بلغني أيتها الملكة السّعيدة أنّ المحبّ أنواع محبّ بعقله ومحبّ بعينه، ومحبّ بقلبه ،ومحبّ بسويدائه، فأمّا المحبّة بالعقل فلا خير يرجى منها، إذْ هي محض طقوس تظهر للبشر أنّنا على قيد الحياة ، وأنّنا نستطيع أن نشابك بين أيدينا على شاطئ مزدحم ...فتعلو الكثائف وتغيب اللّطائف وتخرج العاطفة إلى شوارع القلب في مظاهرة تطالب بحقوقها التي سلبها المنطق إيّاها ،وغالب هذا الحبّ يأتي من جانب من جاور المناطقة . ولا يستطيع هذا النوع أن يعيش إلّا على بساط الخوف من الخطيئة والأغيار... أما سمعت قول أحدهم؟ : لومي أخيّة صولجان خطيئتي *** ما عاد في التّفاح من أعصابي غرّي بها غيري سحابك خلّب *** والأمنيات البيض محض سراب وأمّا محبّة العين فللصّبية، ومنها جاءت كلمة « الصّبابة « ،لأنّهم يعشقون الصّور ، في ظلّ هذه المحبّة تجتهد العين أن تقنع القلب بالانفعال للمحبوب ... فيجيب القلب بالأرق والنّحول والغياب فترات عن زمانه ... فإذا أصيب ذو الشّيبة بهذا الطّاعون زاد تعلّقه بالنّسيم ،واستحال شيبه سوادا ،وجرى خلف الورد يريد اغتنام ما تبقّى من لحظات الهوى . وأمّا محبّة القلب فأن يكون الاثنان واحدا برغم أنف الريّاضيات، وأن يلبس المحبّ محبوبه ويجري فيه مجرى الدمّ ، لأنّ العين أقنعت القلب أن هذا هو المنى الذي ليس بعده منى ، أمّا العاطفة فتكفّ عن الاحتجاج فقد بلغت منيتها ، فهي في حديقة الوجدان تغنّي ما تناهى إليها من تراتيل الهوى الأوّل . - أما حبّ السويداء فهيهات أن يبلغه أحد . أحسست أن الملكة تريدني أن أسكت ... وكان قد أدركني الصّبا فتوقّفت عن الكلام المباح .