تحت شعار "فالصيف الڤاطو وفي الشتاء البڤاطو" حالة طلاق كل 10 دقائق في الجزائر، هي حقيقة من عمق المجتمع وليس عنوانا لكتاب أو فلم سينمائي، رقم اعتبره المختصون بمثابة الزلزال المدمر لأقدس علاقة بين رجل وامرأة، والذي وصفها الله في كتابه ب "الميثاق الغليظ"، حيث تشير أرقام الطلاق في الجزائر إلى مؤشرات لانهيار اجتماعي وشيك، يهدد الخلية الأولى لبناء المجتمع "الأسرة" بالاندثار، فينتج عن ذلك أكثر من 100 ألف طفل ضحية لحالات طلاق قدرتها وزارة العدل ب60 ألف حالة سنويا، محذرة من انتشار ظاهرة الطلاق السريع الذي لا يستمر أحيانا شهرا أو شهرين، حيث تحول الزواج إلى أشبه بلعبة تنتهي برجوع كلى الزوجين إلى حياته السابقة والضحية هم الأطفال.. كشفت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري في تصريح للشروق اليومي عن تسجيل 60 ألف حالة طلاق في الجزائر منذ بداية السنة الجارية، بمعدل 166 حالة في اليوم و06 حالات في الساعة وحالة لكل عشرة دقائق، وهذا ما يجعل الطلاق "حسبها" يتحول إلى ظاهرة مخيفة تنجر عنها مشاكل اجتماعية خطيرة، تتطلب دراسة معمقة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء تفشي هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري بشكل غير مسبوق. وكشفت أنها استقبلت حالات عديدة لأزواج لم يمض على زواجهم سوى شهر واحد ووجدوا أنفسهم في المحاكم من أجل طلب الطلاق، وبيّنت أن الطلاق في الجزائر بات يحدث لأسباب تافهة تتعلق أغلبها بغياب روح المسؤولية وضعف الصراحة بين الزوجين قبل الزواج. وبالنسبة للطلاق المبكر قالت شائعة جعفري إنه بات مخيفا يهدد بتمييع العلاقات الزوجية. وعن أسبابه ذكرت المتحدثة عديد الأسباب من أهمها على التوالي "الخيانة الزوجية، الزواج في سن مبكر أو في مرحلة المراهقة، الزواج في سن مناسب لكن مع عدم تواجد النضج الفكري و الثقافي، التسرع والسطحية في الاختيار وعدم دراسة الشخصيات جيدا، الاعتقاد الخاطئ عن الزواج أنه مجرد علاقة عاطفية رومانسية، عدم قدرة الفتاة على تحمل المسؤولية وأعباء الحياة الزوجية، عدم قدرة الرجل على إشباع احتياجات زوجته العاطفية والجنسية، الزواج عن عدم اقتناع خوفا من الوصول إلى سن العنوسة بالنسبة للفتاة، عدم مراعاة الفروق الاجتماعية والبيئية والثقافية لكلا الطرفين ما يؤدى إلى صعوبة الاستمرار، سقوط الأقنعة مبكرا ما يثير النفور وعدم القدرة على الاستمرار، محاولة الزوج التقليل من قيمة زوجته بإجبارها على ترك عملها وإحساسه بالنقص من ناحيتها، عدم قدرة الزوجة الاستمرار مع رجل ضعيف الشخصية لا تشعر معه بالأمان، الغيرة الزائدة عن الحدود وغير المرتبطة بأسباب منطقية ما يؤدي للخلافات بين الزوجين، الثقافة الذكورية للرجل غير المنصفة للمرأة والمتجاهلة لحقوقها، الثقافة الذكورية للرجل القائمة على أساس أن الزوجة هي مجرد خادمة وجسم للمتعة، المفهوم الخطأ للرجل عن الرجولة أنها تنحصر في إصدار الأوامر وإهانة المرأة وعدم احترام احتياجاتها، عدم إعطاء كلا الطرفين الفرصة لأنفسهم في إصلاح كلا منهما للأخر ومحاولة تهذيب العلاقة وتجميلها وعدم وقوف كلا منهما أمام حقيقته وإلقاء المسؤولية على الآخر وتجميل حقيقة نفسه وتشويه حقيقة الآخر واللجوء إلى الطلاق كحل لمشاكلهم الزوجية". وطالبت المتحدثة بضرورة عقد جلسة وطنية تجمع جميع المختصين، لطرح الأسباب الحقيقية وراء تفشي ظاهرة الطلاق خاصة في وقت مبكر، بالإضافة إلى استحداث آليات جديدة بهدف خلق الاستقرار بين الأزواج.
