السيد مراد يبحث مع نظيره الايطالي التعاون الثنائي في عدة مجالات    الفنان المسرحي و السينمائي ميمون كواكي في ذمة الله    كرة القدم/فيفا: "الاتحادية الجزائرية لها دور ريادي وتحفيزي "    كرة القدم/رابطة ابطال افريقيا: مولودية الجزائر تتلقى مراسلة من لجنة الانضباط للكاف    سطيف..انطلاق فعاليات الحملة الوطنية التحسيسية ضد الآفات الاجتماعية    تيارت..انطلاق قافلة طبية لفائدة سكان بلدية سيدي الحسني    غرداية..دعوة لتنسيق الجهود بين كافة الشركاء لمكافحة الجراد الصحراوي    البيض.. الطريقة الشيخية الشاذلية تدعو إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية    وزير الاتصال "محمد مزيان" يستقبل إطارات الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين: نحو شراكة استراتيجية لتطوير الإعلام الوطني    رقمنة: البنك الوطني للإسكان يعتزم التزود بنظام معلومات بنكي جديد    الرابطة الأولى موبيليس - الجولة 22: تأجيل لقاء شباب قسنطينة-مولودية وهران إلى تاريخ لاحق    البوليساريو "على الشعب الصحراوي التحلي باليقظة لمواجهة سياسات الإحتلال المغربي"    مقررة أممية تطالب دول العالم بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني وإلزامه بوقف عدوانه على غزة    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم ال75 على التوالي    عطاف يشارك بأنطاليا في مراسم افتتاح الطبعة الرابعة لمنتدى أنطاليا الدبلوماسي    وزير التربية يترأس ندوة وطنية للتحضير الجيد للامتحانات المدرسية الوطنية    وزير الصحة يشرف على اجتماع لمتابعة مشاريع المستشفيات الجديدة ويؤكد على نظام استشفائي متعدد التخصصات    حملاوي تؤكد من خنشلة على أهمية انخراط المرأة في العمل الجمعوي والسياسي    احذروا.. الليبرالية الفاشية على الأبواب    الولايات المتحدة… من الديمقراطية إلى الاستبداد    الأمم المتحدة: 12500 جريح و مريض في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي    انعقاد الدورة الخامسة من المشاورات السياسية الجزائرية-الروسية بموسكو    بالصبر يُزهر النصر    كفارة الغيبة    العيد ربيقة يبرز الإنجازات المحققة في مجال صون الذاكرة الوطنية    سايحي يدعو الى تسيير المصالح الطبية بالمستشفيات الجديدة بنظام إستشفائي ضمن شبكة متعددة التخصصات    اغتيال المسعفين: حتى ال نيويورك تايمز شهدت!    مساجد فلسطين تستغيث    مشكل عويص يؤرق الأمهات    سيارات: فيات الجزائر تعتمد جملة من الاجراءات لمكافحة المضاربة    المهرجان الثقافي الدولي للشعر العربي الكلاسيكي: مشاركة مرتقبة لأكثر من 40 شاعرا وشاعرة    سطيف: الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة بداية من الأحد المقبل    شركة الخطوط الجوية الجزائرية تطمح أن تكون رائدا افريقيا للنقل الجوي    أزيد من 1,4 مليون شخص يستفيد من المنحة الجزافية للتضامن "    زيتوني يترأس اجتماعا تنسيقيا    صادي يُجدّد الحرص على مرافقة الأندية    هذا آخر أجل لمغادرة المعتمرين    وزير الصحة يعقد اجتماعاً تنسيقياً    إرهابي يسلم نفسه وتوقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    استرجاع 1200 متر من الكوابل النحاسية المسروقة ببوشقوف    اتفاقية بين الجزائر وقطر للتعاون في خدمات النّقل الجوي    عرض جوانب خفية من