= أوّلا نشكرك شيخ على قبولك استضافتنا في بيتك للرد على أسئلتنا؟ == لا شكر على واجب، مضت مدة طويلة لم أتحدث فيها إلى الصحافة المحلية، وها أنا أقرّر هذه المرة أن أتحدث معكم لأجيب عن تساؤلاتكم واستفساراتكم. = في البداية نفضّل أن نتطرق إلى لقاء الجزائر - المغرب الذي عرف كما تعلم فوز "الخضر"، فهل من تحليل فني لهذه المباراة وأنت الذي كنت بالأمس القريب مدربا لهم؟ == صدقوني لا أريد الخوض كثيرا في الحديث عن الجانب الفني والتكتيكي لأني أفضل التحفظ من جهة، كما أني أرفض أن أفعل ما فعله مدربون آخرون، أخاف أن تُفهم تصريحاتي خطأ، كما أخاف أن أنتقد زملائي المدربين وأن يفسّر تحليلي للقاء بمثابة انتقاد لهم شخصيا. أنا مدرب وأرفض أن أنتقد أو أن أعطي وجهة نظري من الناحية التكتيكية، لكن العديد من الدخلاء تجدهم يتفلسفون ويعطون رأيهم في مواضيع لا علاقة لهم بها ولا يفقهون فيها شيئا، كما أني لست منافقا حتى أبتعد عن محيط المنتخب وأبقى أتحدث عنه عبر صفحات الجرائد، أو أبقى أنتقد عمل المدرب. انسحبت من العارضة الفنية نهائيا بعد لقاء تانزانيا، ومنذ ذلك الحين أرفض الخوض في التفاصيل حتى لا أمس المنتخب بسوء، أو حتى لا تفهم تصريحاتي خطأ، لكن في مرة في المرات تدخلت رغم ابتعادي عن محيط المنتخب وأدليت بتصريحات ساخنة بعض الشيء لأن غيرتي على ألوان المنتخب أجبرتني على ذلك. = متى كان ذلك؟ == كان ذلك في لقاء غينيا الذي خسرناه في ملعب 5 جويلية بثنائية مقابل صفر، وأقصينا بعدها من الوصول إلى نهائيات كأس إفريقيا رغم أننا كنا أكبر مرشح للتأهل، أتذكر يومها أني قلت من الخطأ التحضير في برشلونة ضدّ الأرجنتين على أرضية ميدان رائعة، والمجيء بعدها للجزائر من أجل خوض مباراة حاسمة على ميدان كان شبيها ب"حوش بطاطا" إن صحّ التعبير. = حينها القلب هو الذي تحدث، أليس كذلك؟ == بطبيعة الحال، كنا قاب قوسين أو أدنى من التأهل إلى كأس إفريقيا، فإذا بنا نضيع ورقة التأهل في عقر دارنا بسبب التحضير في برشلونة واللعب في ملعب لم يكن صالحا لاحتضان مباراة بتلك الأهمية. وحتى إن لم نعر لعامل الملعب أهمية، كيف لنا أن نخسر مباراة هامة بتلك الطريقة وفي عقر دارنا وأمام عشرات الآلاف من أنصارنا، من المستحيل أن ننهزم يومها، هذا ما قلته. وما عدا تلك المباراة لم أقحم نفسي في التعليق على أي مباراة، والأمر بالنسبة إليّ قضية مبدأ، ومع ذلك أفضل عن أعود معكم ولو سطحيا إلى لقاء المغرب والجزائر. =تفضّل... == أعتقد أن ضغطا رهيبا فرض على المنتخب قبيل خوض هذه المباراة، وهذا ما شعرنا به خلال المباراة، والأمر أثر سلبا في طريقة اللعب ونوعيتها، حيث لم نحضر إلى نسوج وعروض كروية طيلة التسعين دقيقة، ولم نر الكرة تمر على كافة اللاعبين من مرمانا إلى مرمى المنافس، كما لم نستحوذ عليها كثيرا أيضا. = (نقاطعه)... ما السبب في رأيك؟ == السبب واضح، منتخبنا تربص في عنابة أسبوعا كاملا، ورأيتم ربما الجماهير القياسية التي كانت في إنتظار اللاعبين في المطار، كما أن جماهير قياسية كانت تتنقل خلف حافلة الفريق في الطريق، الكل هناك كان ينتظر المنتخب الوطني، الشعب معذور لأنه يحب منتخبه، يحب أن يُقبّل اللاعبين، يحب أن يقترب منهم دوما، يحب أن يلتقط صورا للذكرى معهم، لكن ذلك الأمر فرض على اللاعبين ضغطا رهيبا، لذلك أرى أنه من الخطأ أن نحضر لتلك المباراة الهامة في أرض الوطن، ولحسن الحظ أن المنتخب أنقذ الموقف في نهاية المطاف وعرف كيف يخرج غانما بالنقاط الثلاث بفضل إرادة، حرارة وشجاعة اللاعبين الذين لعبوا بالقلب طيلة التسعين دقيقة وهذا ما عوّدونا عليه من قبل، وهذه هي صفات اللاعب الجزائري في الأوقات الحرجة. لقد قلتها من قبل وأكررها: الجزائر عندما يتحلى لاعبوها بالقلب والحرارة تكون قادرة على هزم أي منتخب مهما كان، وهذا ما فعلته الأسبوع الفارط أمام المنتخب المغربي رغم الضغط والصعوبات التي واجهتها. وعلى ذكر الضغط، أؤكد مرة أخرى أن ذلك الضغط الشديد الذي كان مفروضا على لاعبينا هو ما حرمهم من تقديم كرتهم المعتادة. = لو كان القرار بيديك، هل كنت ستبرمج التربص خارج الوطن مثلما تعوّدت سابقا؟ == بطبيعة الحال في أرض الوطن، لقد أوضحت لك الصورة منذ قليل، تعوّدنا في السابق على التربص خارج الوطن لإبعاد اللاعبين عن كل الضغوط، وكنا ندخل أرض الوطن 48 ساعة فقط قبل المباراة التي تكون في انتظارنا، وهي أمور تعلّمناها بفضل الخبرة طبعا، وأنا متأكد أن بن شيخة سيحفظ الآن الدرس جيدا تحسبا للمستقبل، وقد يبرمج تربصاته للمباريات الهامة خارج الوطن بعيدا عن الضغط، وهنا أوضح أني لا أقول إن دور الأنصار سلبي، لا بالعكس دورهم إيجابي يوم المباريات، لكن قبيل الأيام التي تسبق اللقاءات هم يتصرفون بعفوية ولا يدركون أن اقترابهم في كل مرة من محيط اللاعبين من شأنه أن ينعكس على تحضيرهم النفسي سلبا. على كل حال لن أفرض رأيي على المدرب، فكل وطريقته، أعطيت وجهة نظري فقط. = هل لنا أن نعرف ردك في حال طلب منك بن شيخة يوما ما نصيحة أو مساعدة؟ == بطبيعة الحال أسديه النصائح، ولعلمك أن المكان الذي تجلس فيه الآن وفي هذه اللحظة جلس فيه قبلك مدربون كبار، لجأوا إليّ وطلبوا النصائح اللازمة، وأسديها لهم دون أن أبخل على أي واحد منهم بما طلبه، هذا فضلا عن عملي وهو تكوين المدربين في المعهد العالي لتكنولوجيا الرياضة، أنا وخباطو وعمارة وغيرنا، كنت أقول للمدربين بصريح العبارة: "يا بني ها هي النصائح التي أمنحها لك، والكرة الآن في مرماك لتوظيفها على أرض الواقع الذي ستعيشه فوق الميدان، لأن الواقع يختلف من فريق لآخر". = كن صريحا معنا "شيخ" في هذه النقطة، هل سنتأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا المقبلة؟ == من الصعب جدا أن أصدر حكمي في هذا الشأن، وسأفسّر لك لماذا. = تفضّل... == سنخوض مباراة صعبة وهامة مع نهاية الموسم، وخارج ديارنا أمام منافس على ورقة التأهل إلى "الكان"، ولو أني واثق أن الجزائر ستخوض مباراة أكبر بكثير من تلك التي لعبتها هنا في عنابة، لأننا وبكل صراحة نلعب جيدا خارج الديار، نطبق كرة حديثة، كرتنا الحقيقية التي عرفت بها الجزائر، ثم إن الضغط سيكون شديدا على المنتخب المغربي هذه المرة وليس على الجزائر، هذه النقطة الأولى. أمّا النقطة الثانية التي تجعلني أقرّ بصعوبة الحكم على تأهل الجزائر من عدمه في الوقت الحالي، هو أننا سنخوض مباراة ثانية خارج الديار أمام منتخب تانزانيا وفي وسط شهر رمضان المعظم، وهي فترة تتزامن مجددا وبداية الموسم. =مثلما كان عليه الحال في لقاء الذهاب عندما كنت مدربا حين واجهنا هذا المنتخب مع بداية الموسم... == لا، يومها كان الأمر أكثر صعوبة، لأن اللاعبين ومباشرة بعدما أنهوا موسمهم دخلوا مباشرة في منافسة كأس العالم، وبعدها استفادوا من راحة قصيرة للغاية وعادوا مجددا ليخوضوا مباراة ودية، ثم دخلوا في راحة مدتها شهر كامل، وحينما التقينا للتحضير للقاء تانزانيا فوجدتهم دون تحضير وحتى اللاعبون قالوا لي يومها: "شيخ لم نقم بأي تحضير أو تدريب في العطلة"، وكانوا حينها في حاجة إلى إعادة تحضيرهم من الصفر، وهو ما لم يكن يسمح به الوقت القصير الذي استفدنا منه، ومع ذلك كنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الفوز بالنظر إلى الفرص العديدة التي أتيحت لنا وضيّعناها، وهنا أتوقف لأسرد لكم ما قلته خلال إحدى مؤتمرات "الفيفا". = ماذا؟ == قلت لهم غنه خطأ مهني فادح أن تخوض مباراة ودية بعد نهائيات كأس العالم، إذ كان من المفترض أن يستفيد اللاعبون والمنتخبات من راحة طويلة حتى يشرعوا في التحضير للموسم الجديد في ظروف مريحة، وبعدها أعطوني الحق، والسؤال نفسه طرحه مدربون أوروبيون بعد ذلك، حيث قالوا: "كيف لنا أن نخرج من نهائيات كأس العالم دون الإستفادة من الراحة، كيف لنا أن نجد أنفسنا مجبرين على خوض مباريات ودية لا أهمية لها؟". وفي تلك الفترة أنتم تذكرون ما الذي حدث أمام الغابون، لقد فازوا علينا بسهولة وطريقة عادية ومنطقية، لأننا كنا منهكين، وهم كانوا محضرين جيدا. = ولهذا السبب أيضا خسرنا نقطتين ثمينتين أمام تانزانيا... == برمجة "الفيفا" لم تكن جيدة، وأؤكد لك أننا لو واجهناهم في هذه الفترة مثلا، أي في وسط الموسم، لكنا قد أثقلنا كاهلهم بنتيجة عريضة، بدنيا فقط "نرحيوهم" فما بالك تكتيكيا وفنيا.. للأسف واجهناهم مع مطلع الموسم بعد الخروج من كأس العالم، ففرض علينا تعادل لم يكن منطقيا بما أننا ضيعنا عددا كبيرا من الفرص. = بعد "المونديال" أشرفت على مباراتين، واحدة ودية أمام الغابون وأخرى رسمية أمام تانزانيا، ولو نعد بك إلى الوراء، هل كنت ستنسحب دون رجعة؟ == كان من المفترض والمبرمج أن أغادر وأستقيل مباشرة بعد نهائيات كأس العالم، لأن عقدي انتهى ولا أحد اقترح عليّ التجديد، "الفاف" لم تقترح عليّ تجديد عقدي المنتهي، فكان لا بدّ عليّ أن "أعرف قدري" كما يقال بالإنسحاب، وهناك نقطة هامة دفعتني إلى ذلك وهي أن عائلتي كانت ضدّ بقائي على رأس "الخضر". منتخبنا الوطني "كبر" والضغط كبر معه واشتد، وكان لا بدّ من الرحيل بعدما انتهى عقدي. بعدها طلب مني المسؤولون أن أبقى لمصلحة المنتخب في إطار الاستمرارية في العمل الذي شرعنا فيه سويا، فضلا عن أن الوقت كان ضيقا ولم يكن يسمح بإيجاد مدرب يخلفني بتلك السرعة، لا سيما أن نهائيات كأس العالم انتهت في جويلية ومنتخبنا مقبل على خوض لقاء ودي مع الغابون في أوت، فمن هو المدرب الذي كان سيقبل بخلافتي في تلك الفترة. = متى طلب منك أن تواصل المهمة، خلال نهائيات كأس العالم أم بعد نهايتها؟ == لا يهم الوقت بالضبط، وما يهم أني وافقت على مواصلة المهمة. أنا ابن الجزائر ولا يمكنني أن أرفض طلبها، كنت على رأس منتخب يمثل بلدا بأكمله، منصبي حساس للغاية وهو المسؤول الأول على العارضة الفنية للمنتخب ولم يكن بوسعي الرفض، رغم أني في قرارة نفسي وفي ذهني كنت قد قررت التوقف. نفسيا لم أكن مستعدا للمواصلة، عائلتي رفضت ذلك هي الأخرى، قالوا لي (مسؤولو الكرة في بلادنا) الوضع حساس، البلاد في حاجة لك، فقبلت مواصلة المهمة قبل أن أنسحب عقب لقاء تانزانيا. = هل أثرت فيك يومها الشتائم التي كنت عرضة لها، وهل شعرت أنك تعرضت إلى نوع من الإهانة وأنت الذي قدمت للجزائر الكثير والكثير؟ == صدقني لا ولن ألوم الجمهور الجزائري رغم أني تعرضت للشتم من طرف الأنصار في تلك المباراة، بل أنا ممتعض من الأشخاص الذين وقفوا وراء ما حدث لي وعملوا كل ما في وسعهم ليصلوا إلى المساس بشخصية رابح سعدان ويدفعوني إلى الرحيل من المنتخب، كان هناك نوع من التحريض من طرف هذه الأطراف لأدفع إلى الرحيل، مع أني كنت قد رحلت عقب نهاية المونديال، أنا مدرب يعرف قدره، لم أسع يوما إلى فرض نفسي حتى أكون مدربا ل"الخضر"، وقلتها يوما للاعبين: "المنتخب ليس ملكا لي ولا لكم، بل هو ملك لكل الشعب الجزائري". = وهل حضّرت اللاعبين نفسيا لرحيلك؟ == شرعت في ذلك منذ فترة، لكنهم كانوا في كل مرة يطلبون مني أن أواصل ويطلبون من رئيس "الفاف" أن يمنعني من الإستقالة، وحتى بعد نهاية كأس العالم حاصروني في المطار وطلبوا مني البقاء، لقد كنتم معنا هناك، طلبوا من المسؤولين أيضا أن يقنعوني بالتراجع عن قرار الإستقالة، لكني كنت قد قررت الرحيل دون أن أعلنها لهم صراحة، ألمحت لهم دون الإعلان عنها، في تلك الفترة فقدت نكهة العمل، فقدت الرغبة في المواصلة، وكان لا بد من الرحيل. = قلت لنا أكثر من مرة أن "النية" صارت منعدمة في المنتخب لذلك فضّلت أن تنسحب، ما الذي قصدت بذلك؟ == لم أقصد شيئا معيّنا، كل ما في الأمر أن منتخبنا بالأمس القريب فقط كان منتخبا صغيرا لا يسجل نتائج جيدة، لا يسجل حضوره في المحافل الدولية، لكنه بعد ذلك تطور وكبر وصار الجميع يتمنى أن يكون معه داخل المجموعة، الكل صار يقحم نفسه في أمور فنية للمطالبة بالتغييرات، الجميع صار ينتقد عمل المدرب... منتخبنا كبر والضغط اشتد معه مع مرور الوقت. = هل هناك من أقحم نفسه في الخيارات التكتيكية أو اختيار اللاعبين، وهل هناك من فرض عليك الأوامر مثلا؟ == لم ولن أسمح لأي أحد بذلك، صحيح أنك تجدني أتبادل وجهات النظر فقط مع البعض، لكن ما عدا طاقم الفني لا أحد أستشيره في خياراتي. ففي التربصات مثلا أجرب اللاعبين في مراكز مختلفة، لكن لا أحد بإمكانه أن يفرض عليّ رأيه أو منطقه، وأذكر على سبيل المثال الإكتشاف قادير، هل فرضه عليّ أي شخص؟ لا، هل جلبه لي أي شخص؟ لا، هل وجهني أي فرد وقال لي هذا قادير لاعب جيد فأعطه الفرصة؟ لا، القرار اتخذته بنفسي وفق معايير منطقية، فضلا عن أن الميدان هو الفاصل بين اللاعبين، وقادير نجح في إقناعي فمنحته الفرصة للمشاركة في المونديال وأنتم تعلمون ما قدمه هذا اللاعب الذي أتمنى له الشفاء بالمناسبة. = منذ البداية كنت تعلم أن قادير سينجح على الرواق الأيمن؟ == لا في البداية وقع اختياري على ڤديورة الذي لعب على الجهة اليمنى في لقاء إيرلندا، بعدها أجريت تغييرات، وقمت بتجريب قادير فأقنعني. = هل أنت في اتصال مع اللاعبين الآن أم لا؟ == صراحة لا، لأنهم غيّروا مثلي أرقام هواتفهم النقالة، ولو أني أعترف أننا حتى من قبل لم نكن نتواصل على الدوام لأن مساعدي جلول زهير هو من كان في اتصال دائم بهم. لا أنكر أن هناك احترام متبادل بيننا، لكني لم أكن أتصل بهم كثيرا سوى في الحالات الضرورية. = نحن نعترف "شيخ" أنك من اكتشفت قادير، وأنت من فرضه وسمح له بالتألق بعدها، فهل أنت أيضا من أبعد منصوري واتخذت قرار تنحيته من التعداد الأساسي قبل نهائيات كاس العالم رغم أنه كان قائدا للمنتخب لسنوات عديدة؟ == بطبيعة أنا من قرّر تنحيته من التعداد الأساسي، وأنا مقتنع بقراري الذي لن أندم عليه ما حييت، وما دمت قد تطرقت للحديث عن منصوري سأشرح لك الأسباب الحقيقية التي دفعتني إلى إبعاده عن التشكيلة الأساسية. = تفضل "شيخ"... == بعد نهائيات كأس إفريقيا عاد منصوري إلى فرنسا ليخوض مع فريقه "لوريون" بقية مشوار الموسم، فهل لعب؟ أكيد أنه لم يلعب إطلاقا، وحتى إن لعب ربما لعب بعض الدقائق وفقط طيلة أشهر عديدة، وهنا أؤكد أن "لوريون" ليس "ريال مدريد". منصوري لم يكن يلعب في "الريال" بل في "لوريون" فقط، ومع هذا الفريق لم يحجز مكانه الأساسي، لقد فقد اللاعب مكانه في فريقه من طرف لاعبين اثنين تألقا فمنحهما مدربهما فرصتهما، فأبعداه نهائيا عن التشكيلة الأساسية، هذا عامل من العوامل الأساسية التي جعلتني أستغني عنه. أما العامل الثاني، فكان هناك في "كرانس مونتانا" بسويسرا، أنتم تعلمون أني فضلت إخضاع اللاعبين إلى سلسلة من التجارب للوقوف على حالتهم البدنية، ومدى تأهبهم لخوض منافسة عالية المستوى، تأكدنا دون تجارب أنه لم يكن مصابا، لكن ما فعله خطير وسأكشفه دون حرج الآن، لأنه هو من بدأ الحرب الإعلامية تجاهي، رغم أني كنت في كل مرة أطلع على تصريحاته النارية تجاهي دون أن أرد عليه ولول بكلمة، سأفضح ما قام به دون حرج وأكشف حقائق عنه لأول مرة. من عادتي أن أخفي كل شيء يدور داخل المنتخب، دون أن أفضح الأمور أو أنشر الغسيل عبر صفحات الجرائد لكنه أجبرني هذه المرة على الرد عليه. = ما الذي قام به؟ == منصوري وعكس جميع زملائه، رفض أن يخضع للفحوص والتجارب حتى نقف على حالته البدنية، لأنه وبكل وضوح كان على دراية بأنه لم يكن مؤهلا من تلك الناحية، لأنه كان يدرك أنه متأخر مقارنة بزملائه، ومع ذلك أغمضت عيني وأقحمته في اللقاء الودي أمام إيرلندا، لأني قرّرت إقحام كل اللاعبين حتى أقف على مستواهم وتحضيراتهم يومها. كان بحوزتي 17 لاعبا فقط جرّبتهم كلهم، وفي "نورمبيرغ" الألمانية أمام منتخب الإمارات العربية ما كان ليلعب أساسيا لأني يومها قرّرت إدراج التشكيلة الأساسية التي ستواجه منتخب سلوفينيا في أول مباراة من المونديال لكن إصابة يبدة في آخر لحظة أخلطت أوراقي فأقحمته مكانه، لأني وفي قرارة نفسي كنت قد قررت أن يلعب يبدة أساسيا، وهذا ما حدث في المونديال لا يهمني أن يكون منصوري قائدا أم لا، المهم من يكون أكثر جاهزية، المهم من يكون أكثر استعدادا من الآخر. أعترف أنه ظهر بوجه جيد في نهائيات كأس إفريقيا بأنغولا، وكان رائعا في الوسط رفقة يبدة، لكن منذ تلك الفترة إلى وصول موعد نهائيات كأس العالم تغيّرت المعطيات ولم تكن في صالحه، وما دمت قد تحدثت عن شارة القائد، أكشف لك أمرا أكثر أهمية مما قلته حتى الآن عنه. = ما هو هذا الأمر؟ == شخصية منصوري لم ترشحه يوما ليكون قائدا للمجموعة، صراحة لم يكن أهلا ليكون قائد منتخبنا أقولها دون نفاق. = ولماذا منحته شارة القائد وأكدت أكثر من مرة أنه القائد رقم واحد؟ == لأني ولدى قدومي وجدته قائدا، ولم يكن من اللائق أن أغيّر كل شيء بمنحها للاعب آخر مكانه، فكرت في ذلك في بعض الفترات لكني تراجعت، وقلت فلنتركها لأقدم اللاعبين، لكنه لم يكن يستحق ذلك. أنا أتحدث معك بهذه الطريقة لأن أعرف "ديناميكية" المجموعة التي كنت أمتلكها، ومنصوري لم يكن أهلا ليكون قائد تلك المجموعة، شخصيته لم تكن تسمح له القيام بمهمته على أكمل وجه، لكني قلت إنه لاعب طيب وكان قائدا من قبل فلماذا أحرمه من شارة القائد، وأضيف لك شيئا، رغم أنه كان القائد إلا أني لم أستشره يوما ما في قراراتي، مبولحي مثلا استقدمته دون استشارته أو معرفة موقفه، اتخذت القرار وحدي، كنت في بيتي هنا جالسا في منتصف الليل، بحثت عنه جيدا مرات ومرات عديدة، وبعدما شاهدت أكثر من شريط حول المباريات التي خاضها مع فريقه فقررت ضمه، ولنعد للحديث عن منصوري تتذكرون جيدا لقاء الإمارات في ألمانيا. = نعم نتذكره... == دخل وخرج تحت تصفيرات الجمهور الغفير الذي كان حاضرا، أليس كذلك؟ = نعم... == ومع ذلك تضامنّا معه ووقفنا إلى جانبه في ذلك الظرف العصيب، لكنه نسى تلك الوقفة وراح يتحدث عني بسوء، هو لاعب محترف تربى وترعرع في بطولات محترفة بأتم معنى الكلمة، وكان عليه أن يتصرف بحكمة، كان عليه أن يتصرف باحترافية مع قرار تنحيته، كان عليه أن يتقبّل مبدأ المنافسة في المنتخب. = هل شرحت له أسباب إبعاده يومها؟ == تحدثت معه مرتين لكنه لم يشأ أن يفهم، كان في كل مرة يقول لي: "ستحرمني من تحقيق حلمي بالمشاركة في نهائيات كأس العالم... هذا حلمي وحلم عائلتي"، فقلت له: "لا حلم ولا هم يحزنون، لا بد أن تكون جاهزا وأهلا للمشاركة حتى أضع ثقتي فيك، لياقتك البدنية لا تسمح لك بخوض منافسة عالية المستوى مثل منافسة كأس العالم". لقد قدمت له هدية لا يمكن أن ينساها أو يرفضها أي لاعب، منصوري لم يكن يلعب مع فريقه ومع ذلك ونظرا لمشواره الطويل مع المنتخب قمت باصطحابه معنا إلى المونديال ضمن القائمة الرسمية، ولأني كنت أعتبر تواجده معنا مستحقا، لا أنكر أنه يستحق التواجد في المونديال لكن ليس أساسيا. = منصوري أكد في تدخلاته أنك لم تتحدث معه ولم تشرح له شيئا من هذا الذي تقوله الآن؟ == غير صحيح، الذين يعرفونني يدركون أني شخص يتحدث صراحة، دون أن يخفي شيئا، كنت دوما أتحدث مع اللاعبين بشفافية، في كل شيء، حتى التشكيلة الأساسية كنت أظهرها لهم عمدا في التدريبات حتى يهيئ كل منهم نفسه ليوم اللقاء، وحتى أنتم كنتم تتحصلون على التشكيلة مسبقا ثلاثة أيام أو أربعة قبل المباراة، كنت أعقد مع اللاعبين اجتماعات فنية، وكنت أتطرق معهم إلى التشكيلة المحتملة، دون إخفاء أي شيء، كنت أطبخ وأنتظر رد الفعل منهم، فمن كان رد فعله سلبيا سيتهيأ نفسيا لذلك، ومن كان يعلم أنه سيكون ضمن القائمة كان سيركز ويحضر أكثر نفسه للموعد الذي ينتظرنا. = مضى على تواجدك في مجال التدريب سنوات عديدة، فما ردّك على منصوري عندما صرح حصريا ل "الهدّاف" أنك ضعيف جدا من الناحية التكتيكية؟ == قال ذلك لأنه متحسر لغيابه عن مباريات المونديال، كما أنه قالها دون أدلة مقنعة، ولأنه كان يحلم بالمشاركة في "المونديال" مثلما صرح به لكني حرمته من تحقيق حلمه هذا، ولذلك أعرف مدى شدة الصدمة التي هو فيها، وبتصريحه هذا بصفته قائد المنتخب في السنوات الأخيرة، أقولها صراحة: "لقد أهان نفسه وحطّ من قيمته"، وعلى الإتحادية الجزائرية لكرة القدم أن تعاقبه على تصريحاته هذه، كيف لقائد منتخب جزائري لسنوات عديدة أن يدلي بتصريح خطير مثل هذا بخصوص مدربه؟ كيف له أن يسكت طيلة "المونديال" ويتحوّل اليوم لإلقاء سهام الإنتقاد ضدّ منتخب بلاده؟ وضد مدربه ورفاقه السابقين؟ لعلمك أن ما أملكه من أسرار في المنتخب لا أحد يدري بها، لكني ولا يوم نشرت غسيلنا عبر صفحات الجرائد، ولا يوم انتقدت زملاء المهنة أو أشبالي أو المسؤولين، لكنه لم يحترم صفة القائد التي كان يتحلى بها وراح يتحدث عنا بسوء، لذلك قلت لك من قليل إنه ليس أهلا لكي يكون قائدا للمنتخب، شخصيته لا تسمح له بذلك، صمت طويلا وبعدها تحدث من فراغ، ذكرني بما قام به الألمان الذين تواطؤوا ضد الجزائر سنة 1982 وراحوا يعترفوا متأخرين في السنوات القليلة الماضية بمؤامرتهم، وما دام قد تحدث عني هذه المرة أقول له إني احتفظت بك ضمن التعداد ليس لأنك تستحق أن تكون قائدا للمجموعة، بل لأنك من أقدم اللاعبين في تعدادنا فقط، والله "يا صحابو ما كان علابالهم بيه". = من كان أهلا ليكون قائدا ل"الخضر" في عهدتك، إن لم يكن منصوري؟ == لا أريد الخوض فيمن كان لا بد أن يكون القائد، أريد أن أواصل الحديث عنه شخصيا، عليه أن ينظر إلى مسيرتي الحافلة ورصيدي من الإنجازات ويقارنها بما فعله هو. مسيرتي وتاريخي يتحدثان عني سواء هنا بالجزائر أو خارجها، مونديال مع الأواسط سنة 1979، قدت الجزائر ثلاث مرات إلى نهائيات كأس العالم، وإلى المشاركة في عدد كبير من كؤوس إفريقيا، لدي لقب عربي وبطولة محلية مع الوفاق، كأس إفريقيا مع الرجاء البيضاوي المغربي، أين أنا وأين هو، ثم من له هذا الرصيد في مسيرته الكروية هنا، ومن يملك ذلك فليتفضل ويعطينا البرهان والدليل القاطع على ذلك... كل هذا ويقول منصوري عني أني "فاشل تكتيكيا"، فكيف للجزائر أن تصل إلى كل هذه المحطات تحت إشراف سعدان دون "تكتيك"؟ كيف لي أن أحصد الألقاب مع الأندية التي دربتها دون "تكتيك" أيضا؟ الكل خارج الوطن يعترف لي بما قدمته للجزائر حتى في المغرب يعترفون بعملي، ما عدا في أرض وطني أتلقى الإنتقادات، وأتهم بأني فاشل تكتيكيا من طرف منصوري، وهنا أتساءل لماذا صمت طيلة المونديال وراح يتهمني بعد نهايته؟ لو كان رجلا بأتمّ ما تحمله الكلمة من معان، لتحدث معي وجها لوجه يوما كنا سويا في المنتخب، وها أنا مضطر لكي أفضح أمرا خطيرا قام به. = وهو؟ == بعد لقاء سلوفينيا "حبّ ينوّضها" داخل المنتخب، جلب عددا من اللاعبين وأراد أن يفرض نفسه "ذراع" حينها اتصلت بالحاج روراوة واستنجدت به، طلبت منه الحضور لإطفاء النار، فأتى في الحال، واجتمعنا باللاعبين قبل لقاء إنجلترا وحاول الحاج أن يهدئ الأمور بلطف، لكني تصرفت بصرامة وقلت لهم أمامه: "هناك لاعبين يريدون إحداث الفوضى داخل المنتخب، هناك لاعبون يريدون زعزعة استقرار المنتخب، ومن لا يحترم نفسه سأطرده في الحال، وأنا مستعد لمواصلة المونديال حتى ب 16 أو 17 لاعبا إن تطلب الأمر"... قلت لهم في النهاية بصريح العبارة: "اللي يزيد يتحرك يروح من هنا مباشرة إلى بيته". صراحة كدنا نقع في الفخ الذي وقع فيه المنتخب الفرنسي في المونديال، لولا أننا تحكمنا في الأمور، وعلى منصوري أن يتأكد أني طردت وأبعدت لاعبين أفضل منه قبله بسبب تجاوزهم الخطوط الحمراء، وأخص بالذكر من لم يحترم قدر نفسه، من حاول الاعتداء على الحكم، منصوري كان عليه أن يحترم قيم وأخلاقيات الرياضة أولا، لا أن يبحث عن مصالحه الشخصية وتحقيق أحلامه أو لا أدري ماذا. ففضلا عن أنه لاعب محترف، لقد كان القائد في المنتخب، وكان لا بد أن يكون القدوة لرفاقه، لقد تعلم منذ أن كان صغيرا في المدارس الفرنسية، ما معنى المنافسة الشريفة، لذلك كان عليه أن يتقبل وضعه الجديد في الاحتياط بعدما ظل أساسيا لسنوات عديدة، في اعتقاده أننا وحتى نسعده ويحقق حلمه كان علينا أن نقحمه في التعداد الأساسي، و"الله ما تلعب... ما نلعبوش"، والأخطر الآن أنه تحول لانتقاد زملائه عبر صفحات جريدتكم.