تقارب لافت في المواقف إزاء عدد من القضايا * نحو تسهيل تنقل الأشخاص والرفع من عدد التأشيرات * تركيا تجدد عقد التزود بالغاز الطبيعي من الجزائر * الجزائر تكتسب وزنا دبلوماسيا بعد الخروج من العزلة غادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، الجزائر نحو غامبيا بعد زيارة دامت يومين، شكلت محطة جديدة باتجاه بروز “محور سياسي واقتصادي” بين الجزائروأنقرة، بعد بلوغ الثقة السياسية أعلى مستوياتها بين البلدين، خاصة مع وجود قيادة جديدة في الجزائر برئاسة عبد المجيد تبون، والتقارب اللافت في المواقف إزاء عدد من القضايا، أبرزها الأزمة الليبية. حرص الرئيس التركي على إعطاء بعد اقتصادي لزيارته إلى الجزائر، وبدا مهتما بدفع ومساعدة الجزائر على التحول إلى قطب اقتصادي وسياسي في المنطقة. ورغم أن الأزمة الليبية، كملف حارق ومهم بالنسبة للبلدين، مثلت أولوية على لائحة المباحثات السياسية بين أردوغان وتبون، وأجمعت كل التحاليل والقراءات المستفيضة على ربط مركزي لتوقيت الزيارة بالأزمة الليبية، إلا أن الأخيرة لم تلغ أهمية بالغة لمستويات أخرى من الزيارة، كالمستوى الاقتصادي والتنسيق السياسي لإعادة ترتيب العلاقات الثنائية. ولخص أردوغان رؤية تركيا للجزائر شريكا سياسيا واقتصاديا. وقال، في كلمته خلال انعقاد مجلس رجال الأعمال الجزائريين والأتراك، مساء أمس الأحد، إن تركيا لا تعتبر الجزائر مجرد سوق، “نحن لسنا مثل الدول الأخرى التي تنظر إلى الجزائر على أنها سوق للمنتجات، ولا نفكر فقط في بيع منتجاتنا، بل نصب وإلى تحقيق استثمارات مهمة أيضا”، مضيفا أن أنقرة تسعى إلى “تحقيق استثمارات مهمة مع الجزائر”. ..نحو تسهيل تنقل الأشخاص والرفع من عدد التأشيرات واقترح أردوغان “تسهيل تنقل الأشخاص بين البلدين والرفع من عدد التأشيرات الممنوحة، بما سيسمح كذلك برفع التعاون”، إضافة إلى الدلالة التي يمكن فهمها من خلال مرافقة أكثر من 100 رجل أعمال تركي لأردوغان في زيارته. واتفقت الجزائروأنقرة على عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية العليا المشتركة في أنقرة قريبا، بعد 18 سنة من عدم انعقاها (منذ 2002)، بعدما بلغ حجم الاستثمارات التركية في الجزائر أكثر من 3.5 مليارات دولار، بمجموع 377 مشروعا استثماريا تركيابالجزائر سمحت بخلق أكثر من 30 ألف منصب شغل لليد العاملة الجزائرية. وكشف الوزير الأول عبد العزيز جراد عن فتح “ورشة كبيرة” جزائرية-تركية سيشرع فيها لوضع “تأطير جديد” للعلاقات التجارية الثنائية ضمن آلية تكفل زيادة حجم التبادل بما يخدم مصلحة الجزائروتركيا. ودعا جراد رجال الأعمال الحاضرين بقوة في المنتدى الى الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية في الجزائر مشيرا الى الصناعات الخفيفة والتكنولوجيات الحديثة والمؤسسات الناشئة والزراعة والري والسياحة. .. تركيا تجدد عقد التزود بالغاز الطبيعي من الجزائر قال وزير الطاقة محمد عرقاب، إن الجزائر وقعت مع تركيا عقدا لتجديد تزويد الأخيرة بالغاز الطبيعي يستمر حتى 2024، وذكر عرقاب، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية ، ان العقد تم توقيعه الأحد، على هامش أعمال منتدى رجال الأعمال الجزائري التركي، بعد أزيد من عام على توافق بين البلدين، قضى بتجديد عقود توريد الغاز إلى تركيا لمدة 5 سنوات، اعتبارا من أكتوبر 2019 حتى نفس الفترة من 2024، ورفع الكميات المصدرة إلى 5.4 مليار متر مكعب سنويا. وفيما تعد تركيا أول مستثمر في الجزائر، تعد الأخيرة ثالث بلد من حيث إجمالي نشاط الشركات التركية في العالم، وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين ما يقارب خمسة مليارات دولار أميركي، ويسعى البلدان إلى رفعها إلى عشرة مليارات دولار. لكن اهتمام أردوغان بالجزائر ليس وليد الفترة الحالية أ وتفاعلاتها السياسية والأمنية، إذ سبق له منذ ترؤسه للحكومة زيارة الجزائر بعد 2006، كما تعد زيارته الأخيرة الثالثة كرئيس للجمهورية منذ 2014، والثانية منذ فبراير 2018، ويترجم ذلك وجود الجزائر ضمن مخطط اهتمام تركي على المدى البعيد، لدعم تشكل الجزائر كقوة اقتصادية وسياسية تدعم محور الأقطاب الإسلامية، وضمها منتدى كوالالمبور الذي يترأسه الجزائري عبد الرزاق مقري (رئيس حركة مجتمع السلم)، وخاصة أن الجزائر تملك كل المقومات والبنى التحتية الضرورية لتحقيق استقرار سياسي ونم واقتصادي في وقت قصير. وتتناغم الرغبة التركية مع جملة معطيات تتعلق بتوازن الموقف الجزائري إزاء تركيا والتحول السياسي والتغير التدريجي لمنظومة الحكم في الجزائر، وتبدل موقفها من القوى الغربية الطامعة في الثروات الجزائرية، ما يجعل أنقرة تبد وأكثر قربا للتحول إلى شريك سياسي وحليف اقتصادي، ولدعم تصورات السلطة السياسية الجديدة في الجزائر للتحرر من القبضة الاقتصادية الفرنسية والغربية، خاصة إذا نجح البلدان في وضع قنوات لنقل التجارب التركية الناجحة في مجال المؤسسات الصغيرة والتكنولوجيا، ومساعدة الجزائر على تطوير بعض القطاعات الإنتاجية، كالزراعة والسياحة والخدمات، خاصة مع برمجة زيارة قريبة للرئيس الجزائري تبون إلى أنقرة قريبا. ويعتقد الباحث الجزائري المختص في العلاقات الجزائرية التركية محمد واعراب أن تركيا تبحث عن شركاء في مناطق تهمها سياسيا واقتصاديا على غرار منطقة شمال أفريقيا. ويشرح أعراب، الذي يقيم في إسطنبول، ل”العربي الجديد”، طبيعة وخلفيات الاهتمام التركي بالجزائر بقوله: “ل ونضع خارطة العالم العربي من وجهة النظر التركية فسنجد ثلاث مجموعات كبيرة، الأولى وهي المعاكسة للمشروع التركي ومن خصوم العدالة والتنمية الحاكم، كالإمارات، السعودية ومصر والبحرين (..)، وهذه الدول ترى في تركيا والعدالة والتنمية خطرا وجوديا”. وأشار إلى أن “هنالك دولا أخرى تبقي مسافة آمنة مع تركيا، لا تعتبر في صف الحليف، لكنها ليست معادية لها، مثل المغرب وتونس والجزائر”. وأكد أن “الجزائر تمثل أهم الدول التي توجد أكبر الفرص لتطوير العلاقات معها كحليف مهم، يتقاطع معها في ملفات عديدة، خاصة الملف الليبي الذي التقت فيه الرؤية التركية والجزائرية، ومن هذا الباب نرى السرعة الكبيرة التي تبذلها أنقرة لتشبيك العلاقات مع جزائر ما بعد الحراك الشعبي” . وفي هذا السياق، يطرح سؤال حول ما يقابل الرغبة التركية المتحمسة للجزائر، وما إذا كانت الأخيرة ستتجاوب بشكل سريع مع الإرادة التركية. وأوضح الباحث واعراب أن “الجزائر لن تتخلى عن طريقتها الكلاسيكية في العلاقات الخارجية المتسمة بالحذر الشديد والمبنية على تقديرات موقف متشابك تحاول فيه الجزائر الحفاظ على تقارب ومسافات آمنة مع كل الأطراف، وهذا ما يفسر مثلا وجود علاقات جيدة للجزائر مع تركيا ومع روسيا في الوقت نفسه، رغم تباين موقفي الدولتين من الأزمة الليبية مثلا”. وأضاف أن “الترحيب الذي تحظى به تركيا وما نعرفه من محاولات تقوم بها الجزائر للتحرر السلس والمتدرج في خياراتها الاستراتيجية، أعتقد أنه يمكن أن نرى علاقات تركية جزائرية أقوى مستقبلا شريطة احترام أنقرة لمواقف الجزائر، وعدم جرها لتبني خيارات معينة قد تنسف العلاقة من أساسها”. .. مصالح الجزائر صرح الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية غريغوري لوكيانوف لوكالة “سبوتنيك”، أن مصالح الجزائر ترتبط في المقام الأول بمصالح الدولة في ليبيا، وكذلك الرغبة في الخروج من العزلة الدبلوماسية الممتدة منذ فترة الرئيس بوتفليقة. مضيفا ” إن إنشاء المجلس، كما هو في تكثيف الاتصالات الجزائرية التركية خلال الشهرين الماضيين، يرتبط بشكل أساسي بالمشكلة الليبية، حيث للدولتين مصلحة مماثلة كضمان الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني