بدأت الصراعات في ليبيا تأخذ منحى آخر كان في حسبان الكثير من الخبراء، حيث أنشأت كتائب موت خاصة تابعة لكل من حركة الإخوان المسلمين و أنصار الإسلام الراديكالي وكذا الحركة الليبية المقاتلة لتنفيذ العمليات الإجرامية التي تسمح لها بالصعود الى سدة الحكم في ليبيا بعد أقل من يومين من مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي. و قالت مصادر عليمة أن حربا أهلية الليبية أو بعبارة أدق، حرب فصائل الثوار المتفرقة انطلقت عبر أهم المواقع الحساسة للدولة منها مقرات الوزارات والمطارات والموانئ و القواعد العسكرية. وخير مثال على ذلك عبد الحكيم بلحاج، حاكم طرابلس العسكري. ولهذا الشخص نفوذ كبير، ويطمح بمناصب عالية في الحكومة، ولا يخفي نفوره من التشكيلة الحالية للمجلس الوطني الانتقالي وقيادته، ومن الشركاء في الناتو بقدر أكثر. وبلحاج الشخص الأول في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، التي اعتبرتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية، وقامت المخابرات البريطانية M16 وقتها بمطاردته وألقت القبض عليه في ماليزيا، وجرى تسليمه إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومن ثم سلمته الأخيرة.. إلى العقيد القذافي. وقضى في السجن الليبي تحت التعذيب المتواصل 7 سنين. وقام باستجوابه بما في ذلك ضباط وكالة الاستخبارات المركزية وM15، ولم تتخذ أي إجراءات لإطلاق سراحه. رحل القذافي و معالم الدولة الليبية تبقى غامضة وعد القذافي بالموت في سبيل ليبيا، وفي سبيل نفطها. وهذا، كما يبدو، حدث في 20 أكتوبر.وإذا ما انتهت أي حرب أهلية أو مصائب البلدان بتصفية طغاتها أو دكتاتوريها، فمن الممكن اعتبار ليبيا حرة الآن . ولكن للآسف، أن مشاكلها قد بدأت فحسب. علما أن هذه الحرب، حسب المعايير الإفريقية، لم تستمر طويلا. فقد بدأت أولى التظاهرات السافرة ضد القذافي في 15 فيفري من هذه السنة. وللمقارنة مع حكم القذافي على مدى 42 عاما، منذ الأول من سبتمبر عام 1969، استمرت على العموم 50 يوما.وكالعديد من الطغاة، الذين يبدؤون كمحررين، اجتاز القذافي كافة الأطوار الخمس، من قائد الثورة المحبوب الجريء إلى مهرج قاس معجب بنفسه. تصفية القذافي لا تعني إرساء أسس الديمقراطية القضية حتى ليست في القذافي. فانه شخصيا لم يعد منذ فترة طويلة يحظى بأي تعاطف. ولكن ما حدث ويحدث وسيحدث في ليبيا، قد يغير الوضع في كل شمال افريقيا، وفي كل المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل ملموس. وليس غدا، ولا بعد أسبوع. في المستقبل، ولكن ليس البعيد جدا. وان تصدير الديمقراطية من خلال الناتو، ليس ما كان ينتظره العرب على الإطلاق، أو ما كانوا مستعدين له. وقد غير تدخل الناتو من الناحية الجيوسياسية، الكثير جدا. وعلى الأرجح، بالاتجاه السلبي. وقد طرحت آراء كثيرة بشأن قرار مجلس الأمن الدولي 1973 السيئ الصيت. ورضخت روسيا لاستدراجات ووعود الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا بالالتزام ببنوده، بالرغم من انه كان واضحا من البداية، انه ستتم جرجرة الأمور إلى خارج الحدود المنصوص عليها في الوثيقة . وفي واقع الأمر لا يعتبر ذلك غدرا. فان قرارات الأممالمتحدة تعد على الدوام بتفنن، بحيث من السهل إيجاد الثغرات تقود فيها التي تقود غالى الانحراف عن المجرى الأساسي. وبوسع الحقوقيين البارعين جرجرتها بمختلف الاتجاهات إلى مسافات تجعلها تختلف كثيرا عن الرئيسية. والقرار 1973 خير مثال، وخير درس. وان فيتو الصين وروسيا على القرار المماثل بدون مناطق محظورة على الطيران بصدد سورية، كان أول رد على هذا الخداع. ومع ذلك لا خير في الخلافات في مجلس الأمن الدولي لحد استخدام حق الفيتو، وهنا لا يستطيع الناتو والغرب إلقاء الذنب على نفسيهما فقط. هل ليبيا .. تكرار لسيناريو أفغانستان؟ لكن الاسوأ حتى ليس هذا. فلا توجد في الحقيقة سلطة موحدة أو إي حزب بوسعه استلام السلطة في ليبيا. وهذا أيضا غير مستحيل في البلدان التي اجتازت للتو مثل هذه الفترة التاريخية المضطربة. والخطر آخر، ويكمن في تناقضات الحرب الليبية، التي لا يعار لها الاهتمام. فمنذ ان غير الغرب موقفه من القذافي مجددا، منذ عام 2003 تقريبا، تحول الاخير من الصبي المشاكس الرئيسي الى حليف، ولم يكن لا لدى الولاياتالمتحدة ولا لدى بريطانيا ولا لدى ايطاليا وفرنسا بدرجة اقل بالطبع حليف افضل من المخابرات الليبية في الصراع مع اسامة بن لادن والقاعدة . وكان كل العمل التجسسي، وحصة الاسد من المعلومات يرد من او عبر ليبيا، والحاصل ان الغرب قصف شريكه الرئيسي في الحرب الخفية ضد الارهاب الدولي، الشر الاكبر في ايامنا. ورعت الولاياتالمتحدة وبريطانيا بنفس الشكل تقريبا في البداية، حركة طالبان في باكستان. والجميع يعرفون نتيجة ذلك. والكثير في ليبيا، للأسف، مشابه جدا. والثورات من المسائل الخطرة، التي يتعين وضع حد لها. ولا يخالف هذا الرأي الا القليلون. أنها خطرة في الشرق الأوسط بصورة مزدوجة، اذ يوجد هناك النفط والغاز وقناة السويس والنزاع العربي الإسرائيلي، وحرب العراق، وأفغانستان. ولربما ستصبح الثورة الليبية آخر عملية قلب لنظام حكم سيء بالقوة. والمشكلة تنحصر في البديل الذي سيأتي بعده.