أشرف عبد الوهاب زكاغ المدير العام للوكالة الوطنية لتسيير الممتلكات المحمية واستغلالها في الجزائر، على ترميم العديد من المعالم الأثرية مثل فيلا عبد اللطيف وجامع سيدي محمد بن يوسف وضريحه بمليانة، وحاليا يرمّم جنان لخضر بالمدنية وفيلا محي الدين، تحدّث في لقائه مع ''المساء'' عن المخطط الدائم للقصبة باعتباره رئيس المشروع، فتناول الأسباب التي جعلت المشاريع السابقة لإنقاذ القصبة تفشل، كما تطرّق إلى مراحل تطبيق المخطط الدائم منذ سنة ,2007 فكان هذا الحوار. -القصبة موضوع حسّاس ويعود في كلّ مرة إلى الواجهة، صراحة ما الذي عرقل عمليةالمحافظة على أحد أهم ركائز التراث الجزائري؟ - صحيح أن الاهتمام بالقصبة كان منذ الاستقلال من خلال تخصيص دراسات عديدة حولها، وانطلاق العديد من الأشغال فيها، ولكن لا يجب أن ننسى أن القصبة تضم اليوم 1816دويرة ولهذا يجب الاهتمام بها كمدينة وليس كحيّ من أحياء العاصمة، ذلك أن الدراسات والأشغال التي مسّت القصبة قبل انطلاق المخطط الدائم لها سنة ,2007 كانت خاطئة، وبلغة الأرقام هناك، 11 ألف مسكن وزع منذ الاستقلال و1400مليار دينار تم صرفها في هذا المجال. - أرقام مخيفة ورغم ذلك يتواصل تدهور حالة القصبة كيف ذلك؟ - لا أتهم أحدا ولكني أقول أن طريقة العمل للحفاظ على القصبة كانت غير سليمة، سواء على مستوى قصبة الجزائر أو قسنطينة أو غيرهما وسأشرح ذلك: كان يتم تخصيص دراسات تدوم لسنوات وعندما تنتهي تكون غير ملائمة لوضع القصبة الجديد الذي يكون قد تدهور أكثر، ولهذا قمنا من خلال المخطط الدائم بعملية عكسية، أي عكس ما كان يحدث في السابق، فانطلقنا في تطبيق التدابير الاستعجالية ومن ثم الدراسات بكل أنواعها (اجتماعية، تاريخية، اقتصادية، باطنية، هندسية وتلك التي تتعلق بالنقل)، ومن ثم تم وضع إجراء تنظيمي خاص وتقديم تقرير عنه ينص على المشروع وكذا عرض الخرائط الطوبوغرافية، وبالتالي أقول أنّ مشروع المخطّط الدائم للقصبة انتهى وينتظر المصادقة من طرف المجلس الشعبي الولائي. - هل كان انطلاق المخطط الدائم للقصبة، مبنيا على التدابير الاستعجالية؟ - نعم مثل المريض الذي نأخذه إلى قسم الاستعجالات بالمستشفى، ونعمل على إبقائه على قيد الحياة ومن ثم نحاول ان نكتشف نوعية مرضه، نفس الشيء بالنسبة للقصبة، قمنا بالتدابير التي تجعل القصبة قائمة يتم العمل على الحفاظ عليها، فقمنا منذ سنة 2008 بتطبيق التدابير الاستعجالية في 394 دارا كدعمها بألواح خشبية، نزع الردوم وإفراغ الأبيار، أي عملنا كل ما يجب حتى لا تسقط الدور. المرحلة الثانية للمخطط، كانت القيام بدراسات استمرت ثلاث سنوات، وانتهينا منها والحمد لله جاءت مكيّفة لوضع القصبة الذي لم يتدهور بفعل التدابير الاستعجالية التي قمنا بها كمرحلة أولى للمخطط، أمّا في المرحلة الثالثة فوضعنا إجراء تنظيميا خاصا بالقصبة منذ 20 يوما وينص على أنه لا يحق لأي قاطن في هذه المدينة أن يقوم بتغييرات في بيته إلاّ بموافقة من الوكالة الوطنية لتسيير الممتلكات المحمية واستغلالها في الجزائر. واليوم