أعظم ثورة    ملتقى وطني للنحت احتفاءً بالفنان محمد بوكرش    بهجة الحياة مع إطلالة مواسم الربيع    مساعٍ للتعريف بمخزون "مادور" و"خميسة"    حملة تحسيسية وطنية ضد تعاطي المنشطات    مازة يكشف سرَّ توهج هيرتا برلين    الفرنسيون يهاجمون بن ناصر بقسوة    بلايلي تحت صدمة إقصاء الترجي من دوري الأبطال    هاجس الحساسية.. هذا هو الحل    لقاء علمي حول حفظ وصيانة المخطوطات    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    "زمالة الأمير عبد القادر": أكبر سفينة صيد بحرية جزائرية محلية الصنع تنزل المياه من ميناء المرسى بالشلف    جامعة التكوين المتواصل تنظم الدورة التكوينية الثانية في المقاولاتية    الطبعة ال27 للصالون الدولي للصحة "سيمام" تنطلق بوهران بمشاركة 600 شركة من 38 دولة    الفيفا تنظم ندوة حول بالجزائر    الجزائر محمية باللّه    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية وفخاخ الجهل
نشر في الحياة العربية يوم 07 - 06 - 2020

الديمقراطية نظام سياسي قديم جداً برز قبل المسيحية والاسلام واثار على نحو مبكر الاشكالية الجوهرية التي ما تزال تؤرقنا في تجاربنا المشرقية للديمقراطية بخصوص علاقة الوعي الفردي بممارسة الفرد للديموقراطية.
هل يحق لمن يسميهم الكثيرون، صواباً او خطأً، ب”الجهلة” ان يشاركوا في الانتخابات وتقرير المصير العام للمجتمع، حتى وإن أدت خياراتهم الانتخابية الخطأ الى الإضرار بالمجتمع؟ هل الديمقراطية حق للجميع، واعين أو جهلة، ام أنها امتياز للواعين فقط؟ وكيف يمكن تحديد الخط الفاصل بين الوعي والجهل؟.
هذه الأسئلة وسواها واجهت أقدم ديمقراطية لدينا معرفة تاريخية جيدة بخصوصها وهي ديمقراطية أثينا القديمة في خلال القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد.
بعض ما جعل اسئلة المعرفة والاستحقاق الديمقراطي للأفراد أكثر الحاحا في مجتمع أثينا القديمة هو طابع النظام الديمقراطي نفسه، إذ كانت ديمقراطية أثينا مباشرة وليست تمثيلية كمعظم ديمقراطيات عصرنا الحالي.
الفارق بين الديمقراطية التمثيلية والمباشرة هو ان الأولى تقوم على انتخاب الجمهور الذي يحق له التصويت لممثلين عنه يتولون بإسمه تشريع القوانين واختيار الحكومة ومتابعة تنفيذ القوانين، أي ان الجمهور، في الديمقراطية التمثيلية، يفوض عبر الانتخاب الدوري مجموعة صغيرة من الساسة (هم أعضاء البرلمان عادة) كي تقوم بهذه المهام نيابة عنه.
أما في الديمقراطية المباشرة، فلا يوجد تفويض انتخابي تُمنح عبره اقليةٌ سلطاتِ التشريع واتخاذ القرارات وتنفيذها (إلا في حالات محدودة جداً وطارئة كاوقات الحروب وغيرها من التحديات الاستثنائية التي تتطلب اتخاذ اجراءات سريعة) وانما يقوم المواطنون المخولون بالانتخاب بالتصويت مباشرةً على القوانين والقرارات والإجراءات المهمة.
في ظل هذا النظام الأقرب للروح الحقيقية للديمقراطية والذي يُمارس جزئياً اليوم في مناطق كثيرة في العالم، يذهب المواطنون لصناديق الاقتراع بضع مرات في العام للتصويت على القضايا ذات الاهمية للمجتمع.
تتطلب الديمقراطية المباشرة لنجاحها قدراً كبيراً من الوعي من جانب الناخبين للتصويت الصائب على أساس معايير المصلحة العامة، بعكس الديمقراطية التمثيلية التي يُحال فيها عموماً تقدير المصلحة العامة إلى المُنتَخبين وليس الناخبين.
