* مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة قال فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس في تصريحات صحفية ان الوقت قد حان للاستماع الى انات ونداءات الاسرى والإحساس بمعاناتهم ومعاناة ابناء عائلاتهم وإبقاء هذا الملف مفتوحا امام كل المحافل الدولية وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وأسراه . وأطلق أبو الحاج نداء باسم المركز للوقوف الى جانب الاسرى بعد الهجمة الشرسة لإدارة السجون ضد الاسرى والمحررين منهم كذلك. ويتناول المركز في هذه الزاوية تجربة الاسير المحرر رافت حمدونة. في الذكرى العاشرة للتحرر انفجرت الانتفاضة الأولى في وجه الاحتلال في العام 1987، وكانت ذروة التضحيات فيها مذبحة الأقصى في 8/10/1990 م التى ارتقى ضحيتها 22 شهيداً دفاعاً عن الأقصى، و40 مصاباً، وشهيدان آخران خارج المسجد الأقصى أحدهما صديقى منصور الشريف بمخيم جباليا . كنت وقتها فى العشرين من عمرى ، وقررت الانتقام لتلك الجريمة البشعة ، فرض الاحتلال منع التجول على المناطق في أعقاب سلسلة عمليات ثأرت لدماء الشهداء، وبعد الانتهاء من منع التجول فتحت بوابة بيت حانون " ايرز ".فرض الاحتلال نظام منع التجول على كثير من المناطق بسبب العمليات الفردية في الداخل المحتل وتصعيد وتيرة المواجهات مع الجيش في كل المدن الفلسطينية والمخيمات . كان اليوم الأول في فتح باب العمل عبر معبر بيت حانون " إيرز " هو يوم الثلاثاء 23/10/1990، يومها قررت فعل شيءٍ مقاوم رداً على جرائم الاحتلال، فكتبت ورقة ووضعتها في ملابسي، وخرجت في الصباح متوجهاً إلى قدري، وتوجهت إلى العمل في محددة مع أحد جيراننا، كانت وقتها إجازة بين الفصلين أثناء دراستي مهن طبية تخصص مختبرات " تحاليل طبية " في كلية المجتمع العصرية ببيتونيا / رام الله، وصلت العمل وفتحت المذياع ولم أحمل وسيلة مقاومة بسبب التفتيشات الدقيقة على المعبر وقلة إمكانات التنظيمات آنذاك. وصلت المحددة التى تذرعت العمل بها برفقة جاري في المنطقة الصناعية المقامة على أرض أجدادي وأهلي ومكان بيتي في المجدل " عسقلان "، وفي الصباح سمعت الأخبار، وإذا بعملية طعنٍ في منطقة الشمال من فلسطين، قُتِلَت فيها مجندتان واستشهد منفذها، نظرت من حولي وإذا بمستوطنين في المحددة من حولي، بحثت وإذا بمطرقةٍ حديدية تزن على حدِّ قول أجهزة الأمن الإسرائيلية خمسة كيلوجرامات، صوّبتها بكل قوة على جمجمة الأول فكسرتها وسقط أرضاً. انتقلت نحو الآخر بكل ما ملكت من قوةٍ بدنية وجرأة نفسية فسقط ينزف دماً، وأصيبا وفق التقرير الطبى الصادر عن وزارة صحة الاحتلال بضرر جسمانى خطير ، وتوفى أحدهما بعد 6 سنوات متأثراً بالضربة ، لحظتها ظننت أنهما قتلا، وانطلقت مسرعاً من مكان الحادث، ووصلت سيارات الإسعاف إلى المنطقة، وبدأت عمليات التمشيط بحثاً عني. قطعت الطريق تلو الطريق بحالةٍ عفوية، وقطعت