في أول أيام رمضان المباركة من هذا الشهر الكريم يُحتّم علينا الكلام عن موضوع هام، وضروري جداً.. بغيره الطاعات لا تُقبل بل ترد في وجه صاحبها، إنه الإخلاص روح الأعمال وجوهرها. قال تعالى: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً"[الفرقان:23]، ووصى الإمام أحمد ابنه قائلاً: يا بني إنو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير. وسئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: «لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق». الصيام عبادة تختلف عن سائر العبادات ورفع الإسلام منزلته وميّزه على أنواع العبادات بقوله في الحديث القدسي: «يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به» [متفق عليه]، فهل الصلاة ليست لله والعمرة ليست لله وسائر العبادات؟ كلا، بل هي كلها لله، فلماذا الصيام بالذات؟ يقول تعالى: «الصوم لي» لأن الصيام فيه تجرد وإخلاص تام، يستطيع الصائم أن يبالغ في المضمضة فيفطر ولا يشعر به من بجواره، يُمسِك عن الطّعام والشّراب ومواقعَة النّساء مع تذكّره وقدرتِه، لكن يترك كلَّ ذلك لأجل الله، ويعلم أنّ الله يراقِبه ويطّلع عليه، فهي عبادة بين العبدِ وبين ربِّه. قد يدخل غرفة مظلمة أو زاوية من زوايا بيته يأكل ولا يشعر به أحد.. لكنه يؤمن أن الله يراه حيث كان.. وهنا يأتي الإخلاص. فالإخلاص هو التاج على الأعمال، ولكنه ليس ادعاء؛ فإن الإنسان وإن ادعى الإخلاص وصدق الناس بذلك؛ فالله لا تخفى عليه خافية.. والإخلاص أن يكون قصد الإنسان في حركاته وسكناته وعباداته الظاهرة والباطنة، خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس. فالله الله في الإخلاص في الصيام من أول يوم في هذا الشهر الكريم.. نجدد نياتنا ونجعلها خالصة لله عزوجل، فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض. اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، واجعلها خالصة لك، صواباً على سنة رسولك، آمين.