* تنصيب أول رئيس للجمهورية لا يحمل صفة “مجاهد” تجري مراسم تنصيب عبد المجيد تبون كرئيس جديد للجزائر اليوم بقصر الأمم في الجزائر العاصمة، وسيؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية في بداية الحفل، ثم يوجه أول خطاب للأمة بعد تنصيبه وبحضور السلطات العليا المدنية والعسكرية للبلاد فضلا عن ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر وذلك بعد أن أعلن المجلس الدستوري يوم الاثنين الماضي عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر 2019. وسيباشر الرئيس تبون مهامه فور آدائه اليمين الدستورية طبقا للمادة 89 من الدستور التي تنص على أن “رئيس الجمهورية المنتخب يؤدي اليمين الدستورية أمام الشعب بحضور جميع الهيئات العليا للأمة، خلال الأسبوع الموالي لانتخابه ويباشر مهمته فور أدائه اليمين”. وتورد المادة 90 من الدستور نص اليمين الذي سيؤديه الرئيس المنتخب، وهو كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، وفاء للتضحيات الكبرى، ولأرواح شهدائنا الأبرار، وقيم ثورة نوفمبر الخالدة، أُقسم بالله العلي العظيم، أن أحترم الدين الإسلامي وأمجده، وأدافع عن الدستور، وأسهر على استمرارية الدولة، وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري، وأسعى من أجل تدعيم المسار الديمقراطي، وأحترم حرية اختيار الشعب، ومؤسسات الجمهورية وقوانينها، وأحافظ على سلامة التراب الوطني، ووحدة الشعب والأمة، وأحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن، وأعمل بدون هوادة من أجل تطور الشعب وازدهاره، وأسعى بكل قواي في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرية والسلم في العالم. والله على ما أقول شهيد". وسيشهد الحفل تسليم المهام لتبون، من الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الذي تولى المهمة في أفريل الماضي، خلفا لعبد العزيز بوتفليقة، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية دعمها الجيش بعد 20 عاما في الحكم، جعلته أكثر رؤساء البلاد مكوثا في المنصب. وسيكون تبون (74 عاما) أول رئيس يتولى قيادة الجزائر من جيل المسؤولين، الذين اعتلوا المسؤوليات بعد الاستقلال عام 1962 لا يملك صفة "مجاهد"، أي من قدماء المحاربين خلال الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954/1962). وتنص المادة 87 من الدستور على أن الذي "ينتخب لرئاسة الجمهورية يجب أن يثبت مشاركته في ثورة نوفمبر 1954، إذا كان مولوداً قبل جويلية 1942″، وأن "يثبت عدم تورط والديه في أعمال ضد الثورة التحريرية إذا كان مولوداً بعد جويلية 1942". ويعد هذا الشرط لتولي منصب الرئاسة ثابتا في دساتير الجزائر منذ الإستقلال في 1962، وأفرز ذلك اقتصار تولي المنصب على شخصيات من قدماء المحاربين خلال الثورة التحريرية، ووصفت هذه المرحلة بفترة حكم "الشرعية الثورية". وتداول على الحكم في الجزائر منذ استقلالها، 11 رئيسا بين مؤقت ومنتخب كلهم شاركوا في الثورة، بداية بالرئيس الراحل أحمد بن بلة (1962- 1965) وآخرهم عبد القادر بن صالح الرئيس المؤقت حاليا. وطيلة السنوات الماضية، كان الخطاب الرسمي الذي يطلقه المسؤولون أن البلاد تتجه نحو إنهاء مرحلة "الحكم باسم الشرعية الثورية"، وتسليم المشعل لجيل الاستقلال من خلال