غادرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الجزائر، دونما إفتكاك موافقة جزائرية بالتدخل عسكريا في شمال مالي لطرد الجماعات الارهابية التي تحتل المنطقة الشاسعة، لكن ورغم ذلك تعتقد واشنطن أنها حققت هدف الزيارة، بالموافقة على تشكيل هيئة تشاور جزائرية أمريكية، بعيدا عن أعين فرنسا التي راقبت زيارة كلينتون عن كثب. أعادت أزمة شمال مالي، خط الموازنة الجزائرية حيال ثنائية واشنطن وباريس، على الوتر العسكري في قضية إحتلال شمال مالي من قبل التنظيمات الارهابية، بعد ان كانت الموازنات في أعين الأمريكيين كما الفرنسيين، تقاس بمدى البعد الاقتصادي ومصالح البلدين في الجزائر، خاصة بعدما تراجعت الاستثمارات الفرنسية في الجزائر وما تضمنه قانون المالية لسنة 2009 الذي اغتاظت له باريس، لكن هذه المرة، طرحت الموازنة من جديد، واتضح أن الجزائر اقرب من واشنطن منها إلى باريس، وهو ما ظهر جليا خلال زيارة كلينتون إلى الجزائر أول أمس. تمكنت كلينتون من هدف الزيارة، بينما لم يتمكن مسؤولين فرنسيين توالوا تباعا على الجزائر خلال الأسابيع الماضية، دونما يتمكنوا من إفتكاك موقف صريح من الجزائر، ما دفع وزير الدفاع الفرنسي إلى التهجم على الجزائر قائلا أنها لا تحمل موقفا محددا مما يجري في شمال مالي، وفي خضم ذلك، كانت باريس تراقب من بعيد حيثيات زيارة كلينتون إلى الجزائر، تراقب ما تبدل في الموقف الجزائري، بسؤال: هل تمكنت واشنطن من إقناع الجزائر بالزج بجيشها في غياهب الصحراء المالية؟، والواقع أن باريس لا تريد موافقة جزائرية بخصوص القضية، لما يأتي الضغط من أمريكا ولكنها تريد أن تفتك هي بالذات موافقة الجزائر، لضمان مسار حرب يخدمها لاحقا حتى لما تنتهي الحرب في شمال المنطقة وهو المطلوب بالنسبة لباريس التي تتوق لمشاريع اقتصادية في منطقة الشمال المالي، لتتقرب من جنوبالجزائر أكثر فأكثر. تضغط كل من فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية على الجزائر لفرض تدخلها عسكريا في مالي، لكن في الواقع أن حدة الضغط بين البلدين، تختلف، فواشنطن إختارت تخفيف الضغط مقارنة مع باريس، لحسابات معينة، وفرنسا تزيد من ضغطها لرهانات معينة أيضا. ويتناغم الموقف الجزائري مع ما اعتبره القائد السابق للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "افر يكوم" الجنرال كارتر هام، الذي صرح يرى أن حل الأزمة في شمال مالي الذي تحتله جماعات مسلحة ليس فقط عسكريا ولكن أيضا سياسي، في تأييد واضح لموقف الجزائر الرافض لمزيد من الفوضى على حدودها الجنوبية. لقد صرح قائد افريكوم وهو أمريكي بهذا الموقف. وبعد أيام قليلة رافعت واشنطن وباريس لصالح التدخل، في محاولة لحصر الجزائر بين المطرقة والسندان. هناك شواهد عديدة عن تبدل خط الجزائر من باريس إلى واشنطن، فمعلوم أن باريس أبقت باريس على قبضتها الحديدية بخصوص "القائمة السوداء"، التي صنفت فيها الجزائريين كتهديد بالنسبة لها سنة 2009، وأكثر من ذلك، تشددت في التعامل مع الملف القضائي للدبلوماسي حسني، أياما قليلة قبل توقيع الجزائر اتفاقية قضائية متشعبة البنود، مع واشنطن، وسبق "التقارب" الجزائري-الأمريكي، فتور العلاقات مع باريس، ميزه من حين لآخر تصريحات نارية من الطرفين بخصوص ملف "الذاكرة"، وقررت الجزائر الاحتجاج حيال نمط تعاطي باريس مع ماضيها في الجزائر.