البيارة إلى الثانية، حتى وصلت إلى الطريق العام المؤدي إلى غزة، وأخذت أؤشر لسياراتٍ عربية متوجهة إلى القطاع، و أتعرض لبعضها دون جدوى، وإذ بقوات حرس الحدود والشرطة تصل إلى المكان بعد الإدلاء بمعلوماتٍ لهم من المارة على خلفية الحادث، هربت داخل البيارة، وبدأت المطاردة لي، تفاجئت بتطويق كل المربع بالجنود وحرس الحدود وتم اعتقالي. تعرضت على الفور لعمليات التعذيب الشديدة، أعادونى لمكان الحادث الذى كان يعج بالصحفيين والشرطة وحرس الحدود وأهالى المستوطنين الذين حاولوا الاعتداء علي وأنا مقيّد اليدين والقدمين. خلال التحقيق مررت بكل التفاصيل التي مر بها أيُّ أسيرٍ فلسطينيٍ وعربيٍ في السجون الإسرائيلية من جولات تحقيق مستمرة تخللها التعذيب الجسدي والنفسي الذى بدأ بتغطية الرأس بكيسٍ ملوث، واستخدام الضرب المبرح، وعدم النوم، والوقوف لفتراتٍ طويلة ، والجلوس على كرسيٍّ صغير مقيد من الخلف لساعات، ومورس معي أسلوب العصافير لمعرفة الجهة التى حرضتنى على العملية، وغير ذلك من الاعتداءات والوسائل والأساليب بالإضافة للتهديد بهدم البيت. أتذكر قول المحقق لي في أول ليلةٍ مع الشتائم البذيئة: "ستمكث طوال حياتك في السجن، وسأحضر لك صورة والدتك تبكي على أنقاض بيتكم المدمر. أدركت بعد التحقيق أنه كان يحاول تنفيذ ما يقول، وبالفعل كان هناك قرارٌ عسكريٌ بهدم البيت وتحوّل القرار إلى إغلاق الطابق العلوي منه بعد استئنافٍ للحكم في المحاكم الإسرائيلية، وبقي كذلك حتى خروج الاحتلال من منطقتنا ومجيء السلطة الفلسطينية عام 1994. أقسى اللحظات التى مررت بها أثناء التحقيق هو نقلي من مسلخ سجن عسقلان المركزى إلى سجن الشرطة المسمى " لخيش " واستغربت عملية النقل إلى هناك، أدخلونى زنزانة جانبية وإذا بالشرطة تفتح الفوهة الصغيرة العليا للزنزانة، وتم وضع خرطوم أنبوبة المطافىء الكبيرة المليئة بالبودرة الكيميائية وضخها داخل الزنزانة الصغيرة فقمت بتغطية رأسي تحت البطانية المتسخة المتوفرة بالزنزانة حتى هدأ تناثر وبعثرة المادة التى سببت الاختناق لي. أخذت أنادى على الشرطة وأكبر ليخرجونى من عملية تعذيب وخنق وإرهاب مبرمجة ، وتفاجأت بحضور الشرطة رداً على صراخى ظاناً أنهم آتون لإنقاذي، غير مدركٍ أن هذه هي إحدى مراحل التعذيب والانتقام في تلك الليلة القاسية والغير مسبوقة لربما على تجربة أسرى آخرين، وتم اقتيادي لمكان انتظار في بداية القسم له ثلاثة جدران وواجهة شبك وكان الوقت قرابة منتصف الليل، كنت أنتظر المزيد من المفاجئات في تلك الليلة الرهيبة وإذا بثلاثةٍ من الشرطة بلباسٍ مدني يتقدمهم شرطي بزي سجان قام بفتح البوابة عليّ ودخل أحدهم وبيده إبريق "كمكم كهربائي " مليء بالماء المغلي " ، واقترب منى ورشقه نحوي ، حركت وجهى قليلا وإذا بالماء يحرق جزءًا من رقبتي وصدري، وقاموا بنقلي لعيادة السجن الذي تعامل معي بكلّ قسوةٍ وألم وفقط وضع