تحدثنا كثيرا قبل نهائيات كأس العالم وقلنا إن المهمة تبدو شاقة وعسيرة على منتخبنا الذي يضم عناصر أساسية كثيرة عانت منذ نهائيات كأس إفريقيا بأنغولا من التهميش على يد مدربيها أو من الإصابات.. وتحدث المدرب الوطني رابح سعدان آنذاك عن هذا الأمر ووعد بعدم إدراج أي عنصر يعاني من نقص المنافسة وغير قادر على مواكبة النسق العالي لمنافسة مثل كأس العالم، لكن حديثنا لم يجد آذانا صاغية ولا وعود سعدان تحقّقت لأن الواقع والخيارات التي أتيحت له أجبرته على تجديد الثقة في التشكيلة نفسها تقريبا، فضمت في جنوب إفريقيا من كان يشارك مع ناديه ومن لم يكن يشارك وضمت من لم يكن يعاني من الإصابة والعائد من الإصابة معا، فكان المشوار سلبيا على طول الخط بما أننا لم نحصد سوى نقطة وحيدة جاءت بالقلب والحرارة فقط بما أن الأمر يتعلق بمنافس من العيار الثقيل اسمه منتخب إنجلترا، وهو ما عوّدنا عليه رفاق بوڤرة عندما يتعلق الأمر بمنافس ثقيل الوزن، كما أثبتت الإحصائيات أن اللاعبين الذين عانوا من نقص المنافسة طيلة الموسم مع أنديتهم أو أولئك العائدين من الإصابة لم يكونوا في مستوى هذا الحدث ولا بمستواهم الذي عوّدونا عليه من قبل فجاء مردودهم مخيّبا وهزيلا إلى أبعد الحدود. عنتر يحيى خانه التهميش مع ناديه الحديث عن اللاعبين الذين مروا جانبا في هذا المونديال يجرنا إلى الإنطلاق من الخط الخلفي مرورا بخط الوسط ووصولا إلى الخط الأمامي، فالخط الخلفي وحتى إن تم تصنيفه من بين أحسن الدفاعات في هذه البطولة بتلقيه هدفين فقط واحد منهما بطريقة تافهة أمام سلوفينيا وآخر في الوقت بدل الضائع أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أن أغلبية العناصر التي شكلته لم تكن في المستوى المطلوب وإرتكبت أخطاء لا تغتفر، ونخص بالذكر لاعبا مثل يحيى عنتر الذي وما عدا أداءه الجيد في لقاء إنجلترا فإنه لم يكن بالصورة نفسها التي كان عليها في السابق، حيث كان مردوده متواضعا للغاية سواء أمام سلوفينيا بالأخطاء التي إرتكبها أو أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما بدا عليه الإرتباك في كل هجمة كان يقودها “الأمريكان”، فيما كان أمام إنجلترا جيدا كسائر رفاقه الآخرين بمن فيهم الإحتياطيين الذين أخذوا أماكنهم في المرحلة الثانية، ويعود الأداء المهزوز والمتذبذب الذي ظهر به عنتر إلى مكوثه طيلة الستة أشهر الأخير على كرسي بدلاء فريقه الألماني “بوخوم”، فرغم أن نهاية الموسم كانت سعيدة له نوعا ما بما أنه شارك تقريبا في كل المباريات إلا أنه مكث لفترة طويلة على خط التماس وغاب عن عدد كبير من المباريات وهو ما أفقده اللياقة العالية التي عهدناها سابقا وكأن “الشيطان” الذي أصابه في لقاء مصر بالخرطوم إنتقم منه هذه المرة شر إنتقام. بلحاج افتقد الحس الهجومي ومع ذلك أسال لعاب الإيطاليين ونتحدث اليوم عن العروض التي تهطل على الظهير الأيسر نذير بلحاج من طرف العديد من الأندية الأوروبية وعلى رأسها صاحب الثلاثية التاريخية “إنتير ميلان” الذي إنضم مؤخرا إلى السباق نحو الظفر بخدماته بعدما كان “لازيو” قريبا من ضمه إلى صفوفه، لكن ذلك لن يحجب الأداء الضعيف الذي