بعد حديثها عن العنوسة في المجتمع الإسلامي عموما والسعودي بالخصوص وتطرقها للفهم الخاطئ للآيات القرآنية لتبرير زواج القاصرات، تنتقل العالمة السعودية سهيلة زين العابدين حماد في ختام هذا الحوار الذي خصت به الحياة العربية إلى الحديث عن ما يجري في الواقع الإسلامي من أحداث وظواهر كتكفير العلماء وتجريح الدعاة وكثرة الفتاوى . حاورتها: لمياء العالم كثر تداول مصطلح الإسلاميين عند الغرب و ربطوه بالإرهاب رمزا للعنف ما رأيكم؟ للأسف الشديد هناك البعض ممن ينتمون إلى جماعات إسلامية يُكفّرون من يخالفهم الرأي ويُبيحون قتله, وقد استغلت قوى معادية للمسلمين هذا الغلو والتطرّف الديني, وجنّدت البعض من أصحابه في أعمال إرهابية تخدم مصالحهم ,لزعزعة الأمن وخلخلته في بلاد المسلمين و نسبة الإرهاب إلى الإسلام والمسلمين , والإسلام, والمسلمون يتبرأون ممن يُرعبون ويُزهقون الأرواح البريئة باسم الإسلام. *انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تكفير العلماء و تجريح الدعاة و كثرة الفتاوى إلى ما يرجع ذلك؟ كما قلت لك , فهناك ممن ينتمون إلى جماعات إسلامية يُكفرون من يخالفهم الرأي, حتى لو كان من العلماء وأهل الفتوى ممن فهموا الإسلام الفهم الحق . *باعتباركم دليل في الحج ، أكيد أنكم التقيتم بعلماء الجزائر في البقاع المقدسة ما هو الانطباع الذي ترسخ لديكم؟ نشاط الدليلات في المدينةالمنورة يقتصر على الجانب النسائي, ومنذ حوالى 18 سنة انتقلتُ للإقامة خارج المدينةالمنورة. كلّفت المغالاة في الدين الجزائر عشرية من العنف و التقتيل بسب فتاوى علماء سامحهم الله للتحريض على القتل بما تنصحون المجتمعات الإسلامية لتفادي تكرار سيناريو الجزائر؟ للأسف الشديد نجد هذا السيناريو يتكرر في بعض البلاد العربية الآن, وأدعو الله أن يحمي شعوبنا وأوطاننا من هذا الغلو والتطرّف, والحل – من وجهة نظري _ يكمن في تصحيح الخطاب الإسلامي بتنقيته من الموروثات الفكرية والثقافية المتمثلة في أعراف وعادات وتقاليد جاهلية لا تمت للإسلام بصلة, بالفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة الفعلية والقولية الصحيحة , مع استبعاد جميع الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشاذة والمفردة والمقطوعة والمعلولة والمرسلة التي بُنيت عليها فتاوى وأحكام فقهية وقضائية. * تداولت وسائل الإعلام مؤخرا عن رغبة المرأة السعودية في ولاية مناصب حكومية هل تؤيدون هذا المسعى؟ و ماذا يمكن للمرأة أن تضيف للمجتمع اذا تولت منصبا مهمًا؟ أنا من أوّل من طالب بمشاركة المرأة السعودية في الحياة العامة, ومنحها كامل حقوقها السياسية في وقت كان الحديث عن الحقوق السياسية للمرأة من الخطوط الحمراء , وقد قال عنّي بعض مشايخنا وقتها " أنّي أفتح أبواب جهنّم " وكان مبعث مطالبي يعود إلى أمور ثلاثة: أولهما : هو حق منحه الخالق جل شأنه للمرأة ,وسلبه منها المخلوق, ولابد استعادة المرأة لما منحه إيّاها الخالق . فالمرأة شريكة الرجل في تحمّل أمانة الاستخلاف , وآية البيعة خص فيها الخالق جل شأنه المؤمنات في قوله تعالى : ( يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ) [ الممتحنة 12] لتؤكد على استقلالية بيعة النساء عن الرجال, ولا تصح البيعة إلّا ببيعتهن , ومن له حق أن يُبايِع ,فله الحق في أن يُبايَع. وآية الولاية تؤكد على هذا ؛ إذ يقول جل شأنه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ([ التوبة : 71] كما نجد آيتي الشورى جاءتا بصيغة العموم, ولم تستثنيا النساء من الشورى. والسنة الفعلية أكدّت على هذه الحق للمرأة من خلال مشاركة الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن في الحياة العامة ,شاركت في حصار شعب بن أبي طالب , وكان أول شهيد في الإسلام امرأة هي السيدة سمية رضي الله عنها, وأول مستشار في الإسلام كانت امرأة هي السيدة خديجة رضي الله عنها عندما استشارها الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الوحي , وهو أمر عام ولا يخص النساء ,وكذلك أخذه بمشورة أم سلمة رضي الله عنها في موقف الصحابة من صلح الحديبية ,وهو أمر عام أيضًا يخص المسلمين جميعًا ,ومع هذا نجد ممن يقرون بحق المرأة في الشورى يقصرونه على أمور النساء , وكذلك نجدهم يُصرون حصر حق المرأة في الفتوى على ما يتعلّق بشؤون النساء , مع أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تُفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهم في أمور عامة ,وكان كبار الصحابة يستفتونها, وأُخذ ربع الأحكام الفقهية منها, كما شاركت المرأة في البيعة, وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم على عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى, كما بايعته في بيعة الرضوان على القتال في سبيل الله, ولن ننسى أنّ الذي دافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد امرأة هي أم عمارة نُسيبة بنت كعب رضي الله عنها التي تلقت الضربات عنه , كما شاركت المرأة في الهجرة إلى الحبشة, وإلى المدينةالمنورة, إضافة إلى ممارستها مختلف الأعمال والمهن. ثانيهما : أنّ المرأة السعودية بلغت من العلم والفكر والمعرفة ما يؤهلها إلى تقلّد مناصب قيادية , وقد إنجازات علمية وفكرية على مستوى عالمي. ثالثهما : إنّ النظرة الذكورية الأحادية القائم عليها مجتمعنا السعودي يتناقض مع سنن الكون , فنظام الكون قائم على الزوجية (وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ), فبمشاركة المرأة السعودية في الحياة العامة وصنع القرار سيعيد للمجتمع توازنه بالنظر إلى الأمور بعينيْن اثنتيْن ,وليس بعين واحدة هي عيْن الرجل , ولن تستقيم الأمور بالنظرة الأحادية, وهذا يُفسِّر لنا صدور أنظمة وقوانين تنتقص أهلية المرأة , كما تنتقص مواطنتها بسلبها حق منحها جنسيتها لزوجها من غير جنسيتها وأولادها منه.