رسخت مجزرة "ساقية سيدي يوسف" التي امتزجت فيها الدماء الجزائريةوالتونسية ذات يوم من عام 1958 لتلاحم أخوي يزداد صلابة وعمقا عبر السنين، تتجلى معالمه في تآزر شعبي ورسمي عفوي خلال فترات الأزمات والمحن. فبعد مرور 63 سنة على وقوع هذه الأحداث الأليمة، يظل الجزائريونوالتونسيون على السواء، يستلهمون من هذه المحطة التي أضحت شاهدا على النضال المشترك بين الشعبين، لتوطيد تعاون ثنائي يستمد روحه وقوته من عمق الروابط التاريخية التي تجمع بينهما. وعلى النقيض مما كان يأمله المستعمر الفرنسي الذي نوى، من خلال قصفه لهذه المنطقة الحدودية، ضرب عصفورين بحجر واحد: هز القواعد الخلفية للثورة الجزائرية من جهة، وإحداث شرخ في أواصر التضامن بين الشعبين من جهة أخرى، تحولت هذه المجزرة إلى مصدر ينهل منه الجانبان في مسعاهما لتمتين علاقات الصداقة والإخاء التي أخذت مع مرور الوقت أبعادا شتى، أهمها المواجهة المشتركة للتحديات التي يشهدها محيطهما الإقليمي. فبالنسبة للجزائر، تعد مسألة الرفع من مستوى العلاقات الثنائية وتعزيز التضامن مع الجارة تونس أمرا أساسيا تحرص، في كل مناسبة، على الدفع به إلى آفاق أرحب وهو ما يبدو واضحا من خلال الاتفاقيات الخاصة بتنفيذ برامج تنموية عبر ولايات الشريط الحدودي والنهوض بالأوضاع المعيشية لقاطنيها والتي تم خضت عنها اللجان العليا المشتركة التي انعقدت إلى غاية الآن. وفي ذات المنحى، كان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد حرصه، رفقة نظيره التونسي قيس سعيد، على تنمية المناطق الحدودية وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين. كما أعرب، بمناسبة زيارة الرئيس سعيد للجزائر، عن استعداد هذه الأخيرة لتقديم "المساعدة التامة" لتونس التي تعيش مرحلة صعبة ماديا واقتصاديا، معلنا في هذا الصدد عن ضخ 150 مليون دولار في البنك المركزي التونسي كضمان، مع مواصلة تيسير الدفع بالنسبة للتموين بالغاز والمحروقات، ريثما تتجاوز تونس هذه الصعوبات. وبدوره، أكد الرئيس التونسي قناعته بقدرة الجزائر وبلاده على تحقيق انطلاقة متجددة، تحقيقا لآمال شعبيهما، مع إبراز ضرورة "استشراف أدوات جديدة للعمل المشترك". كما عاد للتذكير بالأواصر التاريخية التي تجمع بين الشعبين، متوقفا عند أحداث ساقية سيدي يوسف التي يحيي البلدان ذكراها سنويا في الثامن من شهر فبراير، والتي "امتزجت فيها الدماء من أجل الحرية والكرامة". وفي حلقة أخرى من صور هذا التضامن، قدمت الجزائر السبت الفارط، وبأمر من الرئيس تبون، هبة لتونس تمثلت في أدوية ومستلزمات طبية لمواجهة جائحة كوفيد-19، ليتواصل بذلك التلاحم بين البلدين كرافد من روافد التعاون الثنائي الذي أصبح يشمل اليوم مختلف الجوانب، وفي مقدمتها محاربة الإرهاب ومواجهة المخاطر الأمنية المحدقة بهما. ونفس الاتجاه يأخذه التعاون الثنائي بين البلدين في شقه الاقتصادي، والذي ما فتئ يتميز بحركية مطردة، تجسدت من خلال الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم إبرامها في وقت سابق، وعلى وجه أخص الاتفاق التجاري التفاضلي الموقع بين الطرفين عام 2008 وانعكاساته الإيجابية على حجم المبادلات التجارية الجزائرية-التونسية التي تجاوزت سنة 2019 المليار دولار أي بزيادة قدرها 13 بالمائة مقارنة بالسنة التي سبقتها، يضاف إلى كل ذلك الاستثمارات المشتركة التي يعمل البلدان على الرفع من حجمها. وفي ذات المنحى، يبرز أيضا ما تم الاتفاق عليه بخصوص رفع قدرات الربط الكهربائي وكميات الغاز المميع المصدر نحوتونس وكذا تموين المناطق الحدودية بالغاز الجزائري. وفي سياق ذي صلة، تشير الإحصائيات الخاصة بالقطاع السياحي إلى أن الجزائريين يمثلون ثلث السياح الذين زاروا تونس سنة 2019. يذكر أن الجزائروتونس تحييان، غدا الاثنين، الذكرى 63 لأحداث ساقية سيدي يوسف التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في الثامن فبراير من سنة 1958. ففي هذا اليوم الذي تزامن مع السوق الأسبوعية، قصفت القوات الاستعمارية قرية ساقية سيدي يوسف الواقعة على الحدود التونسية بحجة ملاحقة الثوار الجزائريين، في هجوم وحشي قادته باستخدام طائرات "بي- 26" وطائرات "ميسترال" ضد مدنيين عزل، مما أسفر عن سقوط نحو مائة ضحية ما يربو عن 130 جريحا. ويجمع المؤرخون على أن هذه المجزرة التي عايشها الشعبان، الجزائريوالتونسي، شكلت تحولا جذريا في مسار الثورة الجزائرية، بكشفها لهمجية السياسة الاستعمارية لفرنسا، بعد الضجة الإعلامية التي جعلت من هذه الأحداث مادة تناولتها أكبر عناوين الصحافة الدولية. كما يؤكد هؤلاء على أن هدف قوات الاحتلال من وراء هذا الاعتداء الهمجي الذي استهدف هذه القرية الصغيرة الواقعة على الحدود الجزائرية-التونسية، كان خلق القطيعة بين الشعبين ودفع الشعب التونسي إلى التخلي عن مساندة الثورة الجزائرية، لكن ما حدث كان عكس المتوقع.