكثرة الاختلافات في عديد القضايا يحول دون تطوير هذه الحركة. فبالنسبة للتأثير في صناعة و اتخاذ القرار على المستوى الدولي يتطلب رافعة اقتصادية قوية تمكن حركة عدم الانحياز من ايجاد مؤسسة ذات هياكل قوية قادرة على التكيف مع السياق الدولي، فالتحكم في القرارات الاقتصادية بالدرجة الأولى يعني القدرة على التأثير في القرارات السياسية على المستوى الدولي. بالإضافة الى هيكلة قانونية و مؤسسية تكون بمثابة ألية للتقارب، و التفاوض بين الدول الاعضاء. 4 مما لا يدع مجالا للشك أنّ أحد العملاقين يجر الدول العضو المؤثرة في الحركة إلى صراعات اقليمية و حروب كثيرة بإغراءات متنوعة فكيف تحصّن الحركة نفسها من كل ذلك ؟ الأستاذ لبوخ : ليس من مصلحة الولايات المتحدةالأمريكية أن تَتَشكل كتلة قادرة على المنافسة السياسية و الاقتصادية مثل دول عدم الانحياز. هذا ما يفسر ايقاع بعض الدول الاعضاء في فخ النزاعات الإقليمية و الدولية من جهة . و سعي روسيا الى إعادة التموقع من جديد و دعمها لبروز نظام متعدد الأقطاب قادر على خلق التوازن مع المعسكر الغربي من جهة أخرى . كل هذه المعطيات تدفعنا للتفكير في ماهي العناصر التي تستطيع تفعيل و تحصين حركة عدم الانحياز، و هنا الرجوع الى طبيعة الأنظمة و القيادة السياسية و قدرتها على خلق فرص الاستقرار و التنمية داخل كل الدول الأعضاء ، إضافة زيادة في مستوى الوعي و الانفتاح السياسي . دون اغفال المحدد الاقتصادي. 5 اختلاف نظم الحكم في هذه الدول سبب واضح وراء اختلاف رؤاها داخل الحركة فهل لهذا أثّر على مسار نضال المنظمة ؟ الأستاذ لبوخ : الاختلاف بين الدول الأعضاء شيء طبيعي ففي السابق كانت صراعات بين كوبا و ايران و الجزائر و بين مجموعة أخرى من الدول من بينها يوغسلافيا. حيث كان الصراع ايديولوجي بالدرجة الاولى. فكوبا مثلا كانت تدعو الى ما يسمى بالانحياز الايجابي للقضايا العادلة داخل الحركة قاصدة بذلك الوقوف الى جانب الاتحاد السوفياتي كون النظام في كوبا شيوعي. و لا يزال الاختلاف بين الأنظمة و توجهاتها داخل الحركة قائما الى يومنا. و أحسن مثال على ذلك التجاذبات بين دول الحركة حول الازمة السورية و القضية الليبية. هذا الاختلاف الى جانب عوامل خارجية أخرى قد يشكل عائقا في مسار تطوير الحركة، ما يتطلب التشاور الدائم و المستمر. 6 هل حققت الحركة انتصارات أم كانت سجلا لانكسارات ؟ الأستاذ لبوخ : منذ مؤتمر باندوغ سنة 1955 الذي تبلورت فيه فكرة دول عدم الانحياز و رفضها لفكرة الاستقطاب الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مرورا بتاريخ تأسيس الحركة في 1961 في بلغراد بلغت حركة عدم الانحياز أوجها تحت قيادة المؤسسين أمثال الزعيم الهندي جواهرلال نهرو و جمال عبد الناصر و جوزيف تيتو بالإضافة الى الرئيس هواري بومدين حيث استطاعت أن تضم عددا متزايدا من الدول وحركات التحرر التي قبلت على رغم تنوعها ألأيديولوجي و تمكنت من التغلب على الكثير من الخلافات بين الأعضاء. إضافة الى المساهمة الفاعلة في دعم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، و إدانة الاحتلال و رفض الهيمنة الفرنسية على الدول الإفريقة مثل تشاد ، كذلك رفضها لسياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا، كما دعمت حق الدول في الاشراف على مواردها الطبيعية و تأييدها لحق التأميم. و تجسيد تعاون جنوب جنوب . إضافة الى التخفيف من شدة الصراع الدولي بين المعسكرين و الحد من التسلح كل ما سبق ذكره يندرج وفق انجازات الحركة في سياق تاريخي و حضور زعامة قوية. في اتجاه آخر سجلت الحركة اخفاقات عديدة على غرار القضاء على معضلة المديونية ، و مشكلة التنمية و عدم سيطرتها على بعض الخلافات الجهوية للدول الأعضاء نتيجة لهشاشة القيادة السياسية الحالية و زيادة هيمنة الدول الكبرى سياسيا و اقتصاديا و هيمنتها على المؤسسات الدولية . 7 تنعقد دورة فنيزويلا ( 17- 18 سبتمبر) و العالم في حالة غليان و الدول العضو في الحركة تعيش حروبا ضروسة فهل يأتي الحل من كراكس ؟
الأستاذ لبوح : من المبالغة أن ننتظر من قمة فنزويلا ايجاد توافق في حل النزاعات الآنية و الحروب الإقليمية بين الدول الأعضاء ، السبب في اعتقادي أن المنظمة ورثت تركة ثقيلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و بروز نظام دولي جديد مقابل غياب مبادرات فعلية و جادة من طرف الدول لتطوير عمل المنظمة . فزيادة حدة الأزمات و الحروب يتجاوز قدرة الحركة الحالية. 8 في ظل تجاذب المعسكرين للدول الحركة ( و التي تنساق وراء أطماعها ) هل تعتقدون أنه لا يزال للحركة جدوى في معترك السياسة و العلاقات الدولية . الأستاذ لبوخ : لا تزال حركة عدم الانحياز تشكل كتلة حيوية مهمة رغم كل التغيرات الدولية و محدودية فاعليتها. حيث يتوقف مصير الحركة على استعداد الدول الأعضاء في تفعيل علاقاتها في ما بينها و تجاوز الخلافات و التغلب على عوامل الضعف، ورفع درجة الوعي بمصلحة شعوبها و استقرارها من خلال إيجاد آليات جادة لتكثيف التعاون جنوب جنوب . و الاستفادة من التجارب الدولية كالاتحاد الأوروبي مثلا. كما يجب على الدول إعادة تعريف و ضبط مفهوم عدم الانحياز بما يتوافق و التغيرات الحاصلة في العالم. هنا الحديث عن الانتقال بحركة عدم الانحياز من حركة رمزية احتفالية الى كتلة فاعلة و مؤثرة في السياسة الدولية، قادرة على التفاوض مع القوى الأخرى بشأن إعادة بناء النظام الدولي و إصلاح هيئة الأممالمتحدة بما يحفظ الاستقرار و الأمن لجميع الأطراف.