من أراد أن يفهم ما يدور في الجزائر عليه أن يدرس الحقائق والوقائع في العمق، فيستنطق ويستقرئ المكتوم، يغربل ويصفي الموجود، لكن من غير أن يبتعد عن دقائق الأمور وجوهرها لفهم وسبر المنطق الذي يحكم البلاد منذ الانقلاب على بن خدة وعفس الدستور ببيادة العسكر وتوظيفه من قبل الأشباح التي تخشى النور، يجب أن يبتعد الباحث عن قراءة التاريخ المزيف، وشهود الزور، يجب الابتعاد عن الرواية الرسمية للأحداث بقدر ما يجب أن يبتعد عن السرد الإنشائي، فهم الواقع الجزائري يحسنه من يمتنع عن الشرب من عين العائلة الثورية الملوثة بالمصالح المادية …. ويبحث عن الآبار المردومة في الذاكرة الجزائرية. وأنا أقرأ "التابو الأخير" لبيار دوم، ذهلت وصدمت ! كتاب تعقب فيه الكاتب أثر الحركى الذين وقفوا في صف المستعمر ضد إخوانهم في الوطن والذين بقوا في الأرض التي لوثوها بخيانتهم، زرعوا فيها سلالتهم التي بدأت تأتي ثمارها المسمومة ثلاثة أجيال بعد الاستقلال ! وجدت جوابا لسؤال رافقني منذ أن فُتحت بصيرتي السياسية، لماذا يكرهون هذا الشعب ولماذا يرهنون مستقبل البلاد؟ آه يا وطني كم هو مر كأس الحقيقة ! سقانا إياه التاريخ جرعة جرعة وكل كذبة تكشفها الأيام تزيد اللوعة لوعة… كم من بطل ثوري قتله الرفاق غدرا وكم من خائن لهذا الوطن رفعوا شأنه وقدره، وكم من مجاهد حقيقي كان التجاهل في الحياة قبره ؟ آه يا وطني. أنا ابن الاستقلال أرضعوني الكذب والتزييف، أنا الذي وضع رأسه على وسادة التاريخ فأيقظته كوابيس الأوهام، لم يبقى مجال للتفكير مات ذلك البطل الذي سكن حشرجة ذاتي وهاهو شبح الشك معشعش في وسادة الذاكرة … نعم مات البطل وسأحرق كتاب التاريخ كي لا يرثه ابني ! سامحك الله أبي كما قلتها أنت يوما لجدي، وطني تاريخه لم يكتب بعد ….