الرواية جنس حديث العهد مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى، ومرتبط بالمدينة والمجتمعات الرأسمالية الحديثة. ولكن لماذا هذا الانتشار السريع حتى أضحت الرواية تتماهى مع الأدب وهمشت جميع الأجناس الأخرى؟ يرجع النقاد هذا الانتشار الكاسح لعلاقته الحرة بالأدب والواقع معا. لقد فعلت الرواية بالأدب ما شاءت. أخذت منه جميع التقنيات وجميع الأساليب وجميع الأجناس. فقد استثمرت لصالحها الوصف والسرد والدراما والمقال والتعليق والمناجاة والخطاب والرسالة. فهي ملحمة وأسطورة وخرافة وتاريخ وتحقيق صحفي وقصة، فلا تعرف مانعا ولا حاجزا يحدان من اختيارها لديكور أو زمان أو فضاء. ربما الشرط الوحيد هو طابعها النثري وإن كانت تضمن أشعارا في ثناياها، بل يتحول النثر إلى قطع شعرية لا تقل روعة من أجمل الأشعار. للرواية أيضا علاقة جد حرة مع الواقع. فهي تملك حرية تصويره بوفاء كبير، أو تشويهه، أو أخذ جزء من حقيقته وتشويه الأجزاء الأخرى، الاحتفاظ بالألوان والمقاسات أو إدخال عليها تعديلات متعددة ومتنوعة. ولا تعرف الرواية حدودا في الموضوعات المعالجة، فجميع المظاهر الحياتية قابلة لأن تكون محل تصوير ووصف وسرد. وهذه الخاصية خلقت عبر القرون الماضية إشكالات اجتماعية وسياسية أدت إلى مصادرة روايات كثيرة مثل ما حدث لرواية لاورانس الإنجليزي مع روايته "عاشق اللادي تشاترلي" في عشرينيات القرن الماضي، وكذا رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ بسبب الموضوعات الحرجة التي تناولتها هاتين الروايتين. كما يمكن لكاتب الرواية أن يتحدث باسمه وبضمير الغائب، كما يمكن إعطاء الكلمة والحكي لشخصيات متضادة ومتناقضة المعتقد. ولا يمكن لأحد أن يحاسبه على هذا التشويه وهذا التنوع وفي طريقة استثمار جميع هذه المعطيات، اكتسحت الرواية العالم الحديث بحيويتها ومزاجها المتقلب بحيث في كل مرّة يظهر نص روائي يخترق جميع التقنيات والأساليب ويشق دروبا غير مطروقة ويفتح ممكنات غير واردة، ومع ذلك لا أحد يرفضه أو يخرجه من عالم الرواية. ولكن هذا الوضع خلق صعوبة التعريف، أي تعريف الرواية. ما هي الرواية؟ أضحت الرواية غير قابلة للتعريف لأنها لا تشكل جنسا واضح المعالم. ما الذي يجمع رواية تاريخية مثل الحرب والسلم لليون تولستوي والغريب لألبير كامو؟ لا من حيث التعامل مع الواقع ولا من حيث التعامل مع الوصف والسرد والشخصيات. من هنا صعوبة وضع نظرية للرواية يمكنها ضم جميع النصوص الأدبية التي تسمي نفسها رواية. ومن هنا أيضا اختلاف النقد والنقاد في تقييم الروايات وتصنيفها. يمكن لنص واحد أن يثير استحسان بعض النقاد واستهجان البعض الثاني. بهذه الحرية المطلقة في التعامل مع الإرث الأدبي من جهة والواقع الإنساني من جهة أخرى تتمَوْقع الرواية كأحسن وأنجع وسيلة للحديث عن الحياة في سيرورتها التاريخية وحيويتها الدائمة التي تدفع إلى التغيير الدائم.