للمرة الأولى تاريخيا، تبرز إلى العلن حرب كلامية بين أهم منظمتين معنيتين بالنفط .. الأولى هي وكالة الطاقة الدولية التي من المفترض أنها تهتم بالمستهلكين، والثانية هي منظمة أوبك التي تضم مجموعة من كبار منتجي النفط في العالم (13 عضوا من ضمنهم السعودية والإمارات والكويت والجزائر، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والغابون، وإيران، والعراق، وليبيا، ونيجيريا، والكونغو، وفنزويلا). الحرب الكلامية بدأت بالانتقاد الذي وجهه المدير التنفيذي لوكالة الطاقة حول إعلان دول تحالف أوبك بلس عن الخفض الطوعي للإنتاج، وحمَّل أوبك مسؤولية ارتفاع أسعار النفط نتيجة للتخفيضات، مُعتبرا أن هذه الارتفاعات ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وستقود إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي الذي يمر بحالة حرجة وضبابية. تأتي هذه التصريحات رغم أن أسعار النفط تتجه حتى وقت كتابة هذا المقال إلى تكبد خسائر للشهر السادس على التوالي، في أطول فترة خسائر منذ أكثر من 8 سنوات. ومن ثم صدر تقرير لوكالة الطاقة الدولية حول مستقبل السيارات الكهربائية، إذ أشار إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية ستواصل "نموها الكبير" هذا العام لتصل إلى ما يقارب خُمس السوق العالمية، موضحا أن التوجه الحالي نحو استخدام السيارات الكهربائية ستكون له تداعيات كبيرة على قطاع الطاقة، حيث سينخفض الطلب على النفط بخمسة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2030. وبهذه الكلمات غرد فاتح بيرول؛ المدير العام لوكالة الطاقة الدولية قائلا: "إن السيارات الكهربائية، تنمو بقوة، والمبيعات العالمية ستنمو ب 35 بالمئة هذا العام.. السيارات الكهربائية سيطرت في 2019 على 2.5 بالمئة من السيارات المبيعة عالميا.. وسينمو هذا الرقم إلى 18 بالمئة في 2023". وكالة الطاقة قالت في تقريرها إن أغلبية مبيعات السيارات الكهربائية ستكون في الصين وأميركا وأوروبا. وكالة الطاقة كانت وما تزال تدعو دائما إلى وقف الاستثمار في مشاريع الطاقة التقليدية (الأحفورية).. ففي 2021 طالبت بوقف أي استثمار في مشاريع جديدة في النفط والغاز. كما طالبت بوقف مبيعات كل السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول 2035. …رد أوبك الأمين العام لأوبك، هيثم الغيص، وفيما قد يعتبر أقوى تصريح له منذ توليه المنصب، إن لم يكن في تاريخ أوبك كله، رد على اتهامات ومطالبات وكالة الطاقة الدولية مفندا إياها وموضحا تأثيرها على الأسواق. فقد شدد الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص على أن أوبك وتحالف المنتجين المستقلين لا يستهدفان أسعار النفط على الإطلاق، وإنما يركز على أساسيات الأسواق وتمكين الاستثمارات في القطاع الذي يحتاجه العالم بشدة. وأكد الغيص، أن على وكالة الطاقة الدولية أن تعرف جيدا أن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على أسواق النفط، وأن إلقاء اللوم على أسعار النفط في ارتفاع التضخم أمر خاطئ وغير صحيح من الناحية الفنية، نظرا لوجود الكثير من العوامل الأخرى التي تقف وراء التضخم، محذرا من أن توجيه الاتهامات لتحالف أوبك+ من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية. وقال إنه يجب على وكالة الطاقة الدولية "توخي الحذر الشديد إزاء المزيد من (محاولات) تقويض" الاستثمارات في صناعة النفط، وهي الاستثمارات التي ينظر إليها باعتبارها مسألة مهمة للنمو الاقتصادي العالمي. مما لا شك فيه، أنه وفي خضم هذه التصريحات المتبادلة، لا بد لنا أن نعي أن هناك ضبابية ومخاطر تحيط بأسواق الطاقة، ومن باب الإنصاف، فإن كل التقارير والاستطلاعات التي صدرت حتى يومنا هذا لم تكشف أبدا عن تاريخ محدد لانتهاء الحاجة للنفط والغاز، بل على العكس، كل هذه التقارير تشدد على أن العالم بحاجة للطاقة التقليدية للخمسين عاما القادمة على الأقل، وتبقى عملية التحول للطاقة النظيفة بشكل كامل مستمرة وضرورية، ولكنها قد لا تحدث بالسرعة المرجوة. الأرقام الأخيرة الصادرة عن شركة الطاقة العملاقة BP، تظهر أن النفط والغاز قد شكلا نحو 55 بالمئة من الاستهلاك العالمي للطاقة في 2022، الأمر الذي يؤكد يقينا على أهميته في أمن الطاقة العالمي على المدى المنظور. وقد يكون من الجيد أخذ العبر من التاريخ، فالفحم الذي يعتبر أول مصدر للطاقة في العالم، ما يزال يستخدم وعلى نطاق واسع، بالرغم من كل مساوئه البيئية بسبب الحاجة العالمية للطاقة .. مما يعني أن الانتقال الطاقي هو عملية تحتاج فترة زمنية طويلة وطويلة جدا، ومهم أن يتم العمل بها بمنطقية وهدوء ومثابرة مع مراعاة حاجة العالم للطاقة حتى تستمر عجلة الحياة في الدوران. سكاي نيوز عربية