القليل من دهون الحرق على جسمي. مكثت على هذا الحال ما يقارب من الشهر ثم نقلوني إلى قسمٍ خاص بأسرى القدس في نفس المكان، وبعد أسبوع جاء نقلي إلى أبشع قسم عرفته الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في تاريخها وهو قسم نيسان في سجن الرملة " قسم لأخطر الأسرى الفلسطينيين مقام تحت الأرض " بظروفٍ خيالية في القسوة وظروف الاعتقال وأشكال التضييق، فوجدت فيه عددًا قليلاً ممن قام بعمليات بطولية مميزة في الانتفاضة ونخبة قيادية من أبناء الشعب الفلسطينى لا تتعدى 36 معتقلًا مقطوعين عن العالم الخارجى بشكلٍ كامل، أذكر منهم الشهيد صلاح شحادة، والشهيد إسماعيل أبو شنب، والشهيد رياض عدوان، والشهيد رائد نزال، والشهيد سمير سلامة، والشهيد محمد بريص، وقيادة حركة حماس من الصف الأول، ومنفذي عمليات الطعن والدهس والضرب باللآلات الحادة والثقيلة مثل عبد الهادي غنيم الذى قام بقلب حافلة القدس في نهاية الثمانينات وعامر أبو سرحان، وأبطال عملية جلعاد، وراتب زيدان، وأشرف البعلوجي، وأحمد الفليت، ويحيى السنوار، وياسر داوود، وعماد ريان، وعدنان الأفندي، وروحي مشتهى، وتوفيق أبو نعيم، وحسن المقادمة، وفرج الغول، وأسامة المزيني، وأسامة أبو حرب، ومحمد أبو جلالة، ومحمد الشراتحة المشارك بخطف ساسبرتس وسعدون وغيرهم من القيادات ومنفذي العمليات البطولية. كان القسم بلا حقوقٍ دنيا "بدون زيارات منتظمة وبقمعٍ مستمر وأجواء مصادمة واستنفار على مدار الساعة، لم يكن بالقسم مراوح ولا تلفاز، والراديو مهرب والبيضة في الفطور لشخصين والدجاجة الواحدة لثمانية أشخاص مرة في الأسبوع، ولا وجود لبلاطة كهربائية لإعداد الطعام ولا إدخال لصحفٍ عربية ولا سماح للتعليم الثانوي أو الجامعي ولا مجال لعمل كأسٍ من الشاي الساخن وبلا ثلاجات حتى في القسم عامة، وحينما كنا ننشد أو نحيي مناسبةً جماعية للترفيه على الأبواب كانوا يضعا لنا سماعات بأصوات عالية ومزعجة. في هذا المكان أستذكر ثلاث قصص، " الأولى ": المكان كان مليئًا بالجرذان كون القسم هو البنية التحتية لكل السجن أعلاه " بدروم " وكانت الجرذان الكبيرة ظاهرة وكنت أنام في السرير العلوي الذى يطل على الشباك الذى كان بسطح الأرض من الخارج وخلال النوم صحوت على شيءٍ يسير على وجهي المغطى بشرشف خفيف، وإذا به جرذان كبير، فزعت من نومى فسقط على الأرض، وبقي حتى الصباح ، وخرج معنا وقت الفورة التى كنا نخرجها مكبلين الأيدي أثناء الخروج والعودة . ..