قصص حزينة لطلاق فتيات في العشرينيات 60 حالة طلاق يوميا في مجلس قضاء الجزائر تشهد قاعات المحاكم بالعاصمة اكتظاظا واسعا خاصة عند برمجة قضايا الطلاق، حيث يتم النظر يوميا في ما يفوق 60 قضية مقسمة إلى فترتين صباحية ومسائية. لفتيات تعدد أسباب طلاقهن، فمنهن من اكتشفن بعد أسبوع من الزواج أن رجل أحلامها مجنون أو مدمن مخدرات أو رجل اتكالي لا يملك وظيفة ولا مسكنا ومنهن من فرض عليهن الطلاق وقرر الأزواج فك الرابطة الزوجية بسبب شجارات الأمهات مع كناتهن لأتفه الأسباب أو قرار الأزواج الارتباط بأخريات.
تزوج قاصرة وطلقها حاملا للاقتران بأخرى ومن خلال استطلاع الشروق لحالات الطلاق، اقتربنا من الحاجة مريم التي كانت برفقة فتاة حامل في شهرها السابع، انتابنا شعور بالفضول لمعرفة ما سبب انتظارها في قاعة جلسات قاضي الأسرة، وما إن سألناها إغرورقت عيناها بالدموع وقالت لنا "إنني جئت لمرافقة ابنة ابني المتوفي التي تزوجت وهي في 17 من العمر وبعد سنة من زواجها طلقها وهي حامل بابنه بحجة أن والدته لا تحبها غير أن الجدة أكدت أن السبب الحقيقي فتاة أخرى أراد الارتباط بها رفضت أن تكون زوجة ثانية واشترطت عليه فك رابطته الزوجية مع حفيدتي اليتيمة".
سعاد... تزوجت بمجنون وأنجبت معه طفلة أما سعاد 25 سنة مطلقة وأم لطفلة تقص لنا معاناتها مع زوجها السابق التي لم تتعرف عليه قبل الزواج كونها من عائلة محافظة وقد خطبتها شقيقته التي شكرت في أخلاقه الحميدة وأخبرتها أنه عامل وستسكن معه في طابق من 4 غرف، قالت سعاد، "ثم وافقت عليه وكان وقتها عمري لا يتجاوز 19 سنة وبعد أسبوع واحد من زواجي اكتشفت أنه ليس طبيعيا في معاملته معي تنتابه هستيريا جنونية يسبني ويعايرني بأمور لم أقم بها ويهين كرامتي وعندما يتناول حبوبا يعود لطبيعته"، هنا اكتشفت سعاد أنها خدعت في زواجها فالشاب بطال ومريض مصاب بجنون متقطع منذ 5 سنوات حيثث عندما كان في الخدمة الوطنية تعرض لإصابة بليغة على مستوى رأسه ما جعل الطبيب يصف له أقراصا لتهدئته وفي حالة عدم وجودها يضربها ويحطم الأواني، قالت سعاد لقد خجلت من والدي ولم أخبرهم عندما زاروني بعد 15 يوما من زواجي، وبعد 3 أشهر حملت منه ومنذ سماعه لخبر حملي كان يشك في نسب الجنين له فغضبت وذهبت إلى منزل والدي ولم يسأل عني حتى وضعت ابنتي، هنا قررت سعاد الطلاق والتفرغ لتربية ابنتها.
