بعد صدور تعليمة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي تفرض عقد القران المدني قبل الشرعي "الفاتحة"، والتي جاءت بسبب تجاوز المخطوبين للخطوط الحمراء قبل البناء، وما ترتب عنه من ميلاد مئات الأطفال مجهولي النسب، أثمرت التعليمة الجديدة بدورها عن ظاهرة اجتماعية خطِرة بدأت تشيع في المجتمع الجزائري تتعلق بتزايد عدد المطلقات قبل الدخول، وما أكثرهن اليوم ممن كلفتهن فترة الخطبة "لقب مطلقة". ح/سامية آمنة/ ب مريم، منى، نورة، وردة ولينا، فتيات في ربيع العمر لا تتجاوز أعمارهن العشرينات، في الواقع هن مازلن آنسات، لكن على الورق سيدات ومطلقات دفعن ثمن خطوبة لم تكلل بالزواج، وأحرزن "لقب مطلقات" لازمهن مدى الحياة وأعاق متابعتهن للحياة ككل الفتيات. منى هي إحدى ضحايا الطلاق قبل البناء، تحملت ذلك اللقب لسنوات ولاقت الكثير من مجتمع لا يرحم، اعتبرها البعض مطلقة لا آنسة، على الرغم من أنها لم تزف إلى بيت عريسها قط، إلى درجة دفعتها إلى الخجل مما آلت إليه وضعيتها، حيث باتت لا تذكر شيئا عن تجربتها إلى معارفها وزملائها الجدد لأن لا ينظر إليها البعض نظرة دونية، إلى أن جاء اليوم الذي فكر فيه أحد زملائها في التقدم لخطبتها، ولم يكن قد سمع شيئا عن خطبتها السابقة، تقول منى "سعيت إلى توثيق العلاقة بيني وبينه حتى لا يفاجأ من موضوع خطبتي، لكن وعندما وصلت الأمور إلى الرسميات وقررت إخباره، اتهمني بالغش والتدليس وعاتبني لأني لم أكن صريحة معه من الأول، وانتهى الموضوع بأزمة نفسية وعاطفية عشتها للمرة الثانية خلفت جروحا عميقة في قلبي،"أما نورة التي تجاوزت تجربة طلاقها الأربع سنوات، فتقول:"لم يطرق بابي خاطب بعد أن سمع أبناء الحي عن تجربة طلاقي السريعة التي تمت قبل الدخول بأيام، وظنوا فيّ الظنون وانتشرت الأسئلة عن سبب طلاقي، على رغم أن ما حدث لم يكن بسببي أبدا، ولكن بسبب سوء تفاهم بين العريس ووالدي أدى إلى الطلاق قبل إتمام الزواج، لكن ما رأيته من المجتمع بعد هذه التجربة حيرني وأفاقني من غفوتي، فلم أكن أظن يوما بأن ما يحدث سيغير من تعامل الناس معي أو من نظرتهم إلي، لقد أيقنت بأن هذا المجتمع يحتقر المرأة ويستهين بمشاعرها". أما سيد أحمد الذي فسخ خطبته هو الآخر قبل أن يدخل بعروسه فقال "المجتمع لا يحاسب الرجل بقدر ما يحاسب المرأة هذا هو العرف عندنا، فقد تزوجت مباشرة بعد فسخ العقد المدني على ابنة خالتي، بينما بقيت هي عزباء إلى الآن ولا أحد يطرق بابها، وكلما فكر أحدهم في الارتباط بها جاء ليسألني عن سبب فسخي لعقد القران، اليوم وبعد كل هذه السنوات أشعر بتأنيب الضمير لأنها وحدها من دفع الثمن، على رغم أنها لا تعاني من شيء وكل ما في الأمر أننا كنا غير متوافقين والعائلة هي التي دفعتنا إلى هذا الارتباط. حالات كثيرة تعد بالمئات إن لم نقل الآلاف لاقت المصير نفسه، فتيات جنت عليهن خطبة فاشلة وحسبن بعدها على فئة المطلقات.
لا أقبل الزواج بمطلقة
لازالت العقلية الذكورية تسيطر على المجتمع الجزائري الذي يرفض الارتباط بمطلقة، حتى ولو كان ذلك على الورق والسبب تقليدي بحت، فالمرأة المطلقة هي أقل شأنا في مجتمعنا يعاب عليها أنها ناقصة ولولا ذلك لما تخلى عنها رجل آخر، وأنها صاحبة تجارب وهذا ما يرفضه مجتمعنا الذكوري. نظرة سوداء للمطلقة حتى ولو كانت تتمتع بأخلاق رفيعة، وعلى رغم أن الشرع لا يفرق بين مطلقة وعزباء إلا بالأخلاق والتقوى، إلا أن حكم المجتمع مخالف تماما وعرفه سائد منذ قرون لا تغيره الحياة العصرية، فالعادات الاجتماعية الفاسدة متوارثة ويصعب التخلي عنها إلا في حالات قليلة تعد على الأصابع، يقول عبد الرحمن "لا أقبل أن أتزوج بفتاة كانت لها تجربة ارتباط بشخص آخر قبلي وصلت إلى حد عقد القران الشرعي والمدني، فتاة أحلامي غير ذلك تماما" ويؤكد منير هو الآخر"من المهم ألا أعرف شيئا عن ماضي زوجتي حتى لا تحدث بيننا حساسيات في المستقبل، ولو كانت مطلقة على الورق، فهذا يعني بالنسبة لي أنها ذات تجارب قبلي وهذا الشيء لا يروقني، لأنني أفضل أن أكون أول وأهم شخص في حياتها. محمد هو الوحيد من بين من استطلعنا آراءهم ينظر إلى المطلقة على الورق بشكل مختلف أكثر حضارية وأقل أنانية، يقول "حسب رأيي المطلقة على الورق أو حتى بعد تجربة زواج فعلي، لاينقصها شيء سوى رجل يستحقها، نحن الرجال نظلم المرأة ويجب الاعتراف بذلك، كل امرأة طلقت لها أسبابها، ومن الممكن أن تكون ضحية فلماذا نحاكمها كأنها جانية، وفي فترة الخطوبة كثيرا ما تحدث الخلافات العائلية التي لا دخل للمخطوبين فيها وتؤدي إلى فسخ الخطبة أو فض الزواج المدني كما يحدث اليوم، وهذا لا يعني أبدا أن الفتاة التي تطلق قبل الدخول هي غير جديرة بالاحترام، وبالتالي لا يجب أن نحرمها من فرصة جديدة لبناء حياتها.
