* مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة قال فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس في تصريحات صحفية ان الوقت قد حان للاستماع الى أنات ونداءات الاسرى والإحساس بمعاناتهم ومعاناة أبناء عائلاتهم وإبقاء هذا الملف مفتوحا امام كل المحافل الدولية وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وأسراه . واطلق ابو الحاج نداء باسم المركز للوقوف الى جانب الاسرى بعد الهجمة الشرسة لإدارة السجون ضد الاسرى يواصل مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس نشر تجارب الحركة الأسيرة الفلسطينية النضالية داخل وخارج المعتقلات الإسرائيلية وذلك لتوثيق هذه الملاحم البطولية للاجيال القادمة ، حيث ينشر بحلقة هذا الأسبوع تجربة الأسير المحرر ياسر صالح من غزة . الأسير المحرر ياسر صالح .. سيرة ومسيرة الأسير المحرر ياسر محمد محمد صالح من مواليد الحادي عشر من شباط عام 1959 في معسكر الشاطىء غرب مدينة غزة وذلك بعد أن لجأت أسرته من بلدة كوكبا قضاء غزة، اعتقل لمرتين بواقع 17 عاما وقد روى لمركز أبو جهاد تجربته النضالية . بعد إكمال الثانوية العامة انتقلت للدراسة في الجزائر ودرست في جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا علوم طبيعية(أحياء) في الجزائر العاصمة، ثم تخرجت في عام 1981 وتوظفت كمدرس للعلوم الطبيعية في ثانوية بريكة في ولاية باتنةبالجزائر. تزوجت عام 1983 وبقيت في التدريس حتى عام 1990 ورزقت هذه الفترة ثلاث بنات وولد وكنت ناشطًا في الجزائر، كنت أشارك في عقد الندوات والمهرجانات ومعارض الصور خاصة التي تتحدث عن فلسطينوالقدس. في صيف 1990 قررت العودة إلى قطاع غزة ، وفعلاً عدت أنا وزوجتي والأولاد وتفاجأت، وإذ بقوات الاحتلال تقوم باعتقالي على جسر الأردن في 19/7/1990 وتركت الزوجة التي عانت كثيراً هي والأولاد حتى وصلوا للبيت في مخيم جباليا في غزة ، وفي مساء ذلك اليوم تم تصفيد يداي للخلف وتعصيب الأعين ونقلي إلى مركز تحقيق "المسكوبية" في القدس، وفي الطريق تم وضعي على أرضية السيارة العسكرية وداس عليّ الجنود وضربوني بأعقاب البنادق. وفي "المسكوبية" وضعت في زنزانة انفرادية وتم فقط استجوابي عدة مرّات وبعد أسبوع نقلت إلى مركز تحقيق عسقلان وهناك تم التحقيق معي بتهمة الانتماء للجهاد الإسلامي وممارسة نشاطات، وأدخلوا عليَّ بعض العصافير(العملاء) فلم يخرجوا بشيء، فقال لي المحقق بعد أسبوع لا تريد الاعتراف؟! سنلتقي في المسلخ في غزة (سجن غزة المركزي) وفعلاً وبعد نقلي إلى مسلخ سجن غزة، وبعد وضعي على كرسي التحقيق مصفد اليدين من الخلف والكيس النتن في الرأس، إذا بالمحقق يرفع الكيس عن رأسي ويقول لي: "قلت لك سنلتقي في المسلخ بغزة". ونادى على السجان وقال له أن يحضرني إلى غرفة التحقيق وحينما دخلت الغرفة وجدت عدة محققين وانهالوا عليّ بالضرب وهم يصرخون بكل أشكال الشتائم، ويقولون ما بدك تحكي راح نخليك تشوف الموت 99 مرّة ولن تموت، وراح تحكي زي ما حكى كل اللي قبلك، قلت له ما في عندي شيء أحكيه. واستمرت موجات التحقيق ما بين الترغيب والترهيب وما بين التعذيب النفسي والجسدي. مررت بأنواع مختلفة من التعذيب الشبح والجلوس قرفصاء والوقوف طويلاً أمام الحائط والهز والضرب