أنهت هيئة الحوار والوساطة، صياغة مشروع تمهيدي لإنشاء أول هيئة مستقلة عليا لتنظيم الانتخابات، تحت اسم “السلطة الوطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات”، والتي من المقرّر أن تشرف بالكامل على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما تليها من استحقاقات انتخابية، بعدما ظلّ هذا مطلباً مركزياً لقوى المعارضة منذ سنوات. وتضمن مشروع قانون إنشاء الهيئة، ترتيبات حول تشكيلة الهيئة وصلاحياتها، وكيفيات إدارتها للانتخابات، ومراقبة سلامة العملية الانتخابية، وعلاقتها بالمؤسسات الرسمية والإدارية. ويصف المشروع الهيئة بأنها “سلطة وطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات، دائمة ومستقلة، تمارس مهامها وتتمتع بالاستقلال الإداري والمالي”. وظل إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وسحب التنظيم من الداخلية والإدارة مطلباً جماعياً لقوى المعارضة، وتضمنته الأرضية السياسية التي صدرت عن مؤتمر المعارضة في جوان 2014، لكن السلطة رفضت حينها إنشاء الهيئة، واستبدلت ذلك بهيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، لم تكن لها أية فاعلية في حماية الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت عام 2017، من التزوير والتلاعب بالنتائج. ويحدّد القانون الجديد صلاحياتها، إذ تعكف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على تنظيم وإدارة، والإشراف والمتابعة والرقابة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، وعلى الاستفتاءات من التسجيل في القوائم الانتخابية إلى إعلان النتائج الأولية، مروراً بكل عمليات تحضير العملية الانتخابية، واستلام ملفات المرشحين، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية لحماية الانتخابات، وتنظيم الحملة الانتخابية، والبت في المنازعات، وعمليات التصويت والفرز. وكانت هذه الصلاحيات في السابق بين يدي وزارة الداخلية والإدارات المحلية في الولايات والبلديات، وكانت تُتّهم في الغالب بالتورط في التلاعب بالانتخابات تنظيماً وعلى مستوى النتائج وتزويرها، وينص القانون الجديد على أنّ “كل الصلاحيات التي يمنحها القانون العضوي للانتخابات للولاة ولمختلف إدارات الولاية، وأيضاً كل صلاحيات البلديات في المجال الانتخابي تنقل للمجلس الولائي للسلطة”، علاوة على “وضع كل الموظفين على مستوى الولاية والبلدية، الذين لهم علاقة بالانتخابات، تحت تصرف السلطة وفروعها عبر الولايات والبلديات”. وتصبح الهيئة سيدة في علاقة تسلّم ملفات المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة والبت فيها، بدلاً من المجلس الدستوري، الذي يخسر هذه الصلاحية لصالح الهيئة، وهو ما يزيل كثيراً من الغموض الذي كان يسود معالجة المجلس الدستوري لملفات المرشحين، خصوصاً ملف ترشح الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2014، وانتخابات 18 أفريل الماضي التي ألغيت، إذ كان قد قبِل المجلس ملف ترشح بوتفليقة رغم وضعه الصحي. وتصبح للهيئة، حسب نص القانون المقترح، فروع في البلديات والولايات وفي الخارج أيضاً، إذ يُنشأ “المجلس الولائي للسلطة المستقلة للانتخابات”، ويتشكل كل مجلس ولائي من خمسة أعضاء، من بينهم قاضٍ ومحامٍ وثلاثة ممثلين عن المجتمع المدني، “لتجسيد وتعميق الديمقراطية الدستورية وترقية النظام الانتخابي والاستفتائي المؤدي إلى الترسيخ الفعلي لمبدأ سيادة الشعب والتداول السلمي على السلطة عن طريق انتخابات حرة وشفافة وتعددية ونزيهة تعبر عن إرادة واختيار الشعب الحقيقي”. وحدّد القانون عدد أعضاء الهيئة المركزية ب”20 عضواً، هم رئيس ومجلس