خليط أزمات حكم وهوية وشرعية ** تنصيب تاريخي وسط استنفار واحتجاجات حل 20 جانفي 2017 بالفعل على أميركا وعلى العالم بعدما ظنّ كثيرون أن هذا التاريخ لن يحلّ وعوّل آخرون على ألا يحلّ بفعل عزل الرجل قبل أن يتسلم مفاتيح البيت الأبيض بالتنصيب الرسمي أو بفضل مفاجأة ما تحول دون تحول الكابوس بالنسبة لكثيرين إلى حقيقة. لكن المفاجأة لم تأتِ فصار لأميركا رئيس يجمع في شخصه كل الأسباب التي تجعل رعب الأميركيين والعالم مبرراً: كاره للأقليات وللأجانب ول(غير البيض) أمّي في شؤون الحكم فاقد لأي خلفية في العمل السياسي ممثل لقطاع واسع من اليمين الفاشي العنصري وما خفي كان أعظم.. ق. د/وكالات تسلم دونالد ترامب الرئاسة أمس الجمعة ولا أحد يعرف كيف سيتمكن من الحكم في ظل قرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري تحويل أيامه الرئاسية كابوساً على ما يبدو من تجربة أسبوعي التصديق على أعضاء الفريق الحاكم الذي عينه. فريق لم يمرر الكونغرس حتى الآن إلا نصفه ليبقى النصف الآخر شاغراً (أبرز الشواغر في الخارجية والصحة والتربية والمال) بينما أصر ترامب على طرد كل الموظفين المعينين من سلفه باراك أوباما أي أن أميركا ستعيش شغوراً وظيفياً وسياسياً هو من بين الأوسع في تاريخ الاتحاد الأميركي. أما شعبياً فيبدو الوضع أكثر فداحة وسيكون مشهد تسليم أوباما ترامب الحكم كفيلاً بفضح الموقف: أوباما الرئيس صاحب أكبر شعبية في تاريخ أميركا (60 في المائة) يسلم الرئاسة للأقل شعبية بين أسلافه ال44 مع 32 في المائة من التأييد الشعبي. أرقام قياسية ويحفل سجل ترامب بأرقام قياسية في عدد السوابق الانتخابية التاريخية التي توالت على الولاياتالمتحدة منذ إعلان قرار ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الجمهوري قبل نحو سنة ونصف السنة. فقد دخل الرجل السباق إلى البيت الأبيض بصفته رجل أعمال ونجماً تلفزيونياً يقتحم عالم السياسة من خارج المؤسسة الحزبية التقليدية الجمهورية والديمقراطية. لا تنتمي عائلة ترامب إلى عائلة سياسية كعائلات كينيدي وبوش وكلينتون. وهو في هذا المضمار أقرب إلى الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. لكن الاختلاف الأساسي بين الرجلين هو السجال حول الشرعية الشعبية والسياسية والدستورية لكل من أوباما وترامب. وكان ترامب سبّاقاً في إطلاق سجال الشرعية قبل أسابيع من موعد الانتخابات عندما كانت استطلاعات الرأي تظهر تقدم مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وذلك من خلال حديثه عن فساد النظام الانتخابي وتزوير الانتخابات. لكن المفارقة اليوم أن شرعية انتخاب ترامب هي محل مساءلة في ظلّ سابقة المقاطعة التي يتعرّض لها حفل تنصيبه رسمياً إذ لم يشهد تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية سابقة مماثلة لامتناع نحو 50 عضواً في الكونغرس عن حضور الحفل الرسمي لتنصيب الرئيس الجديد. انقسام داخلي يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض وسط انقسام داخلي أميركي لا يخفي بعضاً من مظاهره العنصرية. ولا تقتصر المظاهر على المواجهة التي خاضها في الأيام القليلة الماضية مع النائب الديمقراطي من أصول أفريقية جون لويس الذي يعتبر رمزاً من رموز حركة مكافحة العنصرية ضد الأميركيين من أصول أفريقية بل تكمن في خلفيتها سجالات حول إدارة أول رئيس من أصول أفريقية والسياسات التي اتّبعها والإنجازات التي حققها وكذلك الوعود الانتخابية التي فشل في تحقيقها. كما يندرج طعن لويس بشرعية انتخاب ترامب على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية في سياق دفاع الأقلية الأفريقية عن تجربتها الأولى في الرئاسة. وأيضاً في سياق الدفاع عن إرث باراك أوباما أول رئيس أميركي من أصول أفريقية الذي كان ترامب أول المشككين بشرعية انتخابه عام 2008 من خلال إثارة الشبهات حول صحة شهادة ميلاده الأميركية. كذلك يتزامن موقف لويس الرمز الديمقراطي مع بدء الغالبية الجمهورية في الكونغرس الإجراءات القانونية لإلغاء خطة أوباما كير للتأمين الصحي التي يعتبرها الديمقراطيون من أبرز إنجازات الإدارة الأوبامية. وتشكل قضية العنصرية أبرز الملفات التي تنتظر مقاربة جدية من إدارة ترامب لرأب الصدع الذي أحدثته الحملات الانتخابية مع الأقليات من أصول أفريقية ولاتينية وكذلك مع المسلمين في الولاياتالمتحدة وفي العالم. ولا تشير تغريدات ترامب التي رد بها على حملة لويس ضده إلى أنه يملك خطة واضحة المعالم لمعالجة الانقسامات العنصرية داخل المجتمع الأميركي وإيجاد حلول لمظاهر التمييز العنصري تحديداً وضع حدّ ل الحرب الأهلية بين الشرطة الأميركية والشبان من الأقلية الأفريقية في إحياء المدن الأميركية. بالإضافة إلى ذلك فقد استمع أعضاء الكونغرس خلال جلسات المساءلة