من المفاخر التي تحسب لمنطقة البيض احتضانها للعديد من المقاومات الشعبية التي لا تقبل بأي تواجد للمحتل الأجنبي علي اديمها الطاهر فكان لفعل المقاومة وقعه وتداعياته علي السكان الذين لم يتعايشوا مع الغازي وأعلنوا الجهاد سبيلا للتخلص منه فعرفت الجزائر عددا من الثورات شرقا و غربا وشمالا و جنوبا الذي شهد اندلاع ثورة أولاد سيد الشيخ سنة 1864 بقيادة سي سليمان بن حمزة و سي قدور و سي العلا مرورا بمقاومة الشيخ بوعمامة و انتهاء بالثورة التحريرية المباركة في الفاتح من نوفمبر 1954 هو مسار طويل من العطاء سالت فيه دماء زكية علي ثري الجزائر في سبيل الحرية فكان للمنطقة علي غرار باقي انحاء الوطن اسهام كبير في التحرير من الاحتلال الغاشم الذي حاول ان ياتي علي كل ماله صلة بالوطن فأفرغه بالكثير من الكوارث القاسية كالاوبئة و الامراض و الفقر و الجهل و انتشار الجراد و هذا طبع الغزاة المرتبط وجودهم بكل سيء يحركهم حب السيطرة يقابل ذلك نخوة الجزائرين المتمسكين باصالتهم و بدينهم و وطنهم و ارضهم و لغتهم و ثقافتهم و تاريخهم و قيمهم التي وجه اليها الغزاة منذ الوهلة الأولي سهامهم المسمومة دون ان يفلحوا فخاض الاباء و الاجداد المعارك في المدن و ساحات الوغي التي قد تختلف مواعدها و أماكنها لاسباب تكتيكية و ظرفية لكن القاسم المشترك بينها عداوتها للاحتلال و بكل ما له علاقة به فاستطاعت رغم محدودية امكانياتها ونقص خبرتها توجيه ضربات موجعة للمحتل فعطلت بذلك مشاريعه البائسة التي تلغي الاخر و تجثم علي صدره لتسلبه حريته فلم يهنأ من جاء من وراء البحاربالطمأنينة التي اراد سلبها من السكان الاصليين الامنين انها المقاومة التي كلما انطفأت في منطقة اشتعلت جذوتها في أخري ليشتد عودها أكثر و تزداد قوة و شراسة مبطلة الاعتقاد ان سيطرتهم علي الجزائر ما هي الا مسالة ايام معدودات . ملاحم تستوقفنا وفي خضم هذه الاحداث المتسارعة و تكالب المحتلين برز رجال لا يتوانون في تقديم الغالي و النفيس دفاعا عن الارض و العرض شاءت الاقدار ان يتحملوا هذه المسؤولية الثقيلة فانخرطوا في صراع استمر طويلا و لكون ايام الجزائريين تشابهت في مقارعة المحتل منذ محاولاته الاولي احكام السيطرة علي اجزاء كبيرة من الوطن تستوقفنا واحدة من هذه الملاحم يتعلق الامر بموقعة الصمود '' تازينة'' التي حدثت في 19 ماي 1881 بقيادة ابي عمامة الذي قاد مسيرة الجهاد بالجنوب الوهراني قرابة ثلاثين سنة انه ابوعمامة العربي البوشيخي البكري ولد سنة 1256 ه الذي وافق 1835 م بقصر الحمام الفوقاني (فقيق ) و المتوفي ببودرين في 7 أكتوبر1908 حسب ما أورده الاستاذ عبد الحليم وابل في كتابه '''ابطال المقاومة الوطنية المسلحة ''' عن دار الهناء للطباعة و النشروالتوزيع ولئن اختلف بعض المؤرخين حول تاريخ مولده فان المؤكد اجماعهم علي انتمائه لاولاد سيد الشيخ الغرابة الذين ينتهي نسبهم عند الخليفة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و يبدو ان تسميته بابي عمامة سببها استعماله للعمامة التي تغطي الرأس وقد عرف بها العرب لتقيهم من القر و الحر أثناء ترحالهم تكيفا مع المناخ و طبيعىة الصحراء القاسية حفظ القران الكريم ليبدأ الدعوة إلي التصدي للتبشير و التنصير شخصية جمعت الكثير كالتصوف و العلم و الوجاهة والاعتزاز بالانتماء للاسلام و العروبة فحفظ القران الكريم وتعلم الفقه و اللغة واقام زاوية مقرار في 1872 كانت مدرسة لتلقين العلوم و مساعدة المحتاجين لخدمة للدين و الوطن قولا و فعلا فمهد بذلك لثورته وقد ايقن انه لا ثورة دون اعداد مادي ونفسي ومعنوي فاحتل مكانة مرموقة بين القبائل اهلته ليكون قائدا لثورة مازالت مادة خصبة للدارسين و المهتمين ابطالها اهل الجنوب الغربي وقد مرعليها 130 سنة مازال صداها في الذاكرة يصنع حديث اهلها من الجزائريين عموما و سكان الابيض سيدي الشيخ و البيض و القصورخصوصا مع اغلب المدن الغرب الجزائري اذ تعد معركة تازينة واحدة من عشرات المعارك التي قادها هذا المجاهد