أدى تخبط الحكومة في التعامل مع السوق غير الشرعية لتجارة العملة في الجزائر إلى بروز خلافات علنية غير مسبوقة بين أعضاء بارزين فيها، في وقت يرى وزير الداخلية أن نشاط تجار العملة "غير القانوني" في الساحات العمومية لا يسبب حرجا للدولة، يرى وزير المالية أن ذلك يتعارض مع القانون ويجب محاربته مثله مثل أي نشاط غير شرعي أخر. يعتقد بعض العارفين بإدارة الأمور السياسية والاقتصادية في الجزائر أن السوق الموازية لتجارة العملة في البلد لا يديرها المواطن البسيط وإنما هي تحت سلطة أشخاص أثرياء معروفين لدى السلطات من اجل استيراد بضائع أو تحويل مبالغ كبيرة من الأموال إلى الخارج تنفق على شراء عقارات ومطاعم وفنادق. وتؤكد مصادر أخرى أن هذه الأموال تحول إلى الخارج عبر الحدود الشرقية للبلاد (تونس وليبيا)، لتصل إلى دبي حيث يتم تبييضها من قبل مؤسسات مالية ثم يتم تحويلها إلى أوروبا. وزير المالية يكذب وزير الداخلية سارع وزير المالية كريم جودي، إلى محو الحرج الكبير الذي وقعت فيه الحكومة قبل أيام غداة إعلان زميله وزير الداخلية، دحو ولد قابلية، أن الدولة لا تريد السماح بوجود مكاتب صرف قانونية وان الشعب يجد ضالته في نشاط تجار العملة غير القانوني. وقال جودي على هامش رده على أسئلة أعضاء مجلس النواب بمناسبة مناقشة قانون الميزانية 2013، أن الحكومة ستحارب السوق الموازية لتجارة العملة. وان "القانون لا يسمح بوجودها". وأضاف جودي " في الاقتصاد يوجد شيء اسمه سوق، ولا يوجد سوق سوداء". وكان ولد قابلية صرح قائلا "حاولنا محاربة أسواق العملة في السابق، ومن السهل توقيف كل تجار العملة في يوم واحد لأن عددهم لا يتعدى ثلاثين أو أربعين وهم معروفون لدينا، لكن الشعب يجد ضالته في هذه المسألة ما دام أنه لا توجد مكاتب رسمية لصرف العملة، ولا أظن أن الدولة تريد أن تفتح المجال لهذا النشاط" واعتبر ولد قابلية أن التجار غير الشرعيين يمثلون في الوقت الحالي " مشكل بسيط". ولم يفهم الكثير من السياسيين والخبراء مغزى تصريحات وزير الداخلية وهناك من صنفها على أنها تعديا صارخا على صلاحيات وزير المالية فيما وصفها البعض بأنها تشجيع للجماعات التي اعتادت على تبييض الأموال رغم أن مصالح الأمن على اختلاف تشكيلاتها خاصة شرطة الحدود تسجل سنويا عشرات حالات مخالفات قواعد قانون الصرف أن كان على مستوى المطارات أو الموانئ. اتهامات للحكومة بالفشل يعترف خليل ماحي رئيس لجنة المالية والميزانية بمجلس النواب ان السوق الموازي للعملة غير شرعي ولا بد من تفعيل الإجراءات المتضمنة في قانون الصرف لعام 1995، الذي يسمح بخلق مكاتب الصرف القانونية. وكشف خليل أن منع السوق الموازي للعملة سيكون مطلبا ضمن التقرير الذي سيقدمه محافظ بنك الجزائر أمام مجلس النواب قريبا موضحا أن التبادل غير الرسمي للعملة يسهل تبييض الأموال على نطاق واسع. من جهته يقول بوعلام مراكش رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، أن عجز