على المعدة والخنق من الرقبة والخصي والوضع في الثلاجة والمنع من النوم لعدة أيام والتهديد بإحضار أحد أفراد الأسرة وهكذا.. واصلوا التحقيق معي حول عدة قضايا حول المقاومة، فقلت لهم إنني لا أعرف واستمر التحقيق معي فترة طويلة، اذكر أن كرسي التحقيق الذي كنت أجلس عليه كرسي سيء للغاية مقعدته مائلة ومربوط في الأرض بقفل. وأثناء تواجدي في سجن غزة ، قام الاحتلال بقتل الشهيد المناضل عطية الزعانين في التحقيق في شهر نوفمبر 1990، وادعى العدو أنه شنق نفسه، كنت وقتها في زنزانة 26 وهي من أسوأ الزنازين وكانت قريبة من الزنزانة التي ادعى العدو أنه وجد الشهيد عطية قد شنق نفسه فيها. وفي أواخر نوفمبر أعلنت الإضراب عن الطعام وبقيت خمسة أيام، والمحقق يقول لي موت فلن يسأل عنك أحد، وفي اليوم السادس امتنعت عن الماء كمزيد من الضغط وفعلاً في اليوم الثامن من الإضراب تم نقلي إلى غرف التراحيل وأنهيت الإضراب وفي 5/12/1990 ، تم نقلي إلى معتقل أنصار 2 في غزة ، وما هي إلا أيام حتى تم نقلي إلى سجن أنصار 3 (النقب قسم ج) وبقيت موقوفاً ل 17 شهراً ثم حوكمت سنتين فعلي وسنتين وقف تنفيذ وغرامة 2000 شيكل. والحمد لله عشت هذه الفترة متنقلاً ما بين قسمي ب وج واستفدت هذه الفترة من الوضع الثقافي والرياضي والاجتماعي والأهم أنني تعرفت على الكثير الكثير من المناضلين وخاصة من القيادات الوطنية والإسلامية سواء من غزة أو الضفة الغربية، وقد أفرج عني في يوم الخميس 16/7/1992. الحمد لله عشت مع أبنائي وزوجتي وحاولت تعويضهم عن فترة الاعتقال ما استطعت ورزقني الله في هذه الفترة ابنة، لكن الفرحة لم تكتمل فقد أعادت قوات الاحتلال اعتقالي مرة ثانية يوم 8/2/1994 ليلاً وكانت زوجتي حاملاً، وحين اعتقالي جاء عدد كبير من الجنود المدججين بالسلاح واعتلوا سطح وجدران البيت، وحين اقتحام البيت تم تصفيدي من الخلف ووضعي في زاوية ووضعوا زوجتي والأولاد في زاوية أخرى، وقاموا بقلب البيت رأساً على عقب وأخذوني بعد تعصيب عيناي إلى مركز جباليا، ومن هناك إلى المسلخ (سجن غزة المركزي) ألبسوني أبرهول بني ووضعوا الكيس في رأسي وربطوا يداي من الخلف وأجلسوني على كرسي التحقيق في المسلخ، وما هي إلا لحظات إذا بالكيس يرفع عن رأسي ويطل عليّ المحقق ويقول: أبو أسامة أهلاً.. أهلاً وسهلاً ونادى الشرطي لينقلني إلى غرفة التحقيق وهناك بدأت جولات التحقيق معي شبح وهز والقرفصاء والثلاجة والوقوف طويلاً والمنع من النوم والخنق والضرب والخصي ومحاولات دائمة من الترغيب والترهيب والتهديد بإحضار أحد أفراد الأسرة ، وبعدها تم نقلي إلى تحقيق سجن عسقلان بسبب قرب تسليم القطاع للسلطة بناء على اتفاقية أوسلو، وهناك استمر التحقيق بنفس الطريقة ، وزادت وتيرة التحقيق حتى جرحت يدي من الكلبشات وأثرهما ما زال موجوداً حتى اللحظة، ولم يقدم المحقق لي العلاج واستخدموا النزف الحادث للضغط عليّ لمزيد من الاعتراف. وبقيت أياماً طوالاً وأنا أعاني وبعثوا لي أكثر من مرة العصافير، ولكنني لم أقع في فخهم وفي شهر يونيو تم إخراجي من الزنازين إلى السجن قسم (12) غرفة (1)، مكثت فيها أيام وتم نقلي إلى قسم (ب) غرفة (8)، والأسوأ في هذه الفترة أنني كنت ممنوعاً من الزيارة وقد عشت مع إخوتي شهوراً مارست فيها العمل التنظيمي