للمرشحين لتولي مناصب حكومية في إدارة ترامب إلى وجهات نظر مختلفة عن مواقف الرئيس المنتخب كموقف مايك بومبيو المعين في منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية من عمليات التجسس الروسية والتدخل في الانتخابات الأميركية وموقف وزير الدفاع جايمس ماتيس من مواجهة النفوذ العسكري الروسي في أوروبا والشرق الأوسط. حتى أن موقف ريكس تيليرسون وزير الخارجية الجديد المعروف بعلاقة الصداقة التي تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبّر عن وجهات نظر لا تتفق كثيراً مع ترامب في شأن العلاقات بين واشنطن وموسكو. على أن المواجهة المفتوحة مع أجهزة الاستخبارات الأميركية على خلفية تقارير التجسس الروسي وبعد اتهام ترامب لمسؤولي وكالات الأمن الأميركية بتسريب تقرير استخباراتي فضائحي مشكوك في صحته عُرف باسم ملف ترامب ستبقى الأزمة الأخطر التي تهدد قدرة إدارة ترامب على تقدير المخاطر التي تهدد الأمن القومي الأميركي وعلى رسم السياسات الخارجية التي تخدم مصالح الولاياتالمتحدة وأمنها الاستراتيجي. لكن فريق الرئيس المنتخب يرفض التهويل بتداعيات ومخاطر عدم تطابق وجهات النظر بين ترامب ومسؤولي أجهزة الاستخبارات الأميركية. ويرى هؤلاء أن عدم وضوح العلاقة وغياب الثقة بين الجانبين سينتهي بعد تسلم الفريق الأمني الجديد مسؤولية إدارة وكالات الاستخبارات الأميركية ال17. ويرجّح هؤلاء أن التغيير سيطاول أيضاً مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي خصوصاً بعد إعلان وزارة العدل الأميركية عن إجراء تحقيق في الاتهامات الموجهة له بالتدخل في الانتخابات ضد كلينتون. وتتزامن التحقيقات مع مدير إف بي آي في مسألة انحيازه وتأثير معتقداته السياسية على قراره المهني مع تزايد الانتقادات لوكالات الأمن الأميركية المتعددة. وفي طليعة المنتقدين فريق الرئيس المنتخب الذي اعتبر أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تحولت إلى أداة سياسية بيد إدارة باراك أوباما. يشكّ فريق ترامب في دقة تقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية عن عمليات القرصنة الروسية والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية. حتى أن الرئيس المنتخب أعلن سابقاً أنه فور تسلّم السلطة سيشكّل فريقاً أمنياً خاصاً لوضع استراتيجية أميركية واضحة المعالم في قضايا الأمن الإلكتروني لحماية شبكة الإنترنت الأميركية من الهجمات وعمليات القرصنة والتجسس الإلكتروني. ترامب وروسيا وفي تشعبات العلاقة مع روسيا تواجه إدارة ترامب تحقيقات أعلنت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أنها بصدد البدء بإجرائها تتناول قنوات اتصال محتملة بين العاملين في الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية ومسؤولين روس أشرفوا على إدارة عملية تسريب الوثائق المقرصنة من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وبريد جون بوديستا مدير الحملة الانتخابية لكلينتون. وقد تصل هذه التحقيقات إلى الأشخاص المقربين من الرئيس ولا يستبعد أن تؤخذ شهادته وربما التحقيق معه وهو ما يزيد من حجم التحديات الوجودية التي تواجهها إدارته. حفل تنصيب ترامب الأغلى في التاريخ في سياق آخر قد يكون حفل تنصيب الرئيس الحفل الأهم في الولاياتالمتحدة. من أجله يجتمع مئات الآلاف من المتابعين وتنقله القنوات حول العالم في بث مباشر يرافقه الكثير من التحليلات والتوقعات ما يجعله حفلاً مكلفاً من الناحية المادية حتى يكون في المستوى المطلوب. التوقعات تشير إلى أن حفل هذه السنة سيكون الأعلى تكلفة على الإطلاق على مر التاريخ والسبب هذه المرة غير تقليدي. وأوضح موقع موني أن حفلة تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لن تتميز فقط بغياب مشاهير الفن في الولاياتالمتحدة ورفض غالبيتهم أداء عروض خلال مراسم الاحتفال بل تتميز كذلك بتكلفتها الباهظة رغم غياب أسباب تقليدية لارتفاع هذه التكاليف. وتابع الموقع أن تكلفة المراسم سوف تكون الأعلى في التاريخ رغم أن الموكب سيكون أقصر وعدد الحفلات الراقصة سيكون أقل وأن المشاهير الأهم سيكونون غائبين. وغالبية الفنانين في العادة لا يتقاضون أجوراً على تأدية عروض في مراسم تنصيب الرئيس الجديد لذا لا سبب يجعل التوقعات تتجه إليهم كسبب في غلاء الحفلات لكن التكلفة في الحقيقة سببها الجانب الأمني. وتتوقع مصادر أن تتجاوز تكلفة الحدث 200 مليون دولار نصفها سيصرف على ما لا يقل عن 28 ألف موظف أمن محلي وولاياتي وفيدرالي. وذلك من أجل تأمين الحدث كما يجب. وتم توفير هذه الأموال من مصادر حكومية وخاصة إذ إن نصف المبلغ سيتم استخدامه من أموال الضرائب الحكومية بينما النصف الثاني من تبرعات المتعاطفين وتذاكر حضور الحفلات التي سوف تقام بالمناسبة.