الاحتكام للصندوق. وفي أول خطاب له بعد إعلان نتائج الانتخابات الجمعة الماضي، قال تبون "أعتبر نفسي همزة وصل بين الجيلين السابق والحالي لتسليم المشعل للشباب"، حيث تمثل هذه الفئة ثلثي عدد سكان البلاد البالغ 43 مليون نسمة، حسب إحصاءات رسمية. لكن تولي تبون هذه المهمة جاء في ظروف استثنائية ميزتها تواصل الحراك الشعبي ضد النظام للشهر العاشر على التوالي، الذي يعد مطلب التغيير الجذري للنظام وعودة السيادة للشعب في اختيار من يحكمه أهم مطالبها. وحتى بعد إعلان فوز تبون في انتخابات الرئاسة، خرجت مظاهرات حاشدة بعدة مدن وصدرت بيانات من معارضين تعتبر الانتخابات "فرضا للأمر الواقع" و"محاولة لتجديد النظام من الداخل للالتفاف على مطالب الشارع". لكن الرئيس الجديد أعلن "مد يده للحراك من أجل الحوار"، متعهدا "بتعديل عميق للدستور عبر حوار شامل وتعديل القوانين الأساسية ثم إجراء انتخابات عامة نيابية ومحلية مبكرة لإعادة الكلمة للشارع"، وهي دعوة خلفت انقساما في الشارع بين مؤيد ومعارض. ..حضور المترشحين الخاسرين الأربعة وينتظر أن تشهد جلسة أداء اليمين الدستورية، حضور ثلاثة مترشحين خاضوا مع الرئيس المتنخب سباق رئاسيات 12 ديسمبر، الذين بادروا بتهنئته مباشرة عقب حيازته على ثقة الشعب الجزائري صباح الجمعة، وهم عز الدين ميهوبي، عبد العزيز بلعيد وعبد القادر بن قرينة الذين وصلتهم الدعوة بصفة رسمية، حسب معلومات مؤكدة. بالمقابل سيكون المترشح الخاسر علي بن فليس حاضرا بجلسة قصر الأمم، رغم أنه لم يتقدم بالتهنئة لرئيس الجمهورية الجديد بعد إعلان النتائج عكس المترشحين الآخرين، إضافة إلى غيابه عن أداء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لليمين الدستورية سنتي 2004 و2014 على التوالي. وأكد قيادي في حزب طلائع الحريات حضور رئيس الحزب، علي بن فليس، لجلسة أداء الرئيس الجديد عبد المجيد تبون لليمين الدستورية. وأكد المصدر أن بن فليس الذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 12 ديسمبر تلقى دعوة رسمية من مصالح رئاسة الجمهورية وقرر الحضور رغم عدم تقديمه تهنئة في وقت سابق للرئيس المنتخب. ويُنتظر أن يحضر جلسة أداء اليمين مسؤولون سامون في الدولة يتقدمهم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، رئيس المجلس الشعبي الوطني سليمان شنين، رئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قوجيل والنواب من غرفتي البرلمان، ومسؤولون من عدة دول والسلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر. ..قيس سعيّد يحل بالجزائر سيكون الرئيس التونسي، قيس سعيد، في مقدمة الرؤساء المهنئين لنظيره عبد المجيد تبون،. وقالت تقارير إعلامية إن الرئيس التونسي سيحضر مراسم تأدية الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، لليمين الدستورية المقررة اليوم الخميس، ليكون بذلك وفّى بوعده، حيث قال سعيد مباشرة بعد انتخابه، إن الجزائر ستكون الدولة الأولى التي يزورها بعد انتخابه رئيسا للجارة الغربية. .. تحديات تنتظر تبون والبدء في تشكيل الحكومة يترقب الشارع الجزائري القرارات التي سيتخدها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، وبينما يجد بعض المحللين أن فوز تبون يعد انتصارا وحماسة لمؤسسات الدولة المستدامة وتعزيزا