والثقافي، ومارست الرياضة إلى أن تم نقلي إلى سجن النقب في شهر اكتوبر عام94 إلى قسم (ه) ومن هناك إلى قسم (ج) وانتهى الأمر بي في قسم (كيلي شيفع) مردوان (1) وبعدها إلى مردوان (3) مع الموقوفين. بقيت ممنوعاً من الزيارة وعلمت من أصدقاء لي علموا من خلال الزيارة بأن زوجتي أنجبت طفلاً وأسمته (محمد) ففرحت كثيراً وحمدت الله على هذه النعمة، وكان مطلوباً لي في المحكمة (30) عاماً ولهذا فكرت بالهروب من السجن وخططت لذلك مراراً منذ أن وطأت قدماي سجن النقب إلى أن نجحت في ذلك يوم 2/1/1995، وخرجت قبل العدد المسائي من المطبخ وكنت أعمل آنذاك في المطبخ، وجهزت فتحة في الشبك وزحفت بعد أن صلينا المغرب خارجاً من المطبخ ومتوجهاً نحو الشبك الخارجي، وقد أعددت بعض الأسلاك على شكل حرف (S) لإزاحة الأسلاك عن بعضها لأستطيع قطع الشبك الخارجي، وكنت قد أحضرت قصافة كبيرة وضعتها على السلك وقصيت السلك بالقصافة وحركتها قليلا ثم بيديّ حركت السلك، فانقطع وفرطت الشبك وخرجت منه، وبدأت أركض باتجاه الحدود، ولكن المؤسف أن الطريق كانت وعرة ومرتفعات ، ولهذا تنبه ضابط العدد على الثامنة مساء أن هناك معتقل مفقود وبعد التأكد من أن الهارب هو أنا ياسر صالح، بعثوا إلى كل نقاط المراقبة الحدودية أن هناك شخص قد هرب وبدأت عملية البحث عنّي وحينما وصلت إلى الحدود، فوجئت بالفوانيس تضرب بالسماء وأصبحت الدنيا نهاراً، وبدأوا ينادون عليَّ للتوقف ورفع اليدين، فتوقفت وألقوا القبض عليَّ الساعة التاسعة مساء على الحدود المصرية، وصفدوا الأيدي خلف الظهر، وبدأ الضابط باستجوابي عن الاسم واللقب ومكان الهروب، وحينما تأكد من أنني أنا المطلوب أعادوني إلى النقب، ووجدت أن الدنيا انقلبت وبعد جلوس المخابرات معي طلبوا منّي أن أعيد لهم كيف خرجت من السجن، وبعدها وضعوني مكبلاً في زنزانة إلى أن أتت سيارة وأخذتني إلى تحقيق سجن عسقلان، وهناك بدأ التحقيق معي حول عملية الهروب، من ساعدني؟ ومن كان ينتظرني في الخارج؟ والى أين كنت متوجه؟ فقلت لهم أنني فكرت ونفذت كل شيء دون مساعدة أحد والسبب الرئيسي أنني محروم من زيارة أهلي والمعاناة الشديدة في سجن النقب . وبعد أسبوعين خرجت من التحقيق إلى قسم (11) غرفة (15)، وبدأت معاناتي من جديد لأنني صنفت من الأسرى الخطيرين ، وبعد فترة قصيرة انتقلت إلى قسم (ا) غرفة (4) وبعد ذلك إلى غرفة (8) قسم (ب) وعشت مع إخواني ومارست الحياة التنظيمية والثقافية وحتى الرياضية، وكانت علاقاتي الاجتماعية مفتوحة مع الكل،وكنت أخطب الجمعة وأعطي جلسات وخاصة في اللغة الانجليزية والفرنسية. وفي يونيو 1995 شاركت في اضراب عن الطعام تحت عنوان سياسي ومطلبي واستمر الإضراب المفتوح 16 يوماً وانتهى بوعود من الوزير الأول للأسرى هشام عبد الرازق بعد أن حضر لسجن عسقلان يوم الجمعة والتقى بقيادات الفصائل بأن السلطة الوطنية ستتابع الأمور وأن الرسالة قد وصلت، وبناء على ذلك تم تعليق الإضراب. أرسلوني للمحاكم وبعد عدة جلسات حكم عليّ 13 عاماً فعلياً إضافة إلى عامين وقف التنفيذ من الاعتقال الأول، وحكم 6 شهور فعلي وثلاث سنوات وقف تنفيذ نتيجة الهروب فأصبح الحكم خمسة عشر عاماً ونصف. بعدها تم نقل كل أبناء غزة إلى سجن نفحة الأقسام الجديدة في مطلع عام 1997، وعشت في