قدمه مدافع “بورتسموث” الإنجليزي إذ أن مردوده كان ضعيفا دفاعيا وهجوميا وما الحملات التي كان يقودها المنتخب الأمريكي من على جهته اليسرى لخير دليل على ذلك، وما الهدف الذي جاء من جهته أيضا لدليل آخر على ضعفه الدفاعي ناهيك عن مردوده هجوميا، فاللاعب لم يساهم كعادته في بناء الحملات الهجومية مثلما عودنا عليه من قبل فما عدا عددا قليلا من التوزيعات التي كان يقوم بها من حين لآخر فإن دوره هجوميا كان سيئا، فضلا على أن كل الكرات الثابتة التي كان يجيدها من قبل ذهبت هذه المرة إلى كل الجهات ماعدا رؤوس أو أقدام اللاعبين، وهو الآخر يبدو أنه تأثر بالغياب عن المنافس طيلة شهرين أو أكثر بسبب الإصابة التي عانى منها في العضلة المقربة، وهو غياب إنعكس على أدائه سلبا في المونديال وجعله يقدّم أسوأ أداء منذ أن صار لاعبا في صفوف المنتخب. بوڤرة الإصابة أفقدته قوته المعهودة ومع ذلك قد يكون في ليفربول “بوڤي” أو “الماجيك” مثلما يحلو لأنصار “ڤلاسڤو رانجيرز” مناداته لم يكن أفضل من بلحاج ويحيى عنتر لأنه وماعدا موقعة إنجلترا التي كان فيها من بين أحسن العناصر الجزائرية فوق المستطيل الأخضر فإن أداءه في المبارتين الأولى والثالثة أمام سلوفينيا والولاياتالمتحدةالأمريكية لم يكن ذلك الأداء الذي عوّدنا عليه من قبل، ففي لقاء سلوفينيا بدا عليه الإرتباك وعدم التركيز لاسيما عندما كان هجوم المنافس يشن الهجمات على مرمانا، وأمام الولاياتالمتحدةالأمريكية لا داعي لنذكّر بأن دفاعنا كان دفاع شوارع بأتم معنى الكلمة، وما الفرص القياسية التي صنعها الأمريكان لخير دليل على ضعف دفاعنا، ويمكن القول إن بوڤرة الذي يتأهب اليوم للظفر بعقد مع ليفربول الإنجليزي خدمه نجاحه في تشديد الخناق على العملاق “روني” أمام إنجلترا، وما عدا ذلك فإن “بوڤي” خانته اللياقة هذه المرة بسبب الإصابة التي أبعدته قرابة شهرين عن أجواء المنافسة الرسمية مع ناديه الاسكتلندي “ڤلاسڤو رانجيرز”. يبدة أداؤه متباين ولم يكن “مايسترو” أنغولا وسط ميدان “بورتسموث” الإنجليزي حسان يبدة لم يكن سيئا في هذه الدورة ولا جيدا إذ كان أداؤه متباينا بين مباراة وأخرى وبين فترة وأخرى في كل مباراة، فأحيانا شعرنا بأن يبدة الذي نعرفه كان حاضرا جسدا وروحا فوق الميدان على غرار أغلب فترات مباراة إنجلترا وأحيانا كنا ننسى أنه متواجد مثلما كان عليه الحال في لقاء سلوفينيا وفي أغلب فترات مباراة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفوق ذلك لم نشعر أن “مايسترو” دورة أنغولا كان حاضرا في هذا المونديال والسبب وعلى غرار رفاقه الآخرين إفتقاده اللياقة اللازمة التي تسمح له بمسايرة مستوى عال جدا من هذا الحجم بعد أن عانى هو الآخر من شبح الإصابة الذي أبعده عن الميادين مع ناديه طيلة الشهرين الأخيرين قبل المونديال، ولولا ذلك لشاهدنا يبدة الذي شاهدناه في دورة أنغولا عندما أعطى التوازن الحقيقي ل “الخضر” بفضل الدور الكبير الذي كان يقوم به في وسط الميدان. مطمور جري وركض، لهث وراء الكرة ... حملة دون منفعة وحتى مطمور مرّ جانبا في هذا المونديال ولم يقدم ما كان مرجوا منه ولا ما تعوّد على تقديمه في