الدولة عن تطبيق إجراءات تأسيس مكاتب الصرف سمح بظهور نشاط مواز يتحكم فيه عدد قليل من الأشخاص يحددون سعر الصرف على الخامسة صباحا موضحا أن المتاجرة بالعملة تتم على على مستويات مختلفة الأعلى تتداول فيه قيم تفوق 100 ألف يورو والثاني ما بين 50 و100 ألف يورو والثالث اقل من 50 ألف يورو وأخر اقل من 10 ألاف يورو، ليصل في النهاية الى المستوى "الشعبي" الذي يمثله مجموعة من الشباب يتداولون أوراق معدودة من فئة 100 يورو بساحة بور سعيد بوسط العاصمة. ويقترح مراكش اعتماد مكاتب صرف لتنظيم التدفقات المالية في الجزائر وتحديد قيمة العملة المحلية (الدينار) مقارنة بالعملات الأجنبية منوها ألا يسمح ذلك بقابلية تحويل الدينار بشكل كلي لتجنب الإفراط في تحويل العملة الأجنبية الى خارج البلاد. وقدر محجوب بدة وهو دكتور في الاقتصاد، حجم السوق الموازي لتجارة العملة بين 1.2 و2 مليار يورو سنويا، وأشار إلى أن الجزائر بسبب غياب إطار منظم وفعال لتحويل الأموال تخسر نحو مليار يورو سنويا من تحويلات رعاياها الموجودين في الخارج الذين يتعاملون مباشرة مع السوق الموازي. ويرى بدة أن قرار الحكومة بمنح منحة لا تتعدى 130 يورو سنويا لكل مواطن يغادر إلى الخارج يعد عاملا مساعدا في إنعاش السوق الموازي للعملة على اعتبار أن بين 3 إلى 4 ملايين جزائري يسافرون إلى أوروبا سنويا اغلبهم يلجؤون إلى السوق الموازية لتغطية العجز في ميزانية السفر. قوانين تنتظر التطبيق اعتمدت الجزائر إجراءات تنظيمية وقانونية لتنظيم سوق الصرف والعملة لكن رغم ذلك فشلت الجزائر في اعتماد أي مكتب صرف ليس فقط بسبب غياب التحفيزات على اعتبار أن الهامش الذي الذي يستفيد منه الوسيط المعتمد لا يتعدى 1 بالمئة مقابل نحو 50 بالمئة في السوق الموازي، وإنما أيضا لغياب الجدية لدى الحكومة في التعامل مع الموضوع ربما لأهداف خفية مثلما فشلت أيضا في التصدي للتجار الذي لا يتعاملون بالشيك مفضلين "الكاش" تفاديا لدفع الضرائب وما ينجر عنه من تراجع هام في الارباح. التجار يتحدون القادم إلى الجزائر إن كان أجنبيا أو مقيما في الخارج سيجد نفسه في مواجهة مشكل عويص ويتعلق الأمر بغياب مكاتب صرافة معتمدة، إذ لن يكون باستطاعته تحويل أمواله إلا في الفندق الذي ينزل فيه طبقا للأسعار المعتمدة من طرف بنك الجزائر، وهو ما يؤدي بغالبيتهم إلى تفضيل السوق الموازي الذي يمنحهم هامش أفضل بكثير. بساحة بور سعيد المعروفة بالاسم الشهير "السكوار" بوسط العاصمة ، يقف عشرات الشبان والرجال لممارسة مهنتهم المفضلة وهي المتاجرة في العملة. تعد أيادي هؤلاء الأوراق النقدية لمختلف العملات وكأنها آلة لا تختلف كثيرا عن تلك التي يتم استخدامها في المؤسسات المالية والمصرفية، هدفهم اصطياد زبون من أصحاب السيارات الفخمة والعادية التي تتوقف بالمنطقة أو حتى من قبل الأشخاص العاديين الذين يريدون تحويل ما تيسر من الدينار الجزائري إلى اليورو او الدولار والجنيه إسترليني والعملات الأخرى.