الليبية وحمايتها من الجيش الوطني الليبي، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة للجزائر بسبب الوضع غير المستقر للجارة ليبيا، إذ يتعين على الجزائر إنفاق ملايين الدولارات لضمان أمن الحدود والمناطق الحدودية. وفي هذا الصدد، وجدت الجزائر أنه من الصعب إيجاد تفاهم متبادل مع جيرانها في المنطقة، وهذا هو السبب وراء الرغبة في التعاون مع تركيا والقيادة التركية، على الرغم من كل تكاليف السمعة التي يعد بها هذا التعاون، كما وتسعى الجزائر إلى اتباع سياسة متوازنة بما فيه الكفاية حتى لا تستفز مصر والإمارات العربية المتحدة، مع الاستفادة من استعداد تركيا للتعاون”. وفي معرض حديثه عن الأهداف في السياسة الإقليمية، أضاف الخبير: “إن الخمول الدبلوماسي الجزائري كان إرثا لبوتفليقة. الآن في الجزائر يتوقعون سياسة خارجية فعالة من قبل الرئيس الجديد، الذي هو بدوره يسعى جاهدا بكل الوسائل”. .. مصالح تركيا يرى المحلل السياسي الجزائري الدكتور إسماعيل خلف الله، نفس المصالح للجانب التركي، التي تتمثل بالصراع الليبي والوصول إلى السوق الإفريقية “أعتقد أن تركيا الآن عندما أيقنت أن محاولاتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أصبحت من المستحيل، غيرت اهتماماتها ووجهت كل توسعها وكل انتشارها الاستراتيجي نحو إفريقيا وخاصة الجزائر، لما تملكه من ثروات وموقع جغرافي، ولما لديها من هذه السلطة الجديدة التي انبثقت عن حراك دام عشرة أشهر، وكذلك دخولها على الخط في الملف الليبي، فرأت تركيا أنه من الضرورة أن تستقطب الجزائر لكي تكون معها في هذا الملف، حيث أن أغلب الدول التي لديها بصمة في الملف الليبي تريد استبعاد تركيا وترفض وجودها في ليبيا”. وفي حديثه عن المصالح الاقتصادية ، قال الخبير “كذلك هناك بعد اقتصادي حيث أن تركيا ترى الجزائر كسوق تجارية واعدة، وكذلك السلطة في الجزائر ترى أنها تستثمر من التجربة التركية، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي، أو في العلاقات الدولية، وباعتقادي تركيا أصبح لديها تجربة دبلوماسية كبيرة وعلاقات كبيرة، فترى تركيا عدوة مع دولة في ملف وصديقة مع نفس الدولة في ملف آخر، وهذا ما نراه مع روسيا مثلا، حيث أن هناك اختلاف في الرؤى في الملف السوري، لكنها تتفق معها في ملفات كثيرة أخرى ويظهر ذلك في ليبيا مثلا، حيث هناك تقارب كبير في وجهات النظر”. .. هل سيتغير ميزان القوى في المنطقة؟ لا يزال غريغوري لوكيانوف لا يرى أي سبب لتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط. ومع ذلك لا تزال بعض ردود الفعل والتحولات جارية، قائلا ” لن يتغير ميزان القوى بشكل مباشر مادامت هذه الاتفاقيات ذات طبيعة ظرفية. ومع ذلك، سيكون رد الفعل عليها عاصفا جدا في مصر والمغرب. هذه الدول تحرص دائما على الرد على أي أخبار تتعلق بالجزائر وتحالفاتها الدبلوماسية”. .. الجزائر تكتسب وزنا دبلوماسيا ومع ذلك، يعتقد إسماعيل خلف الله أن الجزائر، المشاركة في عملية حل الأزمة الليبية، تكتسب ثقلا دبلوماسيا في المنطقة إلى حد كبير، لأن العديد من الجهات الخارجية ترغب في رؤية الجزائر إلى جانبها، وتابع: “الآن دخول الجزائر على خط الملف الليبي جعلها مزارا للدبلوماسيات العديدة، ووصل إليها الكثير من وزراء الخارجية، من تركيا إلى إيطاليا وآخرين، الآن الإمارات بحكم أنها رافضة للتدخل التركي في ليبيا، وهي قد شاركت في مؤتمر برلين وهي داعمة لقوات حفتر، وترى بأن قوات السراج هي عدوة بالنسبة للمنظور التركي، وزيارة وزارة الخارجية الإماراتي تأتي لأن إذا أحدثت تركيا هذا الضغط في الملف الليبي، واستطاعت أن تجلب الجزائر إلى جانبها، فالإمارات تريد أن تستبق الخلل وأن تكون الجزائر في منأى عن أن تكون في الحلف التركي الذي يساند مباشرة حكومة السراج”.