القصة الثانية كنا نهرب مشبك رأسٍ معدني " بكلة " من أمهاتنا أيام الزيارات الغير منتظمة والمتقطعة ونلصق بها شفرتين، ونعري الأسلاك الكهربائية في العلب العلوية بشكلٍ ممنوع حتى نصنع كوب شاي، ومرة تبخرت الماء ووصلت الأسلاك وأحدثت ماسًا وكنت أقف على المغسلة الصغيرة، واذا بالكهرباء تصل يدي وتنسكب على جسمي، وأصبحت في حيرةٍ من أمري أتألم دون علاج لئلا أعاقب ، أم أتعالج وأتحمل العقوبة، ورجحت الأولى فبقيت صامتًا حتى تشافيت برحمة الله. .. القصة الثالثة وهي تهريبي لأول مطبوع لي من السجون كتاب " نجوم فوق الجبين " برفقة زميلى الأسير محمد أبو جلالة " المحرر حاليًا بصفقة وفاء الأحرار " شاليط " والذى يتحدث عن التنظيم والعزل والعمليات البطولية وأسرى العزل، وتمت طباعته وتوزيعه في الخارج في العام 1992 ، وكان التهريب خارقًا بخفية المادة المكبسلة تحت خصر البنطال ولفه ليصل للشبك الثاني أثناء الزيارة . مكثت في عزل الرملة من نهاية 1990 حتى يونيو 1992 وفى عزل الرملة حوكمت 20 سنة تم تقليصها إلى 15 سنة بعد استئنافٍ للمحامي الخاص بي في العام 1995 . نقلت إلى سجن عسقلان قبيل إضراب 27/9/1992 وكانت أول تجربةٍ أعتز وأفتخر بها وشاركت في أول خطوة استراتيجية بإضرابٍ مفتوح عن الطعام في السجون ، حمل الاضراب كل مقومات النجاح من إعداد داخلي وجبهة موحدة وتنسيق خارجي " وأزعم أنه أنجح إضرابٍ شهدته طوال فترة اعتقالي كونه أنجز الكثير من الحقوق كإغلاق قسم العزل في سجن نيتسان، وإخراج كافة المعزولين منه للسجون المركزية، والانتساب للجامعة المفتوحة في إسرائيل باللغة العبرية كحل وسط لمطلبنا التى رفضته إدارة السجون بالتعليم في الجامعات الفلسطينية والعربية، و إدخال البلاطة الكهربائية، والسماح بوجود كمكم كهربائي في الغرفة، والسماح بالمراوح، وتركيب مراوح كبيرة في الأقسام ، وجمع الإخوة في سجن واحد، ووضع الأسير في أقرب سجن لمنطقته، والسماح بحيازة لمبات ليلية للدراسة، والاعتراف بممثل الأسرى لدى الإدارة، ، والسماح بالاتصال الهاتفي في المناسبات، والزيارات الخاصة، والتصوير ، وفتح الأبواب كل نصف ساعة للفورة، والسماح بساعة رياضة في الصباح، والسماح بالزيارات بين الغرف، و وقف التفتيش العاري، و زيادة زيارة الأهل بربع ساعة، وإدخال الأطفال الصغار، وغير ذلك من حقوق . في سجن عسقلان بعد اعتقالي بثلاثة أعوام وبعمر ثلاثة وعشرين عاماً وضمن مؤسسة اعتقالية وحالة ديمقراطية انتخبت عضو مجلس شورى في عسقلان، ومن ثم عضو لجنة تنفيذية وممثل خارجية لتنظيم الجهاد الإسلامى في سجن عسقلان، ووضعت لنفسي خطةً ثقافية وخطة دراسية لجامعةٍ داخلية تحت إشراف الأستاذ الكبير وليد الهودلى واللجنة الثقافية في القلعة، وبدأت الإفراجات السياسية في مايو 1994 في أعقاب التوقيع على اتفاقية أوسلو وحينها تأثرت الحركة الوطنية الأسيرة، وأذكر أن أول دفعةٍ من الإفراجات شملت سبعة من رفاقي في الغرفة المكونة من 20 أسير، وجاء قرار نقلي بعدها إلى سجن نفحة الصحراوى قسم ب هنالك بدأ اهتمامي بالقراءة وتعلم اللغة العبرية والإنجليزية وحاولت تعلم الفرنسية دون تقدمٍ في الأخيرة بسبب تركيزي على العبرية بهدف الالتحاق بالجامعة المفتوحة في دويلة الاحتلال الصهيونى. كانت فترة اعتقالي في سجن نفحة طويلة من 1994 حتى 2014، وتخللها