قبل 3 أياّم من إسدال الستار على الحملة الانتخابية لاختيار الرئيس القادم للجزائر ازدادت حدّة من الاحتقان السياسي بين معارضين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات وموالين للمرشحين يدعون من جانبهم إلى المشاركة في الاقتراع. ويقف أكثر من 21 مليون ناخب أمام حالة من التجاذب السياسي بين مختلف التيارات السياسية التي انقسمت على نفسها إلى طرفي نقيض، بين مشاركة واسعة ومقاطعة غير مسبوقة لتجديد الثقة في الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة، أو انتخاب رئيس ثامن للجزائر من المرشحين الخمسة الآخرين. وقررت مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية الوطنية في الجزائر الانضواء ضمن تنسيقية موحدة قررت مقاطعة الانتخابات، والمطالبة بتغيير النظام السياسي. وتأمل التنسيقية التي تجمع أحزابا من مختلف التوجهات (إسلامية وعلمانية)، إضافة إلى شخصيات سياسية معروفة، في أن تكون الانتخابات القادمة فرصة لعزوف الجزائريين عن إضفاء الشرعية على النظام الحالي. وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم المشاركة في التنسيقية إن دعوات المقاطعة نابعة من كون الانتخابات القادمة أصبحت نتائجها محسومة لصالح الرئيس المترشح، وأضاف أن حزبه طالب قبل الانتخابات بتوفير جملة من الشروط لإضفاء الشرعية والنزاهة على اختيار الرئيس القادم، أهمها تشكيل لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، والاطلاع على الكتلة الناخبة، إضافة إلى تشكيل حكومة حيادية للإشراف على العملية. ويستند الداعون إلى المقاطعة في تحليلاتهم إلى كون العزوف عن الانتخابات في الجزائر أمر تعوّد عليه الناخبون، إذ لم تتعد المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في ماي 2012 نسبة 42 في المئة من المسجلين في القوائم الانتخابية. ويتوقع جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد الذي انسحب من سباق الترشح، أن تكون المقاطعة في الانتخابات الجارية أوسع من سابقاتها، مشيرا إلى أن الشعب الجزائري في عمومه لم يعد يهتم لأمر الانتخابات، ناهيك عن كون الأحزاب التي دعت إلى عدم التصويت اتسعت دائرتها هي الأخرى. غير أن الفريق الذي يساند أحد المرشحين الستة للانتخابات يرى أن المقاطعة ليست الحل الذي سيجنب البلاد تبعات المرحلة القادمة، في ظل الوضع الداخلي والإقليمي الذي تعيشه الجزائر. ويعتقد عباس مخاليف، البرلماني السابق وعضو الفريق المساند للمرشح علي بن فليس، أن مقاطعة الانتخابات لن تحل التأزم السياسي الذي تعيشه الجزائر، مشيرا إلى أن العزوف عن التصويت لن يساهم في مرور البلاد إلى المرحلة القادمة التي يجب أن تتميز ببناء الدولة الديمقراطية الحقيقية. وأضاف مخاليف أن المشاركة القوية لابد أن تكون مقرونة بالسماح بالتعبير الحر للناخبين، إذا ما أريد لهذه الانتخابات أن تساهم في إخراج البلاد إلى بر الأمان. ويجتهد الموالون للمرشحين الستة منذ انطلاق الحملة الانتخابية في تجنيد الناخبين من أجل الإقبال على صناديق الاقتراع، واختيار واحد من المرشحين الستة، خصوصا الرئيس المترشح الذي ينوب عنه أكثر من ثمانية شخصيات سياسية في إدارة وتنشيط حملته الانتخابية. ويأمل هؤلاء في أن يفوز مرشحهم بنسبة محترمة من المشاركة، خوفا من حالة التوتر السياسي التي قد تعرفها البلاد بعد الانتخابات، في حال ما إذا كانت نسبة المشاركة متدنية، وهي النتائج التي ستستغلها المعارضة للضغط على سلطة قد تكون ناقصة للشرعية، كما حدث في استحقاقات سابقة. وفي هذا السياق قال القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، العياشي دعدوعة إن المشاركة الهزيلة في الانتخابات السابقة مرده إلى أن الأحزاب المعارضة لم تتمكن من تجنيد قواعدها الضعيفة أصلا بشكل كاف. وقبل أسبوع أخير من الحملة الانتخابية يبقى رهان الداعين إلى المقاطعة وكذا المعولين على المشاركة كبيرا، لإقناع الناخبين بمشروعيهما، بالنظر إلى حالة الاحتقان السياسي والصراع الكبير الذي عادة ما تعرفه مثل هذه المواعيد السياسية في الجزائر. وقال عبد الرزاق مقري في هذا الشأن إن الشعب الجزائري معروف أنه يقاطع الانتخابات في المواعيد السابقة، لأنه لا يهتم بالانتخابات. غير أن عباس مخاليف أكد أن الداعين إلى المشاركة يعملون خلال التجمعات اليومية التي ينشطها المرشحون وممثليهم، على تحسيس المواطنين ومحاولة إقناعهم بضرورة الذهاب بقوة إلى التصويت. وأشار المتحدث إلى أن العمل التحسيسي بدأ يأتي بثماره مع مرور أيام الحملة الانتخابية. وقال إن "ما لاحظناه خلال نشاطاتنا الانتخابية هو أن هناك تدفق جماهيري كبير على التجمعات، ما يجعلنا نأمل في أن المشاركة ستكون محترمة". وقال العياشي دعدوعة من جانبه إن الداعين إلى المقاطعة "مجرد ظاهرة صوتية لا أثر لها ولا تأثير"، مضيفا أن دعوة المقاطعة فكرة غير صائبة، فإذا قاطع الشعب الجزائري، حسب رأيه "سنجد أنفسنا يوم 19 أفريل بدون رئيس، وإذا وصلنا إلى هذا الوضع فماذا سيكون الحل؟". وبين الدعوتين إلى المقاطعة والمشاركة، يبقى التساؤل مطروحا ليس فقط حول مدى إقبال الناخبين على التصويت، ولكن أيضا حول درجة المصداقية التي سيتمتع بها الرئيس القادم في حال تم انتخابه بنسبة مشاركة متدنية.