المسؤولية المجتمعية راسخة الجذور في الفكر الإسلامي، ولذلك برز العمل بالوقف والعمل الخيري مبكراً، وبرزت معه الدعوة إلى العمل الجماعي، والتآخي والتعاضد والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان. أما في المجتمعات الغربية فقد برز المصطلح متأخراً وتحديداً، وبوضوح في الربع الأخير من القرن التاسع عشر حين قويت تيارات الاحتكارات الاقتصادية، واندفعت المشاريع نحو جشع اقتصادي كبير على حساب المصلحة العامة للجماهير، مما أدى إلى خلق مناخ مناسب لمثل هذا المفهوم أملاً في كبح جماح الجشعين على حساب الفقراء والبسطاء، الذين غدوا الضحية الأولى لوحشية السوق كما أطلق عليها لاحقاً روجيه جارودي. يتمحور تعريف المسؤولية المجتمعية على التزام المشروعات تجاه جماهيرها المتعددة في المجتمع بما يتعدى واجباتها التقليدية نحو المساهمين إلى مجموعات أخرى في المجتمع وهو الأمر الذي ينطبق في حالتنا على وسائل الإعلام الحديثة التي غدا تحلي صاحب الوسيلة بمثل هذه القيم مهما جداً في إيصال رسالته دون الإضرار بحرية الآخرين. فالمسؤولية المجتمعية والحرية اليوم خطّان متوازيان، وبدون استشعار المسؤولية المجتمعية قبل التفكير في الحرية الفردية، ستغدو الحياة فوضى، مما يستدعي الدخول في تفاصيل مهمة لدور وسائل الإعلام الحديثة، ودور الذباب الالكتروني، ودور بعض الدول التي تستخدم كتائب الجيش الالكتروني من أجل إحداث اختراقات بحق دول أو شركات أو أشخاص، فضلاً عن حملات تقوم بها دول وجهات ضد آخرين، ويبقى الأخطر من هذا وذاك كله، هو عمليات القرصنة التي يقوم بها البعض إن كان على مستوى دول في اختراق انتخابات ومؤسسات خدمية، والذي قد يؤدي على المدى البعيد إلى اختراقات في الجانب العسكري والخدمي مما يلحق كوارث عالمية لا يمكن التنبؤ بها فضلاً عن تطويقها إن وقعت. حين الحديث عن الإعلام الجديد، والمسؤولية المجتمعية، لا بد أن تتضافر جهود كثيرة في هذا المضمار، ولا يمكن تحميل أحد أطراف المعادلة المسؤولية، إذ من الصعب تحميل مسؤولية ما يجري من فوضى إعلامية للمرسل والذي هو صاحب المنصة، إذ إن هذا المرسل لا يعرف قيود النشر ولا يعرف ضوابطه ولا قوانينه، بل هو بالأصل جديد حتى على الوظيفة الإعلامية، وغالباً ما ينساق وراء سياسات المعاداة والموالاة، ولذا فمن الأفضل العمل على ضبط هذا كله، وعدم تحميله للطرف الأضعف، ويكون ذلك بمشاركة أطراف المعادلة كلها في إيجاد حل وتسوية للأمر، فقد يكون المحرك لبعض هذه الحسابات سياسات دول وجماعات الأمر الذي يضعنا أمام ظاهرة وحالة أكبر من معالجتها بشكل فردي وشخصي، ولذا هنا لا بد أن تتضافر القوى المعنية وذات الصلة، من برلمانية تشريعية، وإعلامية، إلى منظمات حقوقية لتتفق على ضوابط هذه الوسائل الحديثة التي غدت جزءاً أساسياً في تشكيل وتكوين حياتنا ووعينا، وحتى لو لم يتم الالتزام بمثل هذه الأطر والقوانين، من قبل البعض لكن الجمهور والعالم يعرف ويدرك تماماً أن الخارج عنها هو شاذ، ويتصرف بشكل غير مهني وغير مسؤول، وهو الأمر الذي يجعله منبوذاً مطروداً، ويجعل منصاته الإعلامية محل شكوك ونقد ورفض. تعليق الجرس يحتاج إلى مبادرة ويحتاج كذلك إلى مبادرين، وخطوة الألف ميل تبدأ بميل واحد. الشرق القطرية