الكثير من الإضرابات والخطوات النضالية والتعليم والثقافة والكتابة والعمل التنظيمي. في نفحة طوال فترة وجودي عملت في لجانٍ مختلفة خارجية وثقافية وكنت ممثلاً للجهاد في اللجنة الاعتقالية وممثلاً لهم في لجنة الحوار أمام إدارة مصلحة السجون ومجالس شورى ولجنة تنفيذية بشكلٍ متعاقب، حتى وصلت لمكانة أمير تنظيم الجهاد الإسلامى في سجن نفحة. في نفحة كانت قصصًا وروايات ومواجهات أذكر أننا في نهاية التسعينيات أجبرنا على مواجهة إدارة السجن بكل ما نملك من إمكانيات، وقذفنا رجالات الشرطة بالملاعق والصحون و"الكاسات" ومعجون الأسنان والصابون والنعال، وتم إحضار قوة كبيرة من الشرطة والوحدات الخاصة وارتكبوا يومها جريمةً لم ولن أنساها، رموا في غرفتنا الصغيرة قنبلتين من الغاز المسيل للدموع الكفيلة إحداها بتهجير شارعٍ بأكمله لقوتها وأذاها، يومها تمنيت الموت على ضيق النفس الذي لم يكن بيني وبين النهاية فيه سوى اللحظة، صارعنا الموت بأجسادنا العارية رغم قلة الإمكانات، وانتصرنا على السجان معنوياً بإرداتنا، وواصلنا مسيرتنا نحو الحرية. في نفحة كتبت الرباعية الوطنية المكونة من أربع روايات تمت طباعتها جميعاً في خارج السجون وهي " عاشق من جنين– لن يموت الحلم – قلبي والمخيم – الشتات " تحدثت عن المقاومة والحب والحرية " رباعية أصبحت جزءًا أصيلاً من أدب السجون وتجربته الأدبية، كنت سعيدًا حينما قدم لها أستاذ اللغة العربية والأدب والنقد الدكتور صادق عبد الله أبو سليمان أستاذ علوم اللغة العربية/ جامعة الأزهر بغزة وعضو مجمع اللغة العربية المراسل/ القاهرة وقال فيها: " هذهِ الرباعيَّةِ ستستفيد منها الأجيالُ الفلسطينيةُ والعربيةُ؛ فهي تُسجِّلُ بقلمِ روائيٍّ بارعٍ جوانبَ مهمةً من تاريخِ النِّضالِ الفلسطيني، أرى من المهمِّ للذاكرةِ الفلسطينيةِ والعربيةِ الاحتفاظَ بها وتوارثَها جيلاً بعد جيل، هذه الرباعية تنبئُ عن شخصيةٍ مبدعةٍ يمكنُ أن توجدَ لها مكاناً لا بأسَ بهِ بين كبارِ الأدباء"، ورواية الشتات قال فيها الأستاذ الدكتور عبد الخالق العف الأديب والناقد وأستاذ اللغة العربية/ بالجامعة الاسلامية بغزة: "شرفت بمتابعة أحداثها التي اتخذت شكلاً واقعيًا مشوقًا، لغة السرد سليمة نحوًا وصرفاً وترقيماً ودلالة، لغةٌ واضحةٌ غير سطحية، الرواية تحمل رسالة وطنية أصيلة عنوانها الثوابت، ووسيلتها المقاومة والتضحية، وقد أحسن القاص اختيار أسماء أبطال الرواية، وهناك انسيابية في تحوّلات السرد ومنحنى أحداثه الصاعدة تشي بقدرة خيالية فائقة تجعل الرواية كلاً عضوياً متناغماً متماسكاً، تجسيد الشخصيات جيدٌ ومتقن، كما أن اختيار الأزمنة والأمكنة موفقٌ ودقيق، هناك منحى رومانسي شفاف عذب في بعض المواضع وفي وصف بعض الشخصيات " . وكتبت عملًا سادسًا باسم صرخة من أعماق الذاكرة حول رمزين من رموز الحركة الوطنية الأسيرة وتجربتهما الاعتقالية " المحررين حالياً " وهما: عميد أسرى القدس فؤاد الرازم الذي أمضى 31 عامًا متواصلة في السجون والأسير أحمد أبو حصيرة الذى أمضى 34 عامًا ، وكتبت عملًا سابعًا باسم "بين السجن والمنفى حتى الشهادة " تناولت فيه جانبًا من جوانب حياة الشهيد فتحي الشقاقي ورسائله للسجون، وجميعها تم طباعتها وتوزيعها. كانت مرحلة نفحة مهمة لي في بناء الذات الثقافية، فطالعت عشرات الكتب المتنوعة وركزت أكثر على الكتب الفكرية والتاريخية والإسلامية، وحفظت أجزاءًا من القرآن الكريم وحصلت على شهادة من وزارة الأوقاف في الأحكام والتجويد. وأهم خطوة خضتها كانت في العام 1999 م بانتسابى للجامعة المفتوحة في إسرائيل بعد تمكنى من دراسة اللغة العبرية، وأنهيت دراستى منها في نهاية العام 2004 وحصلت على شهادة امتياز للعام 2001 وتخصصت فى علم الاجتماع والعلوم الانسانية ، هذه الشهادة كانت أساسًا لمواصلة دراستي الأكاديمية في الماجستير بتخصص دراساتٍ إقليمية قسم دراسات إسرائيلية بدرجة امتياز ، ودراستي الدكتوراة في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة تخصص علوم سياسية، ورسالتى فى موضوع الجوانب الإبداعية للحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة من العام 1985 حتى 2015 . وإذا ما تحدثت عن الإضرابات المفتوحة عن الطعام التى خضتها خلال اعتقالى طوال خمسة عشر عامًا متواصلة فهى ستة إضرابات، أولها: إضراب 27/9/1992 في سجن عسقلان وكان لمدة 15 يومًا متواصلة ولم تلتزم الإدارة بالاتفاق فعدنا للإضراب يومين إضافيين حتى استجابت، والإضراب الثاني: في سجن نفحة سنة 1994واستمر ثلاثة أيام إثر توقيع اتفاقية القاهرة احتجاجاً على آلية الإفراجات، والثالث: في سجن نفحة فى 18/6/1995 تحت شعار إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات قبيل مفاوضات طابا واستمر (18) يوماً، والرابع: في نفحة في 5/12/1998 إثر قيام الاحتلال بالإفراج عن (150) سجين جنائي، ضمن صفقة الإفراج التي شملت (750) أسيراً وفق اتفاقية واي ريفر وعشية زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون للمنطقة وكان أقل من عشرة أيام وهنا أتشرف بتكريمي عبر بيانٍ وطنى عام صادر عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سجن نفحة لكوني الأسير الوحيد من الحركة الاسلامية الذى خاض هذا الإضراب السياسي تضامناً مع المضربين، وتم نقلي خلاله لغرفة ممثل المعتقل القيادى محمد أبو علي " يطة "، والإضراب الخامس: في نفحة فى 1/5/ 2000 احتجاجاً على سياسة العزل الانفرادي والقيود والشروط الصعبة على زيارات أهالي المعتقلين الفلسطينيين وامتد ما يقارب من 22 يومًا ، والإضراب السادس والأخير: كان في سجن هداريم فى 15-8-2004 واستمر 19 يومًا متتالية، وجميعها كانت محطات مهمة واستراتيجية في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة وصاقلة