الماضي القريب فقط، فاللاعب وحتى إن لم تظهر عليه آثار نقص المنافسة الذي عانى منه بعد عودته إلى ناديه الألماني “بوروسيا مونشنڤلادباخ” بعد دورة أنغولا إلا أنه إكتفى طيلة الدورة بالركض والجري واللهث بحثا عن الكرة دون أن يصنع فرصة واحدة سانحة للتهديف في المباريات الثلاث، ماعدا قذفاته في لقاء الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت ترتطم بالمدافعين وتحول إلى الركنية في أربع مناسبات عوض أن تعانق الشباك، ليثير بمردوده هذا العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هذا هو مستواه الحقيقي الذي توقف عند هدفين حتى الآن منذ أن حمل ألوان الجزائر واحد في مرمى مصر والآخر في مرمى كوت ديفوار، أم أنّ مكوثه في كرسي إحتياط ناديه مباشرة بعد عودته مع المنتخب من أنغولا كان له إنعكاس سلبي على أدائه؟ أم أنه لا يوظف بطريقة جيدة في المنتخب ولا يلقى الدعم اللازم من رفاقه؟ وهي أسئلة لم نجد لها إجابة في الحقيقة. زياني الحلقة الأضعف وجاء محطما من فولفسبورغ وصلنا الآن إلى الحلقة الأضعف على الإطلاق في المونديال الذي كان دون منازع وسط الميدان كريم زياني، فلطالما نادت أصوات الفنيين والأخصائيين والنقاد والملاحظين وكل من يفقه في شؤون الكرة ومن لا يفقه أيضا بعدم إنتدابه للمونديال أو على الأقل عدم إدراجه في التشكيلة الأساسية بعد أن قضى الموسم كله على كرسي بدلاء ناديه الألماني فولفسبورغ، حيث اكتفى بالمشاركة في 5 مباريات فقط كأساسي فيما غاب عن أغلبية المباريات الأخرى وإكتفى في البعض منها بالدخول لبضع دقائق فقط، لكن تلك الأصوات لم تلق آذانا صاغية لأن اللاعب شارك في كل المباريات أساسيا وضيع ما لا يضيع من الفرص الحقيقية لاسيما في لقاء أمريكا الذي ضاعت فيه من بين أقدامه كرة هدف كان قد يسمح لنا بالتأهل لو سجله لاسيما أن الوقت كان كافيا لإضافة هدف ثاني، ناهيك عن مردوده الضعيف في الوسط وعدم مساهمته في تزويد المهاجمين بالكرات اللازمة للتهديف، وفضلا عن ذلك فإن كراته الثابتة هي الأخرى تكبّدت فشلا ذريعا وتصويباته لم تصب ولو مرة واحدة إطار المرمى فما بالك الشباك، فتأكد بذلك ما طالب به النقاد قبل الدورة بأن زياني لا يمكنه في ظل معاناته من نقص المنافسة أن يساير نسقا عاليا وسريعا كنسق منافسة من حجم كأس العالم، وعلى صاحبنا أن ينسى أنه أسقط لامبارد ومن كان معه لأن كرة القدم الحديثة تتطلب أن يسجل أهداف ويمرر كرة حاسمة لا أن يسقط فلان وفلتان من دون جدوى. غزال وجبور مهمتهما التسجيل وفشلا فيها وصلنا أيضا إلى اللاعبين اللذين أسالا بمردودهما الهزيل الكثير من الحبر وقد يسيلان المزيد مستقبلا إن تم تجديد الثقة فيهما تحسّبا للتحديات التي تنتظر منتخبنا، والأمر يتعلّق برأسي الحربة غزال وجبور، فهذين اللاعبين مشكلتهما لا تتشابه مع المشاكل التي إعترضت زياني، عنتر يحيى، بلحاج، يبدة وبوڤرة قبل المونديال، وهي أنهما يعرفان كل شيء ماعدا العنوان الحقيقي لمرمى المنافس، إذ أنهما يجيدان ترويض الكرة بالقدم، بالصدر وبالرأس لكنهما لا يجيدان شيئا اسمه تسجيل الأهداف وهز شباك المنافسين، وبمردودهما الهزيل في جنوب إفريقيا