كشفت العبارات العنصرية في حق اللاعب الفرنسي كليان إمبابي ورفاقه السود عقب إخفاق منتخب فرنسا في تخطي المنتحب الأرجنتيني في نهايات مونديال قطر 2022، عن زيف تبني القيم الإنسانية التي ظلت تعزفها الحضارة الغربية نشيدا لا تنقطع موسيقاه، حتى يظن الظّان أن العالم كله يرقص على أنغامه. فقد تعرض كذلك العديد من لاعبي المنتخب الفرنسي السود، تشواميني، وكولو مواني، وكينغسلي كومان، للإهانات العنصرية على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الهزيمة أمام الأرجنتين. وعكست الإهانات عقدة التفوق العرقي من خلال نشر رموز تعبيرية على شكل غوريلا أو قرد وعبارات مثل "الأفارقة القذرين" و"الزنوج" و"العبيد". وأعادت هذه التصرفات ما حدث لمبابي بعد ركلة الجزاء الضائعة التي أدت إلى إقصاء فرنسا أمام سويسرا في دور ال16 من يورو 2021. وثمة سؤال يثور بعنفوان دائما، وهو هل العنصرية في المجتمع الغربي لا تعدو كظاهرة فقط في الأوساط الشعبية الغوغائية، وأن لا وجود لها في إطار مؤسسي ومنهجي؟. وقد تابعنا انتقاد وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا في تغريدة لها منددة بالتعليقات العنصرية ضد لاعب فرنسا كينغسلي كومان وهو في ذات الوقت مهاجم فريق بايرن ميونخ الألماني: إن ذلك أمر مخزٍ. وأبدت الوزيرة دعمها الكامل لكومان وجميع اللاعبين الذين وقعوا ضحايا للتعليقات العنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي. هناك من يقول إنه لا يكفي اعتبار المجتمع الغربي بأنه لا يقر العنصرية بالنظر فقط إلى منظومته التشريعية والقانونية والقيمية على المستوى النظري طالما أصبح الأمر ظاهرة ولا تستطيع القوانين ردعها ولا لجمها. ففي عام 2011 تحدثت تقارير صحفية عن تخطيط الاتحاد الفرنسي لكرة القدم لتقليص عدد اللاعبين "العرب" و"السود" في صفوف المنتخبات والأندية ومراكز التكوين الفرنسية. وذكر تحقيق صحفي أن مسؤولي الاتحاد عقدوا منذ نهاية العام 2010 عدة جلسات سرية ناقشوا فيها وضع كرة القدم الفرنسية وأنهم أعربوا عن استيائهم من الحضور المكثف للاعبين العرب والسود في صفوف المنتخبات والأندية الفرنسية بل وحتى في مراكز التكوين بحيث لا تتعدى فيها نسبة العرب والسود 30 % من العدد الإجمالي. حتى أن رئيس نادي مرسيليا السابق والحامل للجنسيتين الفرنسية والسنغالية واسمه باب ضيوف، قال إن كرة القدم الفرنسية عنصرية تمارس سياسة الإقصاء. ولعل الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد شهدت تناميا للعنصرية تجاه الآخر ولا نقول تشجيعا منه فحسب، بل بممارسته شخصيا للعنصرية دون أن يرتد له طرف. فقد وصف ترامب في تصريحات منسوبة له المهاجرين القادمين من أفريقيا وهايتي بأنهم من دول "حثالة". وردت المتحدثة باسم الاتحاد الأفريقي بقولها: "نظرا للواقع التاريخي عن كيفية وصول الأمريكيين الأفارقة إلى الولاياتالمتحدة كعبيد ولكون الولاياتالمتحدة أكبر مثال على بلد بنته الهجرة، فإن خروج تعليق كهذا أمر مزعج بشكل خاص". في منتصف القرن العشرين قيل إن زمن العبودية قد ولَّى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ورغم ذلك لم يعامل القانون الأمريكيين من أصل أفريقي على قدم المساواة مع مواطنيهم البيض. فإذا رفضت امرأة سوداء التخلي عن مقعدها لرجل أبيض في حافلة عامة سيكون مصيرها الاعتقال "وفقا للقانون". بل يذكر التاريخ القريب أن ولاية كارولينا الجنوبية أعلنت انفصالها، وتبعتها 6 ولايات جنوبية أخرى، والسبب أن الولايات المنفصلة عارضت تشريعات وقوانين اعتبرتها مهددة لمصالحها الاقتصادية، إذ إنه في الولايات الجنوبية المنفصلة كانت الزراعة مصدر الدخل الأساسي لمعظم السكان البيض، وقد اعتمدوا على العبيد في زراعة مساحات واسعة من القطن. وأدى ذلك لانطلاق شرارة أنجح الحركات المدنية في التاريخ؛ والتي عرفت ب "حركة الحقوق المدنية الأمريكية"، التي استمرت لنحو 14 عاما، ونجحت في فرض تغييرات جذرية في الدستور الأمريكي. وقبل نحو 4 أعوام وبعد 130 عاما من صدور أول عدد لها أقرّت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" الأمريكية بكل بساطة بأن تغطيتها السابقة للشعوب حول العالم كانت عنصرية. وقالت رئيسة التحرير في سياق هذا الاعتراف المدوي، إن المجلة تجاهلت الأمريكيين غير البيض وأظهرت الجماعات العرقية الأخرى على أنها بربرية أو غريبة، و"روجت كل أنواع الصور النمطية". لقد تباينت الآراء بشأن ماهية العنصرية، وكثر الخلط بينها وبين أشكال مشابهة، مثل الصورة النمطية، فلا يبدو الاختلاف بينهما ظاهرا، غير أن مصطلح الصورة النمطية يشير إلى معتقدات مُعممة حول صفات أو سلوك جماعة أو أفراد، وهذا المعتقد المُعمم مثلما هو سلبي قد يكون إيجابيا في صالح مجموعات معينة في حالة حمل المنتج النمطي لدلالات إيجابية ترويجية لجماعة ما. فالصورة النمطية عن الرجل الأسود سلبية في عمومها وإيجابية إن تعلقت بالرجل الأبيض، فخطورتها في أنها يصعب التحكم فيها إلى حد ما لكونها تتكون مجتمعيًّا وتُنشط عقليًّا وتلقائيًّا. أما خطورة النهج العنصري، في الاعتقاد بأن الأعراق موزعة على هرم افتراضي؛ فالأعراق الفوقية في الهرم لها اليد العليا، والأفضلية، ولها الحق المشروع والطبيعي للسيطرة والاستغلال والهيمنة على الأعراق في أسفل الهرم. وهنا يتحول المحفز إلى سلوك وفعل حقيقي على أرض الواقع بل إن هذا الفهم تحول من حق السيطرة لواجب ومسؤولية السيطرة على الآخر ونشر تعاليم الأقوى والأعلم، ممثلة في الأفكار الإمبريالية، والاستعمارية، والشكل الحديث للهيمنة العرقية، والاقتصادية، وكل ذلك استنادا إلى عقيدة فاسدة بمشروعية السيطرة والهيمنة. الشرق القطرية