قسم (6) غرفة (59) ومارست الحياة الإعتقالية الثقافية والتنظيمية والاجتماعية والرياضية وأذكر أنني أكملت المستوى الاول انجليزي مع الشهيد نعيم شوامرة في غرفة 58 قسم 6 نفحة . ومن التجارب أننا تعرضنا للقمع من الاحتلال في سجن نفحة في معركة أطلقنا عليها معركة علبة الصلصة لأن السبب كان رفض ضابط العدد إيصال علبة صلصة من غرفة إلى غرفة، فخرج أحد الأسرى ليحضر هذه العلبة من إحدى الغرف فعندما شاهدوه جنّ جنون ضابط العدد ومرافقيه وأغلقوا الأبواب واعتدوا على هذا الأسير، ثم توترت الأجواء وقمنا بالتصدي للجنود ورشقهم بما نملك من اشياء ، فقام الجنود برش الغاز على القسم ، وبعد ذلك أخرجونا إلى الساحة وعزلوا الغرفة(61) التي خرج منها الأسير ليحضر علبة الصلصة، وتحول القسم إلى عزل لمدة أسبوعين كعقاب، واستمرت الحياة. وفي عام ألفين أضربنا لمدة (20) يوماً وكان أهم المطالب إخراج المعزولين وإغلاق سجن هداريم. وبخصوص الإهمال الطبي الذي تعرضت له أذكر شكلين من هذا الإهمال الأول كنت أعاني من ألم في ركبتي وطلبت تصويرها في مستشفى الرملة ، وصورتها فعلا وحينما عدت إلى سجن عسقلان وبعد اسبوع بعث لي الطبيب ونزلت للعيادة فإذا به يقول لي بعد تفحص صورة الأشعة أن ظهري جيد ولا يوجد أي مشكلة قلت له أنا أتألم من ركبتي وصورت ركبتي اليمين وليس ظهري فامتعض من كلامي وقال سأفحص الأمر واتضح أنهم لا يهتمون بالتصوير وإعطاء النتائج الحقيقية ولا يوجد اهتمام بالأسرى المرضى. والشكل الثاني للإهمال الطبي الذي تعرضت له أنه حينما نزلت لطبيب الأسنان في سجن نفحة وشكوت له الألم من أحد الأضراس فقام بالفحص وقرر خلع الضرس ولكن بعد البنج خلع الضرس السليم لم ادرك ذلك إلا بعد زوال تأثير البنج وعدت بعدها مضطرا لأزيل الضرس الذي أتألم منه وهذا غيض من فيض مما يدور في عيادات السجون. وبعد عام 2002 تقريباً عشنا تجربة جديدة من التفتيشات والاقتحامات بسبب الجوالات المهربة ، وبدأ الاحتلال بسحب كثير من الانجازات وأهمها استبدال شبك الزيارة بزجاج والحديث عبر الهاتف أثناء الزيارة ويكون الصوت مشوشاً لوجود تنصت على المكالمات. وبدأ الإعداد للإضراب عام 2004 وكانت تجربة غاية في القسوة والانتهاك،فلم يسمح الاحتلال للأسرى بتناول الملح وكانت التنقلات سواء داخل السجن الواحد أو إلى سجون أخرى أحيانا أكثر من مرة في اليوم , ولكن الأسرى صمدوا وسطروا أسطورة وخاصة الأسرى الجدد الذين اعتقلوا بعد عام 2000 في انتفاضة الأقصى. واستمرت الحياة الاعتقالية رغم سحب كثير من الانجازات سواء على المستوى التنظيمي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الرياضي حتى الشهور الأخيرة لي في السجن وفيها حدثت الحرب على غزة 27/12/2008 وانتهت في 18/1/2009 وكان القلق والخوف على أهلنا وكذلك الخوف من التحويل للاعتقال كمقاتل غير شرعي لمن ينهي مدة محكوميته، وقد حدث هذا لبعض الأسرى . لكن أخيرا والحمد لله تم الإفراج عني بعد انتهاء المحكومية في 22/2/2009، وعدت بعد الإفراج للحياة مع أسرتي وقد كبر الأبناء منهم من تخرج من الجامعة ومنهم من تزوج وأنجب، وأيضاً رزقني الله بمولود جديد أسميته (عز الدين) وبقيت منتمياً لقضية الأسرى ومتابعاً لها وناطقاً إعلامياً لمؤسسة مهجة القدس للشهداء والأسرى.