بسبب هذا تزداد في الديمقراطية التمثيلية احتمالات فساد التصويت الانتخابي والتضليل السياسي من خلال شراء الأصوات واغراء الناخبين الاقل وعياً والاكثر حاجةً بانتخاب الأشخاص الخطأ خلافاً للمصلحة العامة. يحدث فساد التصويت هذا بسبب اعتماد الديمقراطية التمثيلية على التفويض الانتخابي لأقلية من الاشخاص كي يمثلوا المجتمع بدلاً من التصويت على القوانين والقرارات من دون وساطة الممثلين الانتخابيين كما في حال الديمقراطية المباشرة.
كان جواب مجتمع أثينا السياسي على سؤال الوعي الفردي لحماية النظام الديمقراطي المباشر ذا شقين: طبقي ومعرفي. طبقياً، واتساقاً مع القيم التراتبية السائدة في المجتمعات القديمة، سُمح لعدد محدود نسبياً من الناس بالتصويت من الذين كان يُعتقد أنهم بسبب موقعهم الطبقي في المجتمع سيكونون اكثراً حرصاً على الحفاظ على الأمن والنظام فيه.
في سياق أثينا القديمة، عنى هذا تصويت “المواطنين المتساوين” الذين شملوا الذكور من أعضاء الطبقة الارستقراطية المالكة للموارد، وتالياً، طبقة المحاربين المدافعة عن المدينة. عملياً، كان هؤلاء يشكلون نحو ربع الى ثلث سكان المدينة بعد استثناء النساء والعبيد والمقيمين الغرباء والطبقات الفقيرة من المجتمع التي كان يُعتقد أنها غير مؤهلة لا مصلحياً ولا معرفياً للمشاركة في النظام الديمقراطي والدفاع عنه.
معرفياً، تَمَثلَ الجواب باهمية التأهيل الثقافي ل”المواطنين المتساوين” للمشاركة في النظام الديمقراطي، فالمصلحة الطبقية في النظام لم تكن تعتبر كافيةً لوحدها من دون تأهيل ثقافي مناسب للعب أي دور في هذا النظام.
قام هذا التأهيل الثقافي على تلقي هؤلاء المواطنين المتساوين دروساً في قواعد اللغة والمنطق والخطابة كي يستطيعوا المساهمة فاعلية في الحياة الديمقراطية للمدينة.
استندت اهمية تعلم هذه المواد الثلاث على افتراض علاقة مباشرة بين المهارات الديمقراطية اللازمة والقدرات الثقافية لممارسي هذه الديمقراطية.
فتعلم قواعد اللغة الإغريقية يساعد المواطن على الكتابة والنطق بلغة سليمة، وارتبط تعلم المنطق بالقدرة على تفحص الأفكار والتمييز بينها وتقييم علاقتها بالمصلحة العامة، فيما تكمن اهمية تعلم الخطابة بالقدرة على إلقاء الخطب أمام جمهور المواطنين بغية التأثير فيه وإقناعه بصحة فكرة ما إزاء اخرى قبل التصويت عليها. تالياً، أضاف الرومان لهذه المواد الثلاث اربع مواد اخرى: الموسيقى والفلك والهندسة والرياضيات، لتصبح هذه السبعة ما عرف بالعلوم الحرة (Liberal Arts)، أي العلوم التي يصنع تعلمها عقلاً او شخصاً حراً، التي شكلت فيما بعد الأساس المعرفي للنظام الجامعي الغربي الحديث.
على هذا النحو، كانت المشاركة الديمقراطية امتيازاً لاقلية كبيرة نسبياً، محظوظة طبقياً وثقافياً وليس حقاً متاحاً للجميع في المجتمع.