بعد أسبوع من زواجها تكتشف أنها تزوجت بتاجر مخدرات سامية فتاة في العقد الثاني من العمر تسكن في قرية ريفية شرق البلاد حضرت عرسا في العاصمة فخطبتها عجوز لابنها البكر، حيث أخبرتها أنه رجل صالح وعامل يومي يكسب قوت يومه بالحلال، ففرحت كثيرا كون حلمها أن تعيش في العاصمة، وفعلا اقترنت به وبعد أسبوع ألقي القبض عليه من طرف مصالح الأمن متلبسا بحوزته كمية كبيرة من الكيف المعالج، وأحيل على محكمة الشراڤة بتهمة المتاجرة في المخدرات حيث أدين بالحبس النافذ لمدة 10 سنوات لأنه مسبوق قضائيا، وهو الأمر التي تفاجأت منه العروس ما جعلها تتعرض لنوبة عصبية دخلت على إثرها إلى مستشفى الأمراض النفسية للمعالجة، وفي تلك الأثناء بدأ والدها في إجراءات تطليقها من تاجر المخدرات.
حبيبة بعد زفافها تكتشف أن زوجها "لواطي" التقينا مع حبيبة تعمل كاتبة بإحدى الشركات الخاصة، تعرفت على شاب يكبرها ب10 سنوات يسير وكالة سياحية حدث إعجاب متبادل بينهما فقررا الزواج، وقالت حبيبة بنبرة صوت حزينة "ليتني لم أوافق عليه، فمنذ اليوم الأول من زواجنا اكتشفت أنه مصاب بعجز جنسي فظننت أنه سوف يزور الطبيب ليجد حلا لمشكلته غير أنني وجدته لا يبالي للأمر" ليتأكد لها أنه "لواطي" عندها وبعد 3 أشهر من زواجها تطلقت منه.
صدمات نفسية انحراف وتسرب مدرسي أطفال "الطلاق" انحراف وعقد نفسية مدى الحياة يعد انفصال الوالدين صدمة حقيقية بالنسبة للأطفال القصر وحتى الراشدين، هذه الصدمة قد تسبب لهم أزمات نفسية حادة ومشاكل اجتماعية أو تدخلهم نفق الانحراف وتعاطي المخدرات بغية تجاوز الصدمات ونسيان فقدهما واحتياجهما لكلا الوالدين مجتمعين. تشير وزارة العدل في آخر إحصائيات لها أواخر العام الماضي لوجود 60 ألف حالة طلاق وهو رقم مرشح للارتفاع، وهو ما يعني وجود آلاف الأطفال اليتامى والمحرومين من أحضان عائلاتهم ليتحول الطفل لورقة الضغط التي يستخدمها كلا الوالدين في النزاع ويرغبان في استمالته دون الاكتراث لوضعيته وحالته النفسية، قد تجعله أكثر ميلا للعنف أو الانطواء وهي صورة على الصراع النفسي الذي يعيشه الطفل. ولأن الطفل القاصر يقضي جل وقته في المدرسة بإمكان الأساتذة والمعلمين ملاحظة التغيرات السلوكية التي تطرأ على هؤلاء التلاميذ، حيث تسرد لنا "ع. سامية" معلمة بالابتدائي في إحدى المدارس غرب العاصمة، أنها خلال مشوارها في التعليم والذي يمتد لأكثر من 20 عاما صار بإمكانها منذ الوهلة الأولى التعرف على أبناء اليتامى وبالأخص المطلقين، المحرومين من التواجد رفقة والديهما رغم أنهما على قيد الحياة، ويكون هؤلاء الأطفال في العادة شهودا على حالات العنف والشتم التي تحدث بين الزوجين في المرحلة التي تسبق الانفصال، مثلما حدث لتلميذ كان يدرس عندها في السنة الثانية ابتدائي والذي تحول من ملاك إلى شيطان، يضرب زميلاته باستمرار ويشدهن من شعورهن وعندما تنهره المعلمة يرد بأنه الرجل ومن حقه أن يفعل ما يشاء، لتضيف المعلمة أنها اضطرت لاستدعاء والدته والتي أخبرتها أنها انفصلت عن زوجها بسبب ضربه واعتداءاته المستمرة عليها، وكان ابنهما البالغ من العمر 7 سنوات