لشخصيتي وتجربتي النضالية. ومن التجارب المميزة والناجحة والإنسانية التى أعتز بها في سجن نفحة منتصف التسعينيات هو قيامي بمعرض صور أطفال الأسرى والذى شارك فيه العشرات من المعتقلين بما يزيد عن ألف صورة لأبنائهم وأقاربهم، وأقيم المعرض في أيام العيد في ساحة أ – ب القديم، وقد زار المعرض معظم الأسرى في سبع أقسام ضمن زيارات العيد، وأتت الفكرة في أعقاب وفاة الطفل الوحيد للأسير حسين أبو عيد "بلال" أثناء ذهابه للمدرسة وقد تأثرنا جداً بهذا الحادث الجلل وقد مكث والده في الاعتقال عشر سنوات. استهجنت إدارة السجن المعرض ولكنها استحسنته لفكرته الإنسانية وزارته، ولم تعرقل عرضه ، فقط طلبت من ممثل المعتقل آنذاك إزالة صورة لطفل يحمل سلاح ، وتم ذلك لإنجاح وتواصل العرض طوال أيام العيد الثلاثة. وفى العام 2004 تم نقلي لعدة سجون مثل سجن السبع، إيشل والذى تم قمعي فيه لرفضي القيام للعدد وقت قراءة القرآن برفقة زملائي في الغرفة، وعاقبوني بالعزل داخل السجن لأيام ثم نقلوني لسجن ريمونيم، واتهموني بالتحريض على الإضراب المفتوح عن الطعام بمعية ممثل حركة فتح الأسير ماجد شاهين والذى تحرر بعد 23 عامًا من الاعتقال المتواصل والأسير المجاهد ناصر القصاص ووضعونا في عزل هداريم وبقوا على ذلك حتى دخل الأسرى في الإضراب الجماعي، ودخلنا معهم في نفس الموعد المحدد لنا مسبقاً وأخرجونا إلى أقسام المضربين واستكملناه عندهم. بعد ذلك تم نقلي إلى سجن عسقلان ومكثت فيه فترة بسيطة ثم عدت إلى سجن نفحة وتم الإفراج عني في 8/5/2005 بعد 15 عامًا متواصلة من الاعتقال ولم يتم الإفراج عني خلالها فى أيّ إفراجات ضمن استحقاقات عملية السلام تحت وصف إسرائيلي عنصري لي " على يديه دم " وقد بقيت في كل السجون تحت هذا التعريف ممن رفضت إسرائيل الإفراج عنهم ما يقارب من 850 أسيرًا فقط حتى بدأت انتفاضة 2000 " الأقصى ". وبعد الإفراج عني واصلت حياتي الإعلامية والأكاديمية والعملية فشغلت منصب مدير عام بهيئة شؤون الأسرى والمحررين ومدير دائرة القانون الدولي فيها ، وسابقاً عملت مستشاراً للوزير فى الشأن الإسرائيلي، وممثلاً إعلامياً لوزارة الأسرى " الهيئة حالياً " في قطاع غزة ، ومارست الحياة الأكاديمية وحاضرت بشكلٍ غير متفرغ بجامعة القدس المفتوحة، وقدمت برامج فى فضائتي المنتدى وهنا القدس، وبرامج إذاعية مختصة بالأسرى والشأن الإسرائيلي على إذاعتي القدس والأسرى، وشغلت مديراً للبرامج فى إذاعة صوت الأسرى، وكنت عضواً فى لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية بغزة، ومديراً لمركز الأسرى للدراسات، وعضوًا فى نقابة الصحفيين الفلسطينيين والدوليين . – الخبير فى شؤون الأسرى / رأفت خليل عطية حمدونة – من مواليد مخيم جباليا 1970 م – اعتقل في 23/10/1990 – تم الافراج عنه في 8/5/2005 – البلدة الأصلية المجدل / والسكن الحالى مشروع بين لاهيا / قطاع غزة