وحتى مع بروز الحداثة في القرن الثامن عشر عبر ما سمي بعصر التنوير الأوروبي وشيوع مفاهيم الحريات العامة والحقوق الطبيعية التي تفترض مساواة الجميع كبشراولاً وكمواطنين ثانياً، بقيت الديمقراطية امتيازاً للأقلية، ناخبين ومُنتخبين، حتى مع اعتماد النظام الديمقراطي التمثيلي بدلاً من المباشر.
فحتى آباء الديمقراطية الحديثون كانوا يتخوفون من منح حق التصويت ل”الدهماء” و”الجهلة” الذين عبر اكثريتهم الكاسحة، لو منحوا حق التصويت، يستطيعون بسهولة عبر تصويتهم “الجاهل” لصالح المرشحين الخطأ تقويضَ نظام الدولة والأمن في المجتمع والاطاحة بالديمقراطية نفسها. ولذلك استمرت بعض الاشتراطات الطبقية والثقافية في منح حق التصويت في الديمقراطيات الغربية منذ القرن الثامن عشر فصعوداً، إلى أن جرى التخلص تدريجياً من هذه الاشتراطات مع انتشار الوعي عبر التعليم وبروز حركات المساواة الحقوقية على المستوى الشعبي (حركات حقوق المرأة والعمال والملونين وسواها) لتتكسر في القرن العشرين آخر المصدات المؤسساتية والقانونية أمام اشتراك جميع المواطنين بالتساوي في التجربة الديمقراطية في المجتمع.
وفي ظل الاتساع السكاني وتعقيد الحياة المعاصرة، بضمنها التشعب الكثيف في وظائف الدولة، أصبحت الديمقراطية التمثيلية هي النموذج العملي والاسهل لادارة الدولة عالمياً، مقابل ازدياد المصدات القانونية والمؤسساتية والثقافية لمنع فساد التصويت أو تخفيف حدته على الأقل.
عراقياً، جاءت الديمقراطية مفاجئةً وفوقية وخارجية، وليست نتاجاً لتجربة مجتمعية اصيلة. لكن ما ساهم بالقبول العراقي الواسع بها حينها، غالباً من دون فهم مضامينها وافتراضاتها الحقيقية، هو شدة الاستبداد و خسائره الفادحة شعبياً واقتصاديا وانسانياً، على مدى عقود الحكم البعثي، إذ قدمت الديمقراطية على أنها النقيض الأوتوماتيكي للاستبداد، واختصرت خطأً بفعل التصويت الانتخابي للجمهور. لكن تجربة السنوات التالية على امتداد بضع دورات انتخابية شارك فيها العراقيون دفعت الكثيرين الى اثارة اسئلة الوعي والمعرفة وأهميتها في صناعة تجربة ديمقراطية رصينة لتجاوز الفشل الكبير في تجربة الدولة ما بعد 2003.
لا تختلف كثيراً هذه الاسئلة العراقية في جدواها العميقة عن اسئلة أثينا القديمة وعصر الحداثة في القرن الثامن عشر، لكن اجوبتها تحتاج أن تكون مختلفة، فتطوير التجربة الديمقراطية العراقية الهشة لا يكون عبر الوصاية الاخلاقية والثقافية على الجمهور، بما تنطوي عليه من لوم جمعي هو أقرب لجلد الذات من كونه مراجعة واعية للأخطاء، واتهامات عامة بالجهل ودعاوى اللاجدوى من الديمقراطية. هذه الوصاية لا تُصحح الاخطاء، بل تقلل من احتمالات مشاركة المجتمع في كامل العملية الديمقراطية بمراحلها المختلفة وتساعد على اختصارها الموسمي الخطير بمرحلة التصويت الانتخابي فقط كما هو سائد عراقياً لسوء الحظ. ما يزال الدرب الديمقراطي العراقي طويلاً، لكن المضي فيه الى آخره بنجاح يتطلب ترسيخاً اجتماعياً ودراسياً واعلامياً للمضامين الأوسع للديمقراطية بوصفهاً مراناً مستمراً على التداول الحر للأفكار والاختلاف بشأنها وتمظهر هذا الاختلاف بخيارات انتخابية مختلفة.
سكاي نيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.