يحاول الدكتور أرزقي فراد في كتابه الجديد الصادر عن دار الأمة، و الذي يحمل عنوان "صرخة في وجه الاستبداد" جمع مقالاته السياسية التنويرية ، التي سبق و أن نشرها المؤلف على امتداد سنوات عديدة في منابر إعلامية مختلفة، و التي يسعى من خلالها بناء الثقافة السياسية في الجزائر بمقومات صحيحة. لعل ما يميز هذه المقالات الذي تضمنتها دفتي الكتاب، أنها مقالات جادة و واعدة تهدف إلى أخلقة السياسية و تثقيفها و هذا ما يبرز وفاء الكاتب لبيان أول نوفمبر 1954، الذي نصّ على وجوب بناء جمهورية ديمقراطية عادلة في إطار المبادئ الإسلامية. و قد وظف الكاتب في مؤلفه الذي جاء في 250 صفحة، تجربته التربوية، و كفاءته العلمية في نشاطه السياسي، و يتجلى ذلك في المحاور السياسية الكبرى التي عالجها في مقالاته، و التي تركزت في مجملها حول الديمقراطية التي يراها ثقافة تحصّن المجتمع، قبل أن تكون طبقة سياسية تسير الشأن العام، و حول إشكالية الاستبداد التي مازالت جاثمة على العالم العربي، و ما يزيد من أهمية هذه المقالات التنويرية أنها مدعمة بالفكر السياسي بأبعاده الوطنية و العربية و الإنسانية، الأمر الذي جعله يتجاوز الإيديولوجية الضيقة، و قد كتب الدكتور ناصر جابي في تقديمه للكتاب أن الدكتور محمد فراد أكد من خلال مقالاته على أن الطرح السياسي و الثقافي الذي يدخل الأمازيغية في صراع أزلي مع العروبة و الإسلام في الجزائر و السائد لدى جزء من النخبة السياسية و الفكرية، تربت في مرحلة الإقصاء التي يتحمل جزء كبيرا منها النظام السياسي الجزائري و نخبه، و يعيد إنتاج الانقسامية الثقافية و اللغوية بكل تداعياتها السياسية الممكنة، مشيرا إلى أن ما جاء به الكاتب هي مساهمات نحو اتجاه يبني الوحدة الوطنية على أكثر من صعيد فكري و سياسي، و هو يدافع عن الثقافة و اللغة الأمازيغية بالذات، باعتبارهما مكونين أساسيين للثقافة الوطنية و الجزائرية. و نحن نقرأ ما استوقفنا فيه مقال يحمل عنوان " واقعنا بين الإيديولوجية و المعرفة السياسية"، و فيه تحدث الكاتب على الأمور التي ساهمت في إبقاء الجزائر رغم ما تكتنزه من ثروات طبيعة في مستنقع التخلف و الفتن، و قال من الأمور التي ساعدت على ذلك غياب فكر سياسي يحمل رؤى واضحة المعالم لبناء دولة حديثة، تنصل الأحزاب من مهامها في تفعيل الديمقراطية، هذا إلى جانب تعمد أصحاب القرار يضيف المتحدث في وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب في جميع المجالات التنموية بما فيها السياسة التي فتحت المجال للانتهازيين للإقتداء مناصب الحكم و هذا ما أفقد مصداقية السياسة لدى المواطن الجزائري.كما يوجه الكاتب في هذه المقال أصابع الاتهام للمثقفين و الكتاب الذين عجزوا عن إنتاج أفكار سياسية تعطي دفعا للنضال الديمقراطي، و نفسا جديدا للطبقة السياسية كما حدث في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، و الذي ظهر فيه مفكرين أمثال مونتسيكو و جان جاك روسو، الذي أضاف حسب المتحدث لبنة إلى المعرفة السياسية بكتابه "العقد الاجتماعي" الذي تناول فيه معنى المواطنة و السيادة الشعبية. ففي هذا المقال خلص فيه الدكتور فراد إن توا طاء الأطراف الثلاثة و يقصد بهما السلطة الحاكمة و الطبقة السياسية و المثقفون على عرقلة الديمقراطية في الجزائر. ليس بعيدا عما ورد في المقال السابق نجد مقال أخر بعنوان "الاستبداد هوّيتنا"، و هو المقال الذي حاول من خلاله الدكتور فراد آن يشرح واقع العالم العربي و الإسلامي و معاناته مع الأنظمة الاستبدادية التي تجعل السلطة تصادر الدولة، و تمارس القهر على المواطنين، و ما زاد في معاناة المواطن العربي هو مسالة توريث الحكم و لو كان في إطار نظام جمهوري و خلق ما يعرف ب"الجمهورية الوراثية"، و التي سيكون وصمة عار في تاريخ الأمة العربية، فراد أرزقي لم يتوقف عند الأنظمة فحسب بل تطرق إلى الحل الذي يحقق الديمقراطية للأجيال القادمة و التي حسبه لا تأتي إلا بنضال متواصل و الذي يقضي بتعبئة الجهود الفكرية و السياسية و الاجتماعية، و بهذا ستتحول أفكار المفكرين إلى برامج سياسية ، و إلى مطالب للحركات الاجتماعية و إلى ممارسة اجتماعية ، حيث يرى إن التزاوج بين الفكر و العمل يمكن من تحريك الأحداث نحو الرقي و نحو المواطنة.