للهيئة وأمين عام على المستوى المركزي، وتتشكل هذه الهيئة من ثلاثة قضاة وثلاثة محامين معتمدين لدى المحكمة العليا، وثلاثة من أساتذة التعليم العالي، وعضو يمثل الجالية الجزائرية في الخارج، وخمس شخصيات وطنية مشهود لها بالخبرة والكفاءة والحياد وعدم التحزب، وخمس شخصيات من المجتمع المدني”، وينتخب رئيس الهيئة من قبل مجلس الهيئة. لكنّ القانون يمنح لرئيس الجمهورية حق اختيار الأعضاء العشرين من مجموع الشخصيات المقترحة من قبل كل فئة (يتم اقتراح ستة ليتم تعيين ثلاثة منهم)، وهو ما تحفظت عليه بشدة عدة قوى سياسية أعلنت رفضها المسبق لفكرة التعيين التي جاء بها النص، وشددت على التمسك بمبدأ الاختيار الحر، وإسقاط مبدأ التعيين من النص الجديد بعدما سلمتها الهيئة نسخة منه. ويمنح القانون الحصانة الوظيفية لأعضاء الهيئة، إذ لا يمكن ملاحقتهم قضائياً على الأقوال والأفعال المتعلقة بعملهم في الهيئة، وينصّ على أن تكون مدة عضوية الهيئة ثماني سنوات غير قابلة للتجديد، ويتم التجديد النصفي لأعضائها كل أربع سنوات. ويضع القانون اشتراطات محددة لعضوية اللجنة، حيث يحدد أن يكون سنّ العضولا يقلّ عن 40 سنة، وأن يتمتع بالكفاءة، والسمعة الطيبة، والخبرة، والاستقلالية، وتفرض العضوية في اللجنة عدم عملهم في أي وظيفة أخرى أو مهنة حرة أو نشاط تجاري، فضلاً عن عدم الانخراط في الأحزاب السياسية منذ خمس سنوات على الأقل، بالإضافة إلى عدم تحمل أي مسؤولية في الجهاز التنفيذي على المستوى المحلي أو الوطني. واستثناءً، في ما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبسبب عامل الوقت الضاغط، اقترحت هيئة الحوار في النص الجديد أحكاماً انتقالية تخص هذه المرحلة، واقترحت في المادة 31 من القانون منح رئيس الدولة عبد القادر بن صالح صلاحية تعيين أعضاء 15 شخصية مستقلة لإنشاء أول مجلس للسلطة الجديدة للانتخابات، بعد استشارة قوى المجتمع المدني، “من أجل تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية والخروج من الأزمة في أحسن الظروف”، وفق ما أعلنته الهيئة في ديباجة المشروع. ويُنتظر أن يُعرض قانون إنشاء الهيئة العليا للانتخابات في وقت قريب جداً على البرلمان، الذي عاد إلى الاجتماع الثلاثاء، بعد فترة عطلة لمناقشته والمصادقة عليه، قبل وضعه حيز التنفيذ بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي اقترح الجيش إجراءها قبل نهاية السنة الجارية. ويترتّب على إنشاء الهيئة العليا للانتخابات، بالضرورة، تعديل قانون الانتخابات لإسقاط أوتعديل كلّ المواد التي تمنح وزارة الداخلية والإدارة في الولايات والبلديات سلطة تنظيم الانتخابات، والتي أنهت الهيئة أيضاً تعديله، ويُنتظر أن يتم عرض تعديلاته في نفس الوقت على البرلمان. .. التقرير المرسل إلى الأحزاب قابل للتعديل وأعلنت هيئة الحوار والوساطة أنّ التقرير الذي رفعته إلى الأحزاب السياسية التي التقتها “أوليّ والنصوص القانونية التي يتضمنّها ليست نهائية وهي طور المناقشة للإثراء من طرف مختلف الفاعلين السياسيين”. وأكدت الهيئة في بيان لها أنها ستأخذ عاتقها تدوين وإدراج كل المقترحات التي تصلها تباعا في التقرير النهائي الذي ستعدّه لاحقا. وتضمن التقرير المرسل للأحزاب مشروع السلطة الوطنية لمراقبة الإنتخابات التي تتكون من قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين، حيث ستدرس اقتراح تعيين قاضي من المحكمة العليا على رأس الهيئة. من جهة أخرى، كشف منسق هيئة الحوار والوساطة، كريم يونس، في تصريح لوسائل الإعلام أمس، تضمن تقييم لعمل الهيئة أن الأخيرة التقت ممثلين عن 23 حزبا سياسيا و5084 ناشطا سياسيا وجمعويا.