بعد أن راهن الكثيرون على فشل الانتفاضات العربية وأفول نجمها، وتحوله إلى حروب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف، أو فشله لكونه أعاد انتاج نسخ متشابهة من أنظمة ثارت شعوبها عليها، تأتي ثورات السودان والجزائر لتقلب الموازين وتعيد للصورة ألقها ولصوت الشارع صداه المسموع. عادت اللوحات والهتافات والأغاني والرقصات في الساحات لتتصدر المشهد من جديد، وتزيح جانباً صورَ الدمار والمعارك حيناً وحقيقة المآلات السياسية والأمنية والاقتصادية المخيبة في كثير من دول المنطقة حيناً آخر. أبرز ما يميز هذه التظاهرات حالياً هو الوجود النسوي، بل تصدر النساء لهذا الحراك في كثير من منعطفاته، لتخطف المرأة العناوين وتصنع الخبر عبر وجودها في الميادين سواء في السودان أو في الجزائر، كاسرةً كل القيود الاجتماعية وثائرة على تاريخ من التمييز ضدها وليس فقط على أوضاع سياسية أو اقتصادية، معيدة صورة مشاركة نساء كن قد تقدمن صفوف حراكات أخرى في دول الربيع العربي يوماً ما. صور عديدة لنساء متظاهرات مبدعات بأساليب الاحتجاج انتشرت خلال الأسابيع الماضية، لكن صورتين انتشرتا مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحتا الحديث الأبرز لرواده. إحداهما لفتاة جزائرية، راقصة باليه، تؤدي رقصة حالمة أمام العلم الجزائري وسط حشود من المتظاهرين في شوارع العاصمة، تحيطها نظرات الاستغراب والإعجاب في آن. في حين أن الأخرى، للفتاة السودانية آلاء صالح، التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى أيقونة للثورة السودانية بردائها الأبيض وصوتها الصداح يهتف: حبوبتي كنداكة. والكنداكة هي لقب كان يطلق على ملكات حضارة مروي السودانية القديمة وتطلق حالياً على النساء المشاركات في الاحتجاجات لشجاعتهن. وانتشرت على تويتر صورة آلاء مرسومة كذلك مع شعار يقول: “صوت المرأة .. ثورة”. لينتشر بعد ذلك مقطع فيديو لها وهي تغني وتهتف بأبيات شعرية ثورية باللهجة السودانية ويردد وراءها المتظاهرون بعد كل بيت كلمة “ثورة”.