شائعة جعفري: يجب أن يرتبط العقد والفاتحة بإقامة العرس أوضحت رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة شائعة جاد جعفري في تصريح للحوار أن انفصال المرأة وإبطال زواجها بعد عقد النكاح يعتبر طلاقا من الناحية القانونية، على الرغم من عدم إقامة العرس والدخلة، مشيرة إلى أن الشخص الذي بدر منه العدول وكان سببا في فك الرابطة الزوجية يتحمل المسؤولية، فإذا كان الرجل هو السبب فإن المرأة لا ترجع له أي شيء مما أخذته منه على غرار المهر وغيره، وإذا كانت المرأة هي السبب فإنها ترجع كل شيء لطليقها، أما من الجانب الاجتماعي فأشارت شائعة جعفري إلى أن المجتمع أصبح أكثر تفتحا وتغيرت نظرته لهذه الأمور، ومن الممكن أن تعيد المرأة حياها وتتزوج من جديد دون أي مشاكل. ولتفادي هذا النوع من الانفصال، أكدت رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة أنه من الضروري تأهيل الشباب وتحضيرهم للزواج وهذا التحضيرلا يقتصر على شراء الجهاز، إنما يتعين تحضيرهم نفسيا واجتماعيا وتحسيسهم بقدسية الزواج، فعلى الفتاة مثلا أن تدرك بكونها سترتبط مع شخص قد تكون طريقة تفكيره مختلفة وعليها أن تعي كيف تتأقلم مع الأمور قبل دخول بيت الزوجية وكيف يتقبل كل منهما الآخر، كما على الطرفين أن يدركوا بأن الأحاسيس الفياضة ستنخفض مع مرور الزمن، كما أكدت المتحدثة ذاتها بأن المرصد الوطني للمرأة والأسرة كان سباقا في إقامة دورات التأهيل للزواج سنة ال 2008 اقتداء بالتجربة الأندونيسية التي خلصت إلى خفض نسبة الطلاق 20 بالمئة بفضل دورات التأهيل. وأضافت جعفري أنه من الضروري اختيار شريك الحياة بشكل جيد لأن الزواج عبارة عن مؤسسة من الضروري أن تبنى على أساس متين، يحترم المستوى الاجتماعي والثقافي، حتى ينتج التفاهم والتكامل بين الزوجين، ولا يتشكل مركب نقص لدى أي طرف من الزوجين ولا يظلم أحد على حساب الآخر، كما نبهت شائعة جعفري إلى عدم التسرع بعقد النكاح وإقامته قبل العرس بفترة طويلة لأن ذلك قد يفتح أبواب المشاكل والوقوع في الطلاق، وعليه نصحت رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة الشباب المقبلين على الارتباط بإقامة عقد الزواج والفاتحة في فترة قريبة جدا من العرس.
نعيمة صالحي البعض يتسرعون بعقد القران للاستفادة من سكن
أشارت نعيمة صالحي رئيسة حزب العدل والبيان في تصريح للحوار أن التسرع في إقامة عقد الزواج هو أكبر سبب لظهور المطلقات قبل البناء، مشيرة إلى أن الكثير من الجزائريين يتسرعون في عقد القران من أجل الحصول على السكن وبعدها تحدث مشاكل نظرا لعدم اختيار الطرفين لبعضهما على أساس صحيح، وبالتالي يحدث الطلاق والانفصال قبل إقامة العرس. وفيما يخص نظرة المجتمع التي تلقاها المرأة المطلقة قبل الدخول فأشارت المتحدثة ذاتها إلى أنها نظرة صعبة خصوصا بالنسبة للمدن الداخلية، فكلمة طلاق ثقيلة على المجتمع وسيكتب على شهادة ميلاد هذه المرأة أنها مطلقة، وإن كانت العاصمة أكثر تفتحا حيال الموضوع، إلا أنه من الصعب أن تبني المرأة المطلقة قبل البناء حياتها من جديد وأن تتزوج بغيره ببساطة، فحتى وإن وافق الرجل على الزواج منها وتمسك بها، فإنها ستواجه مشاكل مع عائلته، مشيرة إلى أن المجتمع الجزائري في الماضي كان يرفض حتى الفتاة التي سبق أن خطبت، فما بالك بالتي عقدت زواجها وتعتبر مطلقة، وما يزيد من حساسية الموضوع وجود ما يسمى بالبكارة الاصطناعية، وهذا ما يجعل الشك يتخلل إلى النفوس. ولتجنب الوقوع في مشكل مشابه وضحت نعيمة صالحي بأنه من الضروري أن يرتبط العقد والفاتحة بالعرس وأن لا تكون المدة الزمنية الفارقة بينهما تزيد عن أسبوع، وبهذا نكون قد عدنا لتقاليدنا الجزائرية الأصيلة.