يُعد منصب رئيس الولاياتالمتحدة أهم المناصب السياسية في العالم وأكثرها خطورة، وشئنا أم أبينا، تؤثر طبيعة الرئيس وشخصيته في أحوال البشر حول العالم بطرق مباشرة أو طرق غير مباشرة. حكم الرئيس دونالد ترامب 4 سنوات كانت الأكثر إثارة في تاريخ أميركا الحديث، وضاعف من إثارة آخر فصولها وصول فيروس كورونا إلى بيتها الأبيض، ليقلب الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية رأسا على عقب، إذ قسم التاريخ الرئاسي إلى مرحلة "ترامب وأميركا قبل الكورونا"، و"ترامب وأميركا أثناء الكورونا"، ولا أحد يعرف بعد متى ستبدأ مرحلة "أميركا ما بعد الكورونا" ولا نعرف بعد إذا ما كان ترامب سيكون جزءا من هذا المستقبل، أم سيكون رئيسا سابقا. ونتج عن فيروس كورونا حتى 20 أكتوبر/تشرين الأول وفاة ما يزيد عن 220 ألف أميركي، وإصابة ما يزيد عن 8 ملايين آخرين بالفيروس، ودفع ذلك بانتخابات 2020 الرئاسية لتصبح الأكثر إثارة في التاريخ الأميركي، فلم تجر أي انتخابات في ظل انتشار جائحة تحصد يوميا مئات الضحايا، وتصيب عشرات الآلاف بالفيروس. وعلى الرغم من تداعيات فيروس كورونا اللامحدودة، لم تبتعد الانتخابات أو النقاشات السياسة عن الرئيس ترامب، فما زال ترامب مسيطرا على كل صدر الصفحات الأولى ومقدمة النشرات الإخبارية، ليس فقط في أميركا؛ بل في مختلف أنحاء العالم. ولا تتعلق انتخابات 2020 الرئاسية بشخصية أو مواقف أو تاريخ المرشح الديمقراطي جو بايدن (77 عاما)، ذلك الابن البار للمنظومة السياسة الأميركية التقليدية، التي قضى بين مؤسساتها نصف قرن من عمره؛ بل تتركز بصورة طاغية على الرئيس ترامب. عندما يصوت ملايين الأميركيين لن يتحكم في قرارهم مقارنة موضوعية بين مرشحين أو برنامجين أو رؤيتين؛ بل يصوت الأميركيون للإبقاء على ترامب لسنوات 4 أخرى في البيت الأبيض، أو يصوتون لإخراجه من البيت الأبيض ومنظومة السياسة الأميركية. قبل 240 عاما، لم يتوقع الآباء المؤسسون للدولة الأميركية عندما اجتمعوا للاتفاق على شكل الدولة الجديدة وطبيعة الدستور وعلاقة الحاكم بالمحكومين أن يصل شخص مثل دونالد ترامب لسدة الحكم. يشكك البعض في قدرات الرئيس ترامب العقلية والمعرفية، وآخرون يرونه غير مهيأ للحكم، وعلى النقيض من كل ذلك يراه الملايين سياسيا عبقريا غير تقليدي. لكن بعيدا عن هذه الأصوات، أو ربما بسببها، فاز ترامب بانتخابات 2016 ووصل للحكم ودخل البيت الأبيض باعتباره الرئيس 45 للولايات المتحدة. ومنذ تنصيب ترامب رئيسا في 20 يناير/كانون الثاني لعام 2017 لم تتوقف المعارك والخلافات بينه وبين كافة ألوان الطيف السياسي الأميركي، من الديمقراطيين للجمهوريين، من الليبراليين إلى المحافظين، من المهاجرين إلى النخبة، ومن المزارعين إلى رجال الدين، ومن الحلفاء الخارجيين إلى الأعداء التقليديين. خاض ترامب وما زال معارك مع الأطباء والعلماء، أنكر تغيرات المناخ وشكك في مخاطر فيروس كورونا، لقد نجح ترامب في هز علاقته بالجميع، حيث يعمل على تغيير طبيعة علاقة بلاده بالعالم من حولها، وفي هذا ينجح قليلا ويفشل كثيرا. وعلى الرغم مما يمثله الرئيس ترامب من تهديد للديمقراطية الأميركية؛ إلا أنه وفي الوقت ذاته، يمثل نتاجا لها ولآلياتها. فمن بين 45 رئيسا عرفتهم الولاياتالمتحدة، يُعد ترامب الوحيد الذي لم يُنتخب من قبل لأي منصب سياسي أو يخدم بالقوات المسلحة الأميركية قبل وصوله للبيت الأبيض. كل رؤساء أميركا السابقين إما تم انتخابهم في مناصب سياسية مختلفة مثل عضوية مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، أو انتخبوا حكاما لولايات قبل وصولهم للبيت الأبيض، أو شاركوا في حروب بلادهم في الخارج أو جمعوا بين كليهما. ومن بين هؤلاء يقف ترامب وحده رئيسا تم انتخابه من دون وجود خبرة سابقة في أي منصب سياسي، أو أي خبرة سابقة في أرض المعارك والحروب. وربما لهذه الأسباب يتمتع ترامب بدعم غير محدود من فئات وقواعد انتخابية جمع بينها الرغبة في التغيير، حيث مثّل ترامب لهذه الفئات التغيير في أوضح صوره، فقد أقنعهم أن النظام السياسي الأميركي فاسد ويحتضر، وأنه هو المخلص لهم من نخبة سياسية تركزت في مدن الساحلين الأطلنطي والهادي، نخبة سياسية تقليدية لم تعد تكترث ببقية أميركا والأميركيين القابعين في المناطق الواقعة بين المحيطين. قرارات إدارة ترامب الخارجية لا تنطلق من نظريات في إدارة العلاقات الدولية؛ لكنها مبنية بالأساس على حسابات وتفضيلات الرئيس ترامب المتعلقة بأمور متداخلة ومعقدة بصورة يطغى عليها الجانب الشخصي، ويتحكم في جانب ترامب الشخصي خبراته السابقة وإدارته للعديد من الشركات والمؤسسات التجارية والعقارية، داخل وخارج الولاياتالمتحدة، حيث أدى فيها ترامب أدوارا مختلفة منها المالك والمدير والخاسر والمستثمر. يقول ترامب لأنصاره بكل فخر واعتزاز "بالمقارنة بكل رؤساء أميركا السابقين.. لا يتفوق أحد على ما قمت به لهذه البلاد؛ إلا ربما الرئيس أبراهام لينكولن". ولا يمكن أن نعرف رأي الأميركيين في تقييم ترامب لذاته؛ لكن سيكون موعد 3 نوفمبر كاشفا لدرجة دعم الأميركيين لرئيسهم غريب الأطوار، أو وصولهم لدرجة لا يتحملون معها 4 سنوات من حكمه. الجزيرة نت