في الفترة الواقعة بين 1881 1908 و قد ادرك بحدسه منذ البداية الخطر الذي يتهدد الارض و الدين و اللغة بسبب هؤلاء الفرنسيين فحشد لذلك ابناء المنطقة من الطرافي و الأحرار و أولاد سيد الشيخ و اولاد زياد و امقرار و اولاد سي التاج وو اولاد عمور و قبائل القصور الشلالة و بوسمغون و اربوات و غيرها من القبائل الاخري التي انضمت اليه لتكون له سندا في الحرب و حصنا منيعا في صد العدو تقع تازينة بولاية البيض حوالي 120 كلم عن عاصمة الولاية و ب70 كلم مدينة الابيض سيدي الشيخ وتحتل موقعا جغرافيا متميزا بين ولاية البيض و النعامة و في دلالة الموقع ما يشير الي كثير من بعد النظرللقائد الذي استطاع هزيمة العدو و قد اسفرت عن مقتل الملازم مارك لوروي و عدد كبير من الضباط و الجنود الفرنسيين ليصل العدد الي حوالي 300 قتيل كبد فيها الثوار الجيش الاستعماري خسائر كبيرة و حقق فيها المجاهدون انتصارا لافتا خصوصا في ظل الاختلال في ميزان القوي و نقص الخبرة التي مكنت من تقليص هامش الحركة للمحتلين مما شجع المجاهدين علي الاقبال علي الجهاد فاسست لمرحلة من الكفاح تواصل لسنوات بالجنوب الوهراني الذي شهد ايضا ثورة اولاد سيد الشيخ في 1864 الي غاية نهاية القرنأعقبتها ثورة الشيخ بوعمامة من 1881 الي غاية 1908 فالكثير من المؤرخين يقولون ان مقاومة الشيخ بوعمامة ما هي الا امتداد لثورة اولاد سيد الشيخ بقيادة سي سليمان بن حمزة وهذا التقسير له ما يبرره بالنظرالي الترابط الجلي في الزمان و المكان زيادة علي الاسباب المشتركة التي اوجبت قيامها منها علي الخصوص ان الاحتلال هو السبب الرئيس للقيام بهذه الثورة فهو خطر يتهدد الدين و اللغة و مقومات الجزائريين و تعرضهم للتهجير وهم المرتبطين دوما بالارض ابا عن جد التمييز و التنصير و التقتيل و التفقير و الكثير من المظالم التي جاء بها الاحتلال الذي هدد الكيان الجزائري و هذه الاسباب تشكل مدعاة للانتفاظة ضد الغزوالذي يسلب الانسان حريته و كرامته و لان التاريخ ليس سردا للاحداث فقط فان معركة تازينة خصوصا و الثورات التي تزامنت معها قد افرزت عدة حقائق منها. بواسل وتضحية ان هذه المعركة وقعت في مكان مهم جغرافيا مكن اغلب قبائل الصحراء من المشاركة في القتال فضلا عن كونها حلقة وصل بين ثورتي اولاد سيدالشيخ وابي عمامة التي دامتا مجتمعتين حوالي 44 سنة وبالتالي كانت من اطول الانتفاضات في تاريخ الكفاح ضد المحتل الفرنسي ان الجزائري يرفض التعايش مع من يسلبه حريته و لا يتردد في التضحية في سبيل ذلك فالدخيل ليس له مكان بين الشعب الجزائري الزاويا احيت جذوة الجهاد و الدعوة اليه فخرجت علماء و ابطالا فهي مدارس لتعليم العلم والقيم و قادتنا رضعوا حب الوطن منها لا مساومة مع من يتعرض للوطن ذلك ان الاحتلال ليس قدرا و هؤلاء الابطال زرعوا بذرة الثورة للاجيال التي خلفتهم فكانت ثورة اول نوفمبر خاتمة لحقبة من النضال و الكفاح فرضت الوقائع علي الارض ان تجري المعارك في مناطق معينة وهذا لا يعني ان تفكير هؤلاء يتوقف عندها بل كان يشمل الجزائر كلها بدليل امتدادها علي ارض المعركة و التي شملت انحاء اخري في اقاصي الصحراء جنوبا كرزاز و معسكر ثورة الشيخ بوعمامة و مثيلاتها استطاعت ان تنشر بين عامة الشعب حتمية المقاومة كسبيل وحيد لتحرير الارض التي عانت من ويلات القهر و الاستبداد و الظلم الذي مارسه المحتل علي الجزائريين لحقبة زمنية دامت قرنا واثنين و ثلاثين سنة علمنا هولاء القادة الابطال كيف يكون حب الوطن و التضحية من اجله فقد سعوا الي لم الشمل بين الجزائريين في تنقلهم عبر المناطق و الالتقاء بالقبائل والحث علي دعم الثورات لمحاربة الاحتلال و التكاثف لبناء الجزائر شرقا و غربا وجنوبا و شمالا فالقادة حتي و ان لم يخرجوا الاحتلال دفعة واحدة فانهم لم يستسلموا فواصلوا جهادهم فإجتهدوا و في ذلك رسالة الي الاجيال اننا نحن من بدا و انتم من يكمل فقد اثمر الغرس ثورة اول نوفمبر1954 التي انجزت مهمة تحرير الارض و الانسان معا من دنس الاحتلال