حيث تسعى باريس للتستر على جرائمها من خلال احتفاظها بالأرشيف الجزائري، والتهرب من مسؤولياتها في مخلفات الاستعمار، بل تمادت لدرجة أنها سنت قانونا يمجد تاريخها الاستعماري، المصنوع بالمجازر والإبادة الجماعية للشعب الجزائري، وما مجزرة 8 ماي إلا عينة عن ماضي فرنسا التي تتغنى اليوم بحقوق الإنسان وكرامته. وإحياء للمناسبة، يعتبر من عايشوا الحدث أن مجازر الثامن ماي التي عاشتها مدن سطيف وخراطة وقالمة ومناطق أخرى، كانت بمثابة بيان ميلاد الثورة التحريرية، وكرست بداية النهاية بالنسبة للاحتلال الفرنسي بالجزائر. وأشار المشاركون في هذه الندوة، التي نظمت بمناسبة إحياء الذكرى 65 لتلك الأحداث الدامية، أن هذه الأخيرة كانت بالفعل "جرائم ضد الإنسانية"، ومثلت "منعرجا حاسما في تفجير ثورة أول نوفمبر". وفي هذا الصدد، أشار المجاهد عمار بن تومي، أحد الوجوه البارزة في الحركة الوطنية، إلى أن أحداث 8 ماي 1945 كانت محطة هامة لتوحيد صفوف تنظيمات الحركة الوطنية، والتحضير للعمل المسلح لافتاك الاستقلال، مشيرا إلى أنها كانت "المحرك الرئيسي والأساسي لاندلاع الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954، والتي توجت بالاستقلال الوطني في 5 جويلية 1962". وذكر المتدخل عند تقديمه شهادات حية بكل الأعمال القمعية التي ارتكبها الاستعمار في الجزائر منذ 1830، وذلك بتقتيل المواطنين وتشريدهم وتفقيرهم بتجريدهم من ممتلكاتهم. كما تطرق المحاضر في هذا الإطار إلى كل المقاومات الشعبية التي خاضها الشعب الجزائري، وكذا بدور الحركة الوطنية التي ساهمت بجدية في اندلاع الثورة التحريرية. ولدى استعراضه لأحداث 8 ماي 1945، أكد بن تومي أن المظاهرات التي نظمتها الحركة الوطنية في العديد من مناطق الجزائر، خاصة بمناطق قالمةوسطيف وخراطة، كانت سلمية، هدفها الاحتفال بنصر الحلفاء ضد النازية، والمطالبة أيضا بالاستقلال الوطني، والإفراج عن زعماء ومسيري الحركة الوطنية الذين كانوا في سجون الاستعمار. غير أن الاستعمار، كما قال، واجه هذه المظاهرات بعنف، مما أسفر عن أزيد من 45 ألف شهيد و10 آلاف سجين، والحكم بالإعدام على الكثير من المتظاهرين. ويرى الساسة المؤرخون، أن تجريم الاستعمار من خلال إصدار قانون يجرم رسميا ما اقترفه المستعمر، والمطالبة باعتذار رسمي، مطلب شعبي لا مفر منه.