وعجزهما عن قيادة الجزائر إلى تسجيل ولو هدف وحيد يحفظ لها ماء الوجه سقط قناعهما وتأكد لنا جميعا أنهما مجرد لاعبين متواضعين يلعبان في ناديين متواضعان، جبور في “أيك أثينا” المغمور للغاية والثاني في “سيينا” النازل إلى القسم الثاني في إيطاليا، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعذرهما لأنهما لو عانيا من مقعد البدلاء طيلة موسم كامل مع فريقيهما على غرار رفاقهما لتقبّلنا الأمر ولو عانيا من الإصابة مثل بلحاج، بوڤرة ويبدة وآخرين لتفهمناهما، لكنهما لم يعانيا من أي شيء من هذا القبيل وكانا يشاركان بانتظام مع فريقيهما إلى أن فضحهما مونديال جنوب إفريقيا بأنهما مهاجمين لا يتفوّقان على غزالي، زياية، دراڤ وبوڤش جاليت وكل المهاجمين المحليين من حيث المستوى. حليش، مبولحي، لحسن وقادير الأحسن بشهادة النقاد وحتى نقطع الشك باليقين ونؤكد أن فشل بلحاج، يحيى عنتر، زياني يعود إلى نقص المنافسة بسبب التهميش أو شبح الإصابات، فضلنا أن نختم بمن تألقوا وبرزوا بشكل لافت للإنتباه في هذا المونديال وعلى رأسهم الحارس مبولحي الذي لم يعرف الجلوس على كرسي الإحتياط من قبل مع ناديه البلغاري “سلافيا صوفيا”، فكان إكتشاف الدورة دون منازع بل وأحسن عنصر من عناصرنا الأساسية، وكذلك الأمر بالنسبة ل رفيق حليش الذي حتى إن كان قد أنهى المباريات الربع ما قبل الأخيرة مع ناديه البرتغالي “ناسيونال ماديرا” على كرسي الإحتياط، إلا أن ذلك التهميش كان راحة لأسدنا فقط بعد جهود مضنية طيلة موسمين كاملين، فإستفاد من تلك الراحة وكشّر عن أنيابه في المونديال وكان أحسن مدافع على الإطلاق في التشكيلة بفضل تدخلاته الموفقة التي غطت على أخطاء عنتر يحيى أحيانا وبوڤرة أحيانا أخرى، ولا ننسى أن نؤكد للمرة الألف أن الجزائر كسبت عصفورا نارا في خط الوسط ونخص بالذكر مهدي لحسن الذي تجلى لنا أنه مكسب حقيقي في الوسط بفضل تدخلاته الموفقة في جميع اللقاءات وكسبه كل المعارك التي خاضها مع أقرانه في هذا الخط لاسيما في لقاء إنجلترا عندما تفوّق على من يفوقونه خبرة، تجربة ونجومية على غرار لامبارد، جيرارد وغيرهما، ولا نغفل أيضا الدور الكبير الذي لعبه قادير الذي لا يعرف كرسي الإحتياط مع ناديه الفرنسي “فالونسيان” ولا يعرف ما معنى نقص المنافسة، وهو ما سمح له بأن يكون أحد إكتشافات هذا المونديال بالنسبة لمنتخبنا وأحد أبرز العناصر الجديد التي تم إستقدامها هو وبودبوز الذي لم تمنح له فرص اللعب كثيرا. المنافسة أفضل سلاح لمسايرة نسق المستوى العالمي ومن خلال هذا التقييم نستخلص أمرا وحيدا وهو أن المنافسة هي أفضل سلاح لمسايرة نسق المستوى العالي، فمن كان يكد ويجد طيلة موسم كامل مع ناديه ويشارك بإنتظام في التشكيلة الأساسية لم يجد أي صعوبة في فرض نفسه في تشكيلة سعدان وفي لفت إنتباه الجميع بمردوده الجيد على غرار حليش، لحسن، قادير ومبولحي أيضا، أما من جاء إلى بلد “نيلسون مانديلا” وفي أقدامه 5 مشاركات فقط مع ناديه أو من جاء وهو عائد من إصابة ومن جاء وهو يعاني طيلة موسم كامل من التهميش مع ناديه فلم يجن سوى أداء متذبذبا، هزيلا وضعيفا أيضا في صورة عدد كبير من لاعبينا.