كشفت الروائية الجزائرية سارة النمس عن طبيعة روايتها "جيم" التي رشحت قبل أيام لجائزة البوكر العربية. وبنبرة "الواثقة والمتواضعة"، وصفت الكاتبة الجزائرية الشابة روايتها "جيم" ب"المجنونة والصادمة"، واعتبرت بأن ما يميزها هو "نشرها في مجتمع قد لا يتحمّل تلك الجرعة العالية من الجرأة وكذلك بشأن رواية إبليس يطلبُ المغفرة". وسارة النمس من الجيل الجديد للكتاب والروائيين الجزائريين، وتنحدر من مدينة تيارت الواقعة في الشمال الغربي من الجزائر، حاصلة على شهادة ليسانس (بكالوريوس) في اللغة الإنجليزية من جامعة فرحات عباس بولاية سطيف (شرق)، وعملت أستاذة للغة الإنجليزية. صدر لها عدة روايات آخرها "جيم" عام 2019 عن دار الآداب في لبنان، وكذا "الحب بنكهة جزائرية" عام 2012، و"الدخلاء" عام 2014، "وماء وملح – رسائل إلى أسير فلسطيني" عام 2016، بالإضافة إلى المجموعة القصصية الصادرة في 2020 بعنوان "إبليس يطلب المغفرة". وفي مقابلة مع "العين الإخبارية" كشفت الكاتبة الجزائرية سارة النمس عن سر لقبها النادر في الجزائر، وكذا شعورها بعد ترشيح روايتها "جيم" في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية من بين 15 روائياً عربياً آخرين، وكذا رؤيتها لواقع الرواية والمشهد الثقافي في بلدها الجزائر. روايتك "جيم" دخلت للمرة الأولى القائمة الطويلة لجائزة البوكر مع مواطنيك عبد اللطيف ولد عبد الله وعمارة لخوص.. كيف تنظرين إلى هذه المرحلة من مشوارك؟ بإمكانِها أن تضيف الكثير، هي مرحلة هامّة وفارقة أن تشارك رواية جيم في أهمّ جائزة عربية للرواية ليس من حيث قيمةِ الجائزة المادية بل لالتفافِ القرّاءِ والنقّادِ حولها، كلّما تعلن الجائزة قائمتها يهتمُ القرّاء بالاطلاعِ على الروايات وذلك ثقة منهم في لجان التحكيم وفي جودة العمل، أي أنّ الرواية بما أنه تم قبولها ضمن الترشيحات ومن بين روايات عربية كثيرة فهذا لا يعني سوى أنّ فيها ما هو مختلف وما يشّجع القراءة، لهذا فهي تضيف الكثير للأعمال المغمورة، هي تسلط الإضاءة عليها مثل ضوءِ مصباحٍ يدوي في غرفةٍ مظلمة. ما توقعاتك لنتائج القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية؟ ليس لديّ أي توقعات.. قد يحدث التأهل وقد يحدثُ الإقصاء، أتحدث عن نفسي أمّا عن الروائيين المتأهلين فلا يمكنني أن أكون موضوعية بما أنّني مشاركة. حدثينا عن رواية "جيم"؟ رواية جيم هي عن شاب فقير من مدينةِ وهران يعاني من الإحساسِ بالذنب ومن الخيبة الذاتية والخسارات فيقرّر السفر إلى الصحراء ليبدأ من الصفر، وفي الطريق إلى مدينة تمنراست (جنوب) يقابلُ شابّة غامضة في الحافلة يشاركها الرحلة والاعترافات دون أن يتخيّل أنّ تلك الشابة الغامضة التي جمعته بها الصدفة ستغيّر طريقة تفكيره في مواضيع تخص الحياة وتقلبُ بعد ذلك حياتَه إلى جحيم. "جيم" اسم بطلة القصة.. كيف تم استنباطه؟ في الفصل الأوّل تجيبُ البطلةُ القرّاء عن هذا السؤال وهو في الواقع حرف مشترك بين شخصين ألهماني ببعض أحداثِ هذهِ الرواية. عالجت روايتك جانباً من مأساة العشرية السوداء بالجزائر، أي تأثير لتلك المرحلة القاتمة على حياتك؟ تأثير عميق، فقد نشأتُ في بيئة غير آمنة وفي فترة زمنية قاسية عاشتها الجزائر، ولك أن تتخيّل طفلاً يكبر وهو يعايش زمن المجازر والتصفيات والحواجز الأمنية المزيّفة.. والخوف اليومي من فكرةِ أن يموتَ ذبحًا هو وعائلته، كانت فترة العنف والقلق والكوابيس ولا أحد ينجو منها نفسيًا تمامًا، لذا بما أنّها جزءٌ من ذاكرة الفردِ والبلد، لا يمكننا إهمالها وإقصاؤها من كتاباتنا خاصّة التي تدور أحداثها في زمن التسعينات. لا يمكننا أن نسرد سيرة إنسانٍ في ذلك الزمن دون أن نتطرق إلى المناخ العامّ لتلك الفترة. تميلين في كتاباتك إلى الذكريات وحتى إلى التابوهات الأقرب إلى الواقع؟ ليس الذكريات فقط، لديّ روايات أحداثُها متخيّلة والأخيرة التي لم أنشرها بعد هي بمثابة تصوّر لمستقبل الجزائر الجديدة بعد الحراك الشعبي في الجزائر. أمّا بالنسبة للتابوهات ليس لديّ أي تابوهات، أكتبُ ما يعبر مخيّلتي بأريحية وحرية. القصتان تشتركان في الهروب من الواقع والضياع.. هل هذا حال شباب اليوم؟ ليسَ تمامًا، لا يمكننا أن نعمّم، لكل إنسان حكايته. صدر لك قبل ذلك أعمال روائية وهي "الحب بنكهة جزائرية" و"ماء وملح"، ومجموعتان قصصيتان هما "الدخلاء" و"إبليس يطلب المغفرة".. حدثينا عنها. رواية الحب بنكهة جزائرية هي أوّل رواية نشرتُها وفي سنّ مُبكّرة وفي الواقع هي أقل أعمالي نضجًا باعتمادِ عامل الخبرة فيالكتابة، والدخلاء هي محاولة أولى أيضًا لكتابةِ القصص، أمّا في ماء وملح وجدتُ خطّي الخاص وهويتي السردية في الكتابة، وجدتُني أنضُج وأتطوّر وأسردُ الحدث بطريقةٍ أفضل، جيم هي الرواية المجنونة الصادمة التي تجرّأتُ على نشرِها في مجتمعٍ قد لا يتحمّل تلك الجرعة العالية من الجرأة وكذلك إبليس يطلبُ المغفرة، العملان الأخيران يعبّران أكثر عنّي وعن طريقتي في الكتابة. تركزين في كتاباتك على الجانب النفسي.. هل للأمر علاقة بشخصية سارة؟ مؤخرًا صرتُ أعتمدهُ عن غير قصد، أي لم أتعمّد ذلك ولكن ربما لأنّني بشكلٍ خاص أحبُ هذا المجال وأقرأ فيهِ كثيرًا ويجذبني في الأعمال الفنية. ذكرت في مقابلة أن "الكذب في الكتابة الروائية ليس مسألة أخلاقية بل طريقة ذكية لقول الحقيقة دون قولها كما هي".. كيف ذلك؟ لأنّ القاص والروائي لا يمكنهُ الاعتمادُ كليًا على الواقع والحقيقة.. هو ليس بصددِ التأريخ أو كتابةِ تقارير صحفية تتطلبُ الصدق والنزاهة والالتزام بالوقائع، بل الإبداع يكمن بالاستعانة بالمخيّلة إلى أبعد حد وتسخيرِها لغايةِ الإبداعِ النبيلة، أوليس من النبلِ أن نهب القارئ تجارب سردية جديدة ومختلفة يكتشفها بدلاً من الواقع الذي يعيشه يوميًا والحكايات المُكّررة التي يسمعُ عنها ويقرأها كل يوم؟ لذا التأليف والاختلاق لا يعدّ هنا كذبًا أو مسألة أخلاقية هو وسيلة لإنتاجِ عملٍ فيه إبداع. كيف دخلت عالم الكتابة؟ دخلتُ عالم الكتابة كما دخل جميعُ الكتّابِ في العالم.. من نافذةِ القراءة، كل كاتِب هو قارئ أولاً، قرأ العديد من القصص والرواياتِ المدهشة ثمّ لم يكتفِ بكونهِ قارئ ووجدَ في نفسه ومخيّلته ما يرويه فقرّر أن يكتُب ويطوّر ما يكتبه. ما قراءتك للمشهد الأدبي والثقافي بالجزائر؟ أتابع محاولات من أشخاص ومجموعات ونوادي قراءة وهذا مبهِج وسار، ما يزعجني ويؤلمني هو فقر المكتبات الجزائرية وندرة الكتب العالمية التي يتعطش القارئ الجزائري لقراءتها والذي يضطر لقراءتها الكترونية ومقرصنة في صيغة "بي دي أف". كيف تنظرين إلى واقع الرواية في الجزائر؟ هنالك عشرات التجارب والمحاولات لكتابة الرواية، بعضها جديرٌ بالمتابعة والتشجيع والاهتمام. بمن تأثرت من الروائيين؟ لم أتأثّر بأحد في الكتابة، أتأثّر بالقضايا أكثر، القضايا الإنسانية التي تدعم حقوق الناس على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأعراقهم وأحب الآداب لقلبي أدب أمريكا اللاتينية. هل نالت تجربتك في كتابة الروايات حظها من المتابعة النقدية؟ ليس كثيرًا، ولستُ وحدِي هنالك عدد هائل من الكُتّاب والروايات المنشورة والنقدُ الحالي لا يمكنه أن يغطّي كل ما يُنشَر وكثيرًا ما تُظلَم الأعمال الجيّدة التي تستحقُ الاهتمام لكنّني مؤمنة أنّ الأعمال الجيّدة في النهاية تفرض نفسها بطريقةٍ أو بأخرى وإن لم تنجح في الظهور فذلك ليست بالشيء الكبير، بالنسبةِ لي يكفيني أنّني أكتبُ. "النمس" لقب نادر جدا في الجزائر.. ما حكايته؟ هو لقبُ العائلة في مدينةِ تيارت، وهنالك من يحمله في مدنِ في الجزائر مثل وهران والعاصمة وبوسعادة، لقبي اختارني ولم أختره.