أمريكا اليوم ليست هي أمريكا الأمس، أو هذا ما تحاول إقناعنا به، والدليل أنها اعتذرت بالأمس فقط لأفارقتها السود عن أخطاء الأمس، وهو ما وافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث وافق على مشروع قانون غير ملزم بالاعتذار إلى جميع الأمريكيين من أصل إفريقي على ما سمي ب'' أخطاء العبودية''، ومن المتوقع أن يتم إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه في وقت لاحق هذا الأسبوع. والواضح أن أمريكا منذ وصول أوباما سدة الحكم، تعمل جاهدة على تبييض صورتها السوداء القاتمة التي احتلت أذهان الإنسانية جمعاء، مرة بإنهاء معاناة أحفاد الأفارقة بهذا القانون الجديد، الذي وإن وافق عليه الكونغرس فلن يضطر إلى تقديمه إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمصادقة عليه، ومرة بمخاطبة العالم الإسلامي من القاهرة بخطاب معسول ومنمق أراد من خلاله التقرب والتلطف ومحاولة إغراء المسلمين. فحبذا لو تجد فرنسا في أمريكا القدوة الحسنة، وتقتدي بها، وتسير على منوالها، فبعدما فعلتها ايطاليا التي استقبلت الأسبوع ما قبل الماضي الزعيم معمر القذافي على أراضيها، حيث قدم للإيطاليين درسا في المقاومة بتعليقه صورة المقاوم الفذ الشيخ عمر المختار على صدره قبل أن تطأ قدماه مطار ايطاليا، هاهي اليوم أمريكا تستلطف الأفارقة وتطلب العذر عما سبق، في محاولة الخروج بصورة البلد الحنون المحب لأولاده مهما اختلفت أعراقهم وألوانهم ومعتقداتهم، لتنسي بذلك أبناء القارة السوداء ممن تنقلوا إلى أمريكا منذ عقود من الزمن فصنعوا مجدها، رغم الويلات التي لحقت بهم جراء قوانين ''جيم كرو'' التي تسببت في تكريس العنصرية ضد الأميركيين الأفارقة، على المستوى المحلي في الولايات الأميركية، وكانت سارية في معظمها بالولاياتالجنوبية والحدودية، إلى حدود سبعينيات القرن التاسع عشر، وحتى ستينيات القرن الماضي، والتي حرمت الأميركيين من أصل أفريقي من حقهم في التصويت، وحق الحصول على العمل، وكذلك الدخول إلى الأماكن العامة، مثل المطاعم والفنادق والمنشآت الأخرى، بفصلهم عن الأماكن الخاصة بالبيض. فرنسا التي دمرت ورملت ويتمت وأفسدت على أرض الجزائر طيلة القرن و 32 سنة، لا تزال تتقاذف من حين لآخر فكرة الاعتذار الرسمي لشعبنا، والأجدر أن تحذو حذو نظيرتها، وإن كان هناك ثمة محاولات من الطرف الفرنسي باسترضاء الجزائر من خلال الكشف عن الشروع في عمليات التعويض المادي لضحايا التجارب النووية في جنوب صحرائنا، يبقى فقط أن تفعل فرنسا مثلما فعله الألمان لليهود، والإيطاليون لليبيين، أي الاعتذار الكامل والتعويض علناً، وأن تترجم أقوالها إلى أفعال على أرض الواقع.