شاهدا دوما على هذه الصراعات ما جعله يميل للعنف لتكمل المعلمة أنها طلبت من المعلمة عرضه على مختصة في علم النفس حتى يتمكن من تجاوز هذه المحنة". وفي الوقت الذي يعاني منه بعض الأطفال من مشاكل نفسية يواجه آخرون مشاكل نفسية وعضوية، حيث تقول السيدة "س" مطلقة وأم لطفلتين التقيناها عند طبيب مختص في علاج أمراض الأطفال: قبل سنتين لاحظت تبول ابنتي البالغة من العمر 9 سنوات في الفراش، ففي كل مرة أتشاجر فيها مع زوجي تبلل ابنتي سريرها، لتضيف وبعد الانفصال صار الأمر يحدث معها باستمرار عرضتها على عدة مختصين في الطب العام وطب الأطفال إلا أنهم أجمعوا أنها لا تعاني من مشكلة عضوية، احترت في كيفية التعامل معها حتى معلمتها تشتكي من صمتها وانطوائها في القسم وفي حالة حديثها معها تنفجر باكية". وفي هذا السياق، أوضحت المختصة النفسانية وردة بوقاسي، أن الطلاق يترك أثارا نفسية على الأطفال خصوصا ما يسبقه من صراعات بين الزوجين قبل الطلاق وذلك في كنف أسر لا تراعى مشاعر أطفالها. ويظهر الثائر في كل مراحل الطفولة حتى عند الرضع الصغار، فالمعروف عن الأطفال أنهم في مرحلة بناء جهازهم النفسي يجب أن ينشؤوا في جو مستقر وذلك لرسم ملامح شخصيتهم المستقبلية، فالطلاق في مرحلة البناء يكون بعواقب نفسية لا تحصى خصوصا أن الطفل من الصعب عليه التكيف بسهولة أمام أحدات مهددة له.
رجال القانون "صندوق المطلقات شجع المرأة على طلب الطلاق" اعتبر رجال قانون تحدّثت معهم الشروق أن صندوق المطلقات الذي تم إقراره مؤخرا، سيساهم في تفكيك الرابطة الأسرية، ويشجع النساء وبطريقة غير مباشرة على طلب الخلع والطلاق. حيث يرى بهلولي إبراهيم محام بمجلس قضاء الجزائر أنه "من خلال ما يدور في المحاكم ومجالس القضاء، لاحظنا ازدياد حالات الطلاق والخلع، ورفع شكاوى سبّ وشتم وضرب من طرف الزوجات في حق أزواجهن". ويفسر محدثنا الظاهرة بأن النساء "استقوت" بصندوق الطلاق، ولم تعد تتخوف من الآثار المترتبة عن فك الرابطة الزوجية. ويطالب بهلولي بوضع آليات لتحديد كيفيات ونصوص قانونية لصرف التعويض للمطلقات، وأشار محدثنا إلى نقطة مهمة متعلقة باستفادة المطلقة بعد إقرار صندوق المطلقات من مصدرين للأموال، الأول يمنحه لها القاضي ويتمثل في مبلغ التعويض عن الطلاق والضرر ونفقة الأطفال، والمنحة الثانية تتحصل عليها من صندوق المطلقات، وهذا الأمر سيشجع حتما النساء على الطلاق، ويساهم في ظهور ممارسات تسلطية من النساء على أزواجهن. وأحسن حل حسب محدثنا تنظيم الصندوق، باقتصار دفع نفقة المطلقات التي أقرتها مؤخرا الدولة، للمطلقات اللواتي لا يعمل أزواجهن، وليس بإمكانهم توفير نفقة أطفالهم. والصندوق سيفتح حسب المحامي بابا من المشاكل يصعب غلقه، والخطير فيه أنه قديما كانت المرأة العاملة فقط من تتشجع على طلب الطلاق والخلع، لتأكدها من أن لها موردا ماليا وهو راتبها الشهري يساعدها في مصاريف العيش، أما الآن فحتى الماكثة في البيت ستتشجع لطلب الطلاق بل وحتى الخلع". وختم المحامي حديثه على أن "فكرة الصندوق مجرد حل ظرفي وآني لمشكل قائم، لم يتم دراسة عواقبه المستقبلية".