أقول أن كلّ الظروف مواتية لكي نبدأ في ترميم القصبة، فالقوانين موجودة وتتمثل في قانون 98-04 والنصوص التطبيقية الصادرة سنة 2003 التي تذكر كل تفاصيل عملية الترميم، أما قبل ذلك فقد كان قانون 67 الذي يلزم بالمحافظة علي المعالم الأثرية لكن لا يقول كيف نفعل ذلك، لدينا أيضا الغلاف المالي اللازم لهذه القضية، المشكل اليوم هو قلّة اليد العاملة المختصة وقلة المهندسين المرّممين، بحيث يوجد في كل القطر الجزائري 48 مهندسا مرمّما، من بينهم 7 درسوا في ايطاليا وأنا منهم والبقية قمنا بتكوينهم، أما عن اليد العاملة المتخصصة سواء في البناء والجير والخشب والرخام، فيجب أن تتعاون المدرسة والجامعة ووزارة الثقافة ووزارة التكوين المهني لكي توفرها، لأنّ البناء بالطريقة القديمة مختلف عن طريقة البناء الحديثة. وفي هذا السياق نحاول أن نبرم اتفاقيات مع معهد علم الآثار ومعهد الهندسة المعمارية، حول بحوث الطلبة التي يجب أن تتناسب مع معطيات وكالتنا، ونطلب من وزارة التكوين المهني أن تفتح فروعا خاصة بالترميم، كالبناء واستعمال الرخام والجير، وأؤكد أنّ الطلب على اليد العاملة كبير في هذا المجال. هناك نقطة أخرى أريد الإشارة لها، وهي أنّ بعض الناس استعملوا القصبة كسجل تجاري، نحن لسنا كذلك، فالقصبة معلم تاريخي مصنف وطنيا وعالميا، يجب المحافظة عليه، لهذا أؤكد أن من يريد أن يخدم القصبة فمرحبا به أما من يريد غير ذلك فلا نريده. - وهل يجب انتظار حل مشكلة قلة اليد العاملة حتى نرى القصبة في حلّة محترمة؟ - لا، لدينا اليد العاملة المختصة وإن كانت غير وفيرة، هناك شباب أودعوا ملفاتهم لدى الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب وأصبحت لديهم مؤسسات صغيرة في صنع الرخام أو الخشب أو غيرها، أصبح هناك شباب يهتمون بصنع المواد التي تستعمل في ترميم المعالم خاصة أن الترميم اليوم يعود إلى ممارسيه بأربعة أضعاف من ناحية الدعم المالي مقارنة بممارسته للبناء العادي، ونحن كمختصين نقوم بتوجيه هؤلاء الشباب الذين بدورهم يطالعون الكتب التقنية وينهلون من ثقافة الترميم. وفي هذا السياق، نعمل أيضا مع اليد العاملة القادمة من غرداية وتيميمون ومناطق أخرى ما تزال تستعمل الطريقة التقليدية في البناء، فهي هنا بالعاصمة تعمل معنا وتكوّن العاصميين، إذن أصبحنا نتوفّر على كل العناصر التي تمكننا من ترميم القصبة وهي المختصين ولو أنهم قلة، مواد البناء، إعانة من المدن الداخلية، المال والقوانين. - القصبة اليوم تقع تحت إجراء تنظيمي خاص بها؟ - نعم، صدر هذه السنة إجراء تنظيمي خاص بالقصبة، يقول أنّ كلّ مواطن ساكن بالقصبة لا يمكنه أن يغيّر أي شيء في بيته من دون استشارة من الوكالة، مثلا اللون المستعمل في طلاء جدار ما وشكل النوافذ المستعملة وغيرها. - وكيف كان رد فعل ساكني القصبة مع تطبيقات المخطط الدائم للقصبة؟ - هناك من صبر علينا وهناك من تذمر خاصة من تطبيق التدابير الاستعجالية وأنا أتفهمهم، فليس من السهل العيش في بيت مشدود بألواح خشبية، حتى أن هناك من منعنا من الدخول إلى بيته في بداية العملية، وهناك من كان يريد أن تسقط داره حتى يتحصل على دار جديدة، لكن بصفة عامة وجدنا تفهما من سكان القصبة، وهنا أقول أن من حافظ على منزله له حظوظ أكبر للحصول على مراده من ذاك الذي تسقط داره. - كيف سيتم تطبيق المرحلة الأخيرة من المخطط الدائم للقصبة والمتمثل في الترميم؟ - قبل الحديث عن الترميم، أريد أن أتناول بعض النقاط، فمثلا نسبة مالكيّ البيوت في القصبة، تصل إلى 80 بالمائة، فكيف أرّمم ويأتي صاحب البيت ويسكن بكل بساطة؟ لهذا فكل معلم حكومي بالقصبة، تدفع الدولة تكاليف ترميمه مائة بالمائة، أما عن الخواص فستكون هناك مفاوضات بين الدولة ومالك البيت، هذا الأخير يجب أن يثبت أن هذه الدار، ملكه، بعدها يمكن له أن يبيع داره للدولة التي خصّصت ميزانية لشراء الملكيات الخاصة التي تقع في المناطق المحمية، أما إذا لم يرد بيع سكنه فإما أن يدفع 50 بالمائة من ميزانية الترميم، والبقية تكون مساعدات من طرف الدولة وفي حال عدم تمكنه من دفع هذه النسبة فقد يتحصل على قرض بنكي وإذا لم يستطع فيمكن أن يؤجر بيته بسعر غير مرتفع حتى تسترجع الدولة أموالها، ويجب على المواطنين أيضا أن يدركوا بأنهم يعيشون في مدينة أثرية محمية، فقد قمنا بوضع سياج حول القصبة ووضع لافتات تقول أن هذه المدينة محمية وان ساكنيها يقعون تحت طائلة قانون خاص. أما عن عملية الترميم، فستبدأ بعودتنا إلى كل بيت خضع إلى التدابير الاستعجالية ونبدأ في نزع الخشب الذي تم بواسطته شدّ البيت المعرض لخطر السقوط، أي ننطلق بالاهتمام بالتفاصيل من إعادة البلاط وتصليح الجدران وغيرها، وحتى تتم هذه العملية يجب إخراج الناس من بيوتهم، فلا يمكن أن نرمم بيوتا مسكونة، وأقول انه من بين 1816دويرة في القصبة، قرابة 500 منها مهددة بالسقوط و394 خضعت للتدابير الاستعجالية. - لماذا لا يتم ترحيل سكان القصبة نهائيا؟ هل يرفضون ذلك؟ - على العكس، هم يريدون الترحيل اليوم قبل الغد، ولكن تصوري لو أعلنا عن عملية ترحيل سكان القصبة، حتما سنجد أن قائمة ساكني هذه المنطقة أكثر بكثير من الحقيقة، وستحدث تلاعبات أكيدة، حتى الدور المرممة قد يخرج منها ساكنوها ويعود إليها أناس آخرون وفي هذه النقطة، سنقوم بعملية مفاجئة لإحصاء سكان القصبة الحقيقيين، وهذه المرة أؤكد أن عملية الترميم تسير في طريقها الصحيح، سننجح حتما في ترميم القصبة. - وماذا عن مساعدة اليونسكو في عملية ترميم القصبة؟ - اليونسكو تساعدنا تقنيا فقط فهي لا تقدم الأموال، هي تقدم الخبراء وتهتم بالتكوين. - ننتقل إلى موضوع الترميم بصفة شاملة، لماذا رمّمت معالم أثرية قبل إصدار قانون 98/04 الذي حدد شروط الترميم وكذا النصوص التطبيقية سنة 2003؟ - لأنّ المسؤولين آنذاك رأوا أنه لا يمكن انتظار صدور قانون خاص بالترميم أمام معلم مهدد بالسقوط في أي لحظة، وارتكبت في هذا السياق أخطاء كبيرة في معالم أثرية مثل استعمال الاسمنت المسلح في ترميم قوس كاركلا بتبسة ونفس الشيء بالنسبة لمسرح قالمة وقصر رياس البحر بالعاصمة، لهذا سنقوم في بادئ الأمر بإعادة ترميم المعالم التي رممت بطريقة خاطئة ومعرضة لخطر الهدم، وهنا يجب الاعتراف بالأخطاء التي قمنا بها وتصحيحها والسير إلى الأمام. - هل هناك اهتمام للمهندسين الجزائريين بالتخصص في الترميم؟ - هناك اهتمام من طرف مهندسينا بتخصص الترميم، وفي هذا الشأن تم منذ سنتين فتح قسم ماجستير حول التراث بمدرسة الهندسة، هناك أيضا معهد الآثار الذي يكوّن مختصين، لكن يجب فتح مدرسة خاصة بالترميم، وقد صدر مرسوم خاص بها وستفتح ان شاء الله بدار الصوف بالقصبة، وتهتم بتكوين مهندسين ومحافظين وغيرهم أي ستكون عبارة عن مدرسة خاصة بالتراث. - ننتقل إلى عملية الحفر بساحة الشهداء، وبالضبط على مستوى الميترو، أين وصلت هذه العملية والتي سينتج عنها إنشاء متحف باطني؟ - طلبت شخصيا قبل أن يتم الحفر في ساحة الشهداء حول الميترو، أن تكون هناك دراسة حول ما تكتنزه هذه المنطقة من آثار وفعلا اكتشفنا حضارة تعود إلى ألفيّ سنة مردومة تحت الأرض. وبالتعاون مع وزارة الثقافة والمركز الوطني للبحوث للأثار ومركز ''أنغاب'' لمونبيليي بفرنسا المتخصص في الحفر في المدن، تم إحضار آلات الحفر إلى عمق 36 مترا حتى يتم الحفاظ على الآثار، وفي نفس الوقت ستنطلق الدراسات حول المتحف. - هل يمكن ترميم المعالم غير المصنفة؟ - يجب أن يكون المعلم مصنفا حتى يشرف على ترميمه مهندس مرمم، ولكن يمكن ان تهتم الدولة بترميم المعالم المصنفة وقد تهتم أيضا بترميم المعالم في طور التصنيف. - أمام مساحة الجزائر الشاسعة وثرائها بالمعالم الأثرية، كيف يمكن ان تقوم الوكالة الوطنية لتسيير الممتلكات المحمية واستغلالها في الجزائر بمهامها؟ - هذه هي الإشكالية الكبيرة التي تواجهها الوكالة، وأقول انه يجب أولا الاعتماد على كلّ الجزائريين المحبين للبلد، ثانيا يجب إعادة هيكلة الوكالة من خلال إنشاء مديريات جهوية بدلا من ممثلين ويكون لها حق اتخاذ القرار من دون انتظار الضوء الأخضر من العاصمة، وثالثا توفير الامكانيات اللازمة لهذه المديريات، بالمقابل يجب علينا أيضا علاوة على تسيير مهامهما بإعانة من الدولة، ان نستغل المعالم الأثرية وجعلها مصدرا للمداخيل المادية، كتحويل معلم أثري إلى فضاء مسرحي، وأن يدفع كل من يريد تصوير عمل سينمائي وتلفزيوني أو حتى لكتابة كتاب، مبلغا ماليا يساهم بطريقة غير مباشرة في الحفاظ على التراث ويجب أيضا رفع سعر تذكرة الدخول إلى المتاحف، وبالتالي يجب ان تكون هذه المداخيل ثلاثة أضعاف ما تقدمه الدولة لنا. - كيف يمكن ترسيخ أهمية التراث في عقول المواطنين ؟ - يكون ذلك عبر المدرسة، أي من خلال تدريس أهمية التراث للطفل، صحيح ان المواطن اليوم لديه أولويات أخرى ككسب العيش ولكنني أقول له ان عالم التراث يمكّنه من العمل وكسب الكثير، وأرى أن هناك اهتماما مثلا من طرف الدرك الذي أصبح لديه أعوان مختصون في الآثار والشرطة أيضا تسير في هذا النهج، وهنا أقول انه يجب ان تكون هناك هيئة أمنية متخصصة، وفي الأخير أؤكد على دور وكالتنا في إبراز أهمية التراث الذي يشكل هوية المواطن وفخره.