لاستقرار الجزائر، يرى آخرون أن أمامه مهام صعبة لتفعيل ما تراكم من منجزات وإعادة لملمة الأوراق. وذكر أستاذ العلوم السياسية، توفيق بوقاعدة، أن مظاهرات الشارع الجزائري التي انطلقت منذ 22 فبراير، ليست مرتبطة بالانتخابات وحدها، وإن كانت المطالبة بانتخابات نزيهة مطلب من جملة المطالب التي رفعها المتظاهرين في شعاراتهم، مضيفا أن المسار السياسي الذي أفضى إلى هذه الانتخابات لم يكن محل توافق بين السلطة والقوى السياسية المعارضة في البلاد، وهو ما جعل المقاطعة أحد أشكال التعبير عن رفضها، وعدم الاعتراف بنتائجها، لأنها كانت انتخابات مغلقة ترشح لها رجال سبق لهم العمل مع بوتفليقة، الذي كان يطالب الحراك برحيلهم، وتستمر المظاهرات المطالبة باصلاحات حقيقية تمس منظومة الحكم وليس تغيير الواجهة السياسية للنظام فقط. وبين بوقاعدة للفجر أن التحديات التي تواجه المترشح الفائز في هذه الانتخابات كثيرة ومتعددة، مشيرا إلى أن الحراك الشعبي في الشارع هو أكبر التحديات، التي علي الرئيس الجديد إيجاد آليات الاستجابة لمطالبه، والبدء في مسار تفاوضي لتحقيق تلك المطالب، ووضع الركائز الأساسية للدخول في جمهورية جديدة. وأوضح أن التحدي الثاني يتمثل في الملف الاقتصادي وكيفية خلق مصادر الثروة خارج قطاع المحروقات ووضع قوانين جديدة تسمح بالنهوض الاقتصادي القادر على امتصاص البطالة المرتفعة وسط الشباب وخاصة الشباب حامل الشهادات الجامعية. ونوه أستاذ العلوم السياسية إلى أن طريقة تحقيق مطالب الثوار والنهوض بالاقتصاد الوطني، وهو وجود إرادة سياسية حقيقية للتعامل بجدية مع التحديات السابقة، والكشف عن طبيعة المرحلة ومختلف الإكراهات التي تواجهه، وإشراك كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين في المسار المنتظر، لأن الجزائر لا تعاني من مشكلة مالية بقدر ما تفتقد إلى رؤية لتحقيق مختلف المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وذكر أن المترشح الفائز لم يقدم خارطة طريق واضحة لمواجهة مختلف التحديات، لكنه وعد بمحاربة الفساد، وتحقيق نمو اقتصادي، وقدم مجموعة من الالتزامات أمام من انتخبوه، ومن المنتظر أن يقوم بتحقيقها، وفي مقدمتها تعديل الدستور الذي يعيد التوازن لمختلف مؤسسات الدولة، وتقليص صلاحيات الرئيس في الدستور الحالي ومنح سلطة الرقابة للبرلمان والقضاء وغيرها من الأجهزة الأمنية، حتى لا يتكرر استنساخ منظومة الفساد السابقة التي انهكت الاقتصاد الجزائري، وتسببت باحتكار المال الفاسد للحياة السياسية. على نفس الصعيد، بين المحلل السياسي، محمد علال، أنه من الصعب معرفة مدى قبول الشارع لتبون، لأن تبون لم يبدأ بممارسة مهامه بعد، حيث سيدلي باليمين الدستوري اليوم، ويبدأ ببعض الخطوات ببرنامجه، مشيرا إلى أن الحراك لا يزال مستمر للتعبير عن مطالبه بشأن رحيل كل رموز النظام السابق وضمان انتقال حقيقي لسلطة، لذلك لا يوجد من يطالب الثوار بالتوقف حتى الرئيس الجديد نفسه، خاصة أنه سلمي ومنظم. وذكر أن تبون دعا للحوار والتواصل، للتعرف على مطالب الثوار الضرورية من أجل التهدئة فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين وفتح مجال الجريات الاعلامية وعدم التضييق على العاصمة، مبينا أن تلك الخطوات هي الأساسية للبدء في حوار عميق يضمن الانتقال للجزائر.