وكان على المحاضر الذي بدأ بقراءة أوراقه ما يقارب الثامنة إلا الربع أن يلتزم بنصف ساعة وعلى المداخلات أن تختزل إلى الحد الأدنى حيث أعلنت عريفة الندوة الدكتورة ليلى السبعان عن وجود فعالية أخرى ضمن المهرجان الثقافي تبدأ في الثامنة والنصف. ورغم المقدمة التي أشارت فيها الدكتورة ليلى السبعان إلى أهمية هذا الأسبوع في التواصل مع الثقافة الجزائرية الذي طال انتظاره كما عبر بعض الحضور فإن القاعة ظلت خالية أو تكاد من الجمهور. وفيما عدا بعض أعضاء الوفد الجزائري وعدد من أعضاء مجلس إدارة الرابطة وما يعد على الأصابع من المثقفين. بدت القاعة بمقاعدها الصفراء صحراء بلقعا.كانت المفارقة التالية أن الورقة التي أعدها المحاضر الجزائري الدكتور معاشو كرور الأستاذ المساعد في الأدب بجامعة ابن خلدون لم تكن عن الأدب الجزائري بل اقتصرت وهذا منطقي أكثر على الشعر الجزائري وحده. وجاء عنوانها «تطور الشعر الجزائري المعاصر».تحدث معاشو في البداية عن العلاقات الثقافية الكويتية الجزائرية، مشيدا بمطبوعات المجلس الوطني، كما بإسهام مجلة العربي التي قدمت استطلاعات مهمة عن الجزائر المعاصرة، كما ساهم بالكتابة فيها وفي غيرها من مطبوعات المجلس الوطني كعالم الفكر وعالم المعرفة عدد من الباحثين والكتاب الجزائريين. أجيال الشعر ركز معاشو على مشكلة المعاصرة في الشعر الجزائري باعتبارها نقطة إشكالية، بين القطيعة مع التيارات الشعرية السابقة، وبين التواصل معها والبناء على معطياتها ومكتسباتها الجمالية. وأشارت ورقة معاشو إلى مرحلة ما بعد الاستقلال في فترة «استدعت تضافر جهود للإعلاء من شأن مقومات الأمة الجزائرية «الدين، اللغة، الوطن». ولخوض معركة البناء والتشييد الحضاري. وفي ضوء هذه الأسبقية تكاد نصوص هذه الفترة تكون باهتة الظلال خافتة الأصوات».ثم هناك مرحلة أخرى يمثلها شعر الثمانينات والتسعينات، الذي تأتي مقاربته من منطلق خصوصياته «التي ذهبت ببعض النقاد إلى وصفه بالجيل الباحث عن النص المستحيل، أو بالأحرى هو جيل اليتم الباحث عن جينيالوجيته الضائعة من خلال ضلوعه في الاستعارات والمجازات الشعرية الغاربة عن النسب الشعري الذي ينتمي إليها».وسرد معاشو بعض التجارب الخاصة لشعراء مثل سعيد هادف وأحمد عبد الكريم وعثمان لوصيف والأخضر فلوس والأخضر بركة وغيرهم الذين يشتركون على صعيد المعجم والاستعارات في إحياء اللغة الصوفية لدى الحلاج وابن عربي، كما عولت بعض الدواوين على المنجز البصري للقصيدة فضلا عن ظاهرة الانتصار للخط الجزائري المغاربي في تدبيج نصوصهم تعبيرا عن التمسك بالهوية العربية.وأشار معاشو إلى خصوصية مهمة برأيه في نصوص «شعراء الاختلاف» وهي الاسترسال في الكتابة على إيقاعات قصيدة النثر.وأشار المحاضر إلى أن أغلب الشعراء المعاصرين يتمثلون مقولة النفري صاحب كتاب المواقف والمخاطبات «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» لأن الظاهر على شعراء قصيدة النثر أنهم يبحثون عن النص المستحيل الذي لا حدود له و لاتخوم توقف مساره. مشكلة الهوية في التعقيب الوحيد الذي سمح به الوقت أشار الدكتور نادر القنة إلى تجاهل المحاضر لإشكالية الهوية في الأدب الجزائري، والعلاقة بين الأدب الجزائري المكتوب بالعربية والمكتوب بالفرنسية، كما أشار إلى أن الانفتاح والتعدد الذي جاء بعد ما أسماه المحاضر «العشرية السوداء» كان قسريا.اتسمت محاضرة معاشو بالغموض والتكثيف بدلا من أن توضح لحضور يفترض بحسب ما قيل في بداية المحاضرة أنه يغيب عنهم الكثير عن مسار تطور الأدب الجزائري فيما يشير إلى أزمة ثقافية في العلاقة بين المشرق والمغرب، كما احتشدت المحاضرة بالأسماء والعناوين، والمقتبسات الأدبية والفلسفية، إضافة إلى المصطلحات التي قد تغمض على المستمع العادي.فهل حققت المحاضرة ما كانت تهدف إليه من دعم التواصل الثقافي الكويتي الجزائري في سياق الغياب الجماهيري، والغموض، واضطراب المواعيد؟