تجربة جديدة يقودها الدكتور محمد أرزقي فراد في كتاباته، فبعد أن كان يقدم دراسات نقدية يحاول من خلالها تبديد نقاط الظل في تاريخ الجزائر، ينتقل هذه المرة وتحديدا في كتابه الأخير "إضاءات في تاريخ الجزائر معالم وأعلام" إلى تقديم قراءات لبعض معالم تاريخ الجزائر. هذا الكتاب في الأصل هو مختارات من المقالات والأبحاث التاريخية التي كتبها الدكتور فراد في مناسبات مختلفة، بعضها منشور في الصحافة الوطنية والبعض الأخر ظل مخطوطا، واعتبارا لأهميتها العلمية، ارتئ الكاتب جمعها ونشرها في هذا الكتاب، وهذا من باب تعميم الفائدة العلمية من جهة ومن جهة أخرى لإثراء صرح المكتبة الجزائرية بلبنة جديدة، وقد حاول فراد من خلال كتابه تقديم وجهة نظر خاصة، حول بعض المحطات الهامة في تاريخنا السياسي والثقافي، كالفتح الإسلامي الذي تمّ على يد عقبة بن نافع، وقد دعا فيه إلى ضرورة تخليص تلك الفترة التاريخية من المقاربة العدائية بين عقبة بن نافع، وبين الملك الأمازيغي "كسيلة" الذي لم يحارب الإسلام كما يتصوّر البعض، بل دافع عن حرية وكرامة شعبه الأمازيغي، لكنه سرعان ما اعتنق هذا الدين الجديد، بعد أن أقنعه فاتح الجزائر أبو المهاجر دينار، بان الإسلام قد أرسله الله رحمة لعباده أجمعين. كما تضمن الكتاب مقالات حول منطقة "زواوة"، تؤكد في مجملها بالحجة العلمية أن منطقة زواوة لم تكن في ماضيها الطويل جزيرة معادية للمحيط الوطني، بل كانت لها علاقات وطيدة مع جهات الوطن المختلفة بفعل الهجرة إما طلبا للرزق أو طلبا للعلم أو لنشره. و في مقالات أخرى تحدث فراد عن بداية ظهور معالم المقاومة الفكرية، التي كانت في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، على أيدي عدد من المثقفين، منهم أمحمد بن رحال، وفي مقالات أخرى تناول فراد النضال الفكري الذي قادته الحركة الإصلاحية والاجتماعية بقيادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي شكل رافدا لجهود الحركة الوطنية السياسية التحررية. أشار المؤلف أيضا إلى بعض الأعلام الجزائر الذين خدموا وطنهم بالسلاح والقلم، على غرار الحاج محمد زعموم الذي تزعم المقاومة الشعبية في متيجة عقب الاحتلال الفرنسي، والمثقف محمد بالرحال الذي وظف قلمه لخدمة وطنه وشعبه في وقت مبكر، إلى جانب علي الحمامي ذلك السياسي المحنك الذي لم يكتف بالدفاع عن وطنه فقط، يل تبنى قضية الوحدة المغاربية والقضية العربية قاطبة في النصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى أسماء أخرى تركت بصمتها في النضال الفكري، كمحمد الصالح رمضان، ومحمد محفوظي، مصطفى الأشرف، دون أن ينسى دور المؤرخين الجزائريين الذين احيوا تاريخ الأمة، كالشيخ عبد الرحمان الجيلالي، واختتم المؤلف كتابه بتقديم قراءة نقدية لكتاب الدكتور سعيد سعدي الذي خصصه لشخصية الشهيد العقيد عميروش. عودنا الدكتور محمد رزقي فراد على تقديم كتابة تاريخية ذات مسحة نقدية، تحاول تبديد نقاط الظل في تاريخنا والغوص في ماضينا والحفر في تراكماته بأدوات معرفية وموضوعية، لكن في كتابه الأخير "إضاءات في تاريخ الجزائر معالم وأعلام" خرج عن عادته وقدما لنا قراءات لبعض معالم تاريخنا. كتاب "إضاءات في تاريخ الجزائر معالم وأعلام" والذي جاء في 280 صفحة، خصص الدكتور فراد بحثا لعقبة بن نافع فاتح الجزائر، محاولا إزالة التشنج القائم بين تاريخ هذه الشخصية وشخصية كسيلة الملك الأمازيغي، وخصص مجموعة من المقالات لمنطقة زواوة، تؤكد في مجملها قوة تلاحم هذه المنطقة مع باقي مناطق الجزائر، والعالم العربي طيلة العصور الغابرة، كما تحدث المؤلف أيضا عن المجتمع المزابي المعروف بتماسكه ثقافيا واجتماعيا، وعده تجربة اجتماعية جديرة بالأنصاف والتعميم على باقي الوطن.