في المرآة يكتبه الصغير سلام و نحن في غمرة الحمى الدستورية هل يمكن أن نوسع أفق الرؤية لنعرف كيف صنعت الأمم الكبيرة دساتيرها الحديثة بعيدا النعرات العرقية المتخلفة وعن تحويل التعديل الدستوري المرتقب منتصف شهر فيفري المقبل إلى لعبة "بينغ بونغ" ثنائية بين الشقيقين اللدودين "الأرندي " و الأفلان .. علينا أن نتذكر أن بريطانيا العظمى لا دستور مكتوب لها إنما تسيّر البلاد بمجموعة من القوانين والمبادئ التي تخضع لها المملكة المتحدة فإذا كان الدستور الإنجليز يغير مدون فهذا يعني أنأحكامهذاالدستورغيرمضمنةفيوثيقةواحدةأسوةبالدستورالفرنسيأوالأمريكيأوغيرهمامنالدساتير..و غياب دستور مكتوب في بريطانيا لم يمنع من نشوء واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم و هي ملجأ و مقصد المظلومين و المقموعين و الفارين من الديكتاتوريات الدموية ة الفردانية من شتى أصقاع العالم.
هذه الجعجعة في بلادنا حول التعديل الدستوري المرتقب هي فرصة لا تتكرر لتشخيص آلامنا و أمراضنا كدولة و مجتمع ..بداية من غياب "العقد الإجتماعي" وصولا إلى مسألة "تورمات الهوية" و مرورا بغياب "الإنسان" عن أي تصور سلطوي أو تنموي!
لنتذكر مثلا أن الدستور الأميركي الذي بني على ما سمي وثيقة الحقوق الصادرة عام 1791 و المؤلفة من عشرة بنود تشكلا لعمود الفقري لدستور الأمريكيين الذي جاء عقب حروب الإستقلال عن بريطانيا و أهم ما ميزه هو تشبثه بمبدئ الحرية التي انطلق منها الحلم الأميركي ..
فأين هي الحريات الجماعية و الفردية في مسودة الدستور الجزائري الجديد..؟ بالتأكيد هي موجودة و تضمن حرية التعبير و المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية طيب هل يدعم مجتمعنا هذه الحريات؟ بالطبع لا ! لأن السلطات الحاكمة هي أول من يقف ضد هذه الحريات و تنتهكها حينما يجنح المجتمع نفسه إلى اشكال من التعبير غير المنمطة من قبل المنظومة الحاكمة و حتى المجتمع نفسه يعادي أحيانا حرياته هو الآخر ! إنها صورة كاريكاتيرية و لكنها للأسف ملتقطة من واقعنا
و هل يجيب الدستور الجديد عن سؤال: من يحكم من و كيف؟ ..هناك إجابات و لكنها غير كافية و بل هي مبهمة في كثير من الأحيان كيف ذلك؟
إن الدستور في اي بلد و ليس في الجزائر "القوة الإقليمية العظمى" هو عقد فيه ينظم العلاقة بين طرفين على الأقل هما بطبيعة الحال السلطة الحاكمة و الشعب فهل هناك في جزائر اليوم و بعد اكثر من نصف قرن من يدعي القدرة على تحديد ماهية الحكم في الجزائر و من يحكم فيها و أي مؤسسة هي مصدر القرار ؟ و ما موقع المعارضة في منظومة الحكم هذه و أين هي الرقابة الشعبية و المؤسسية على أموال الريع النفطي و من هي المؤسسة المخولة بمعاقبة المسؤول مهما كان موقعه في سلم الحكم إذا جنح أو أجرم أو حول بلديته مثلا إلى مملكة صغيرة!.
.فما فائدة الدستور لشعب يتنابز بالأنساب في 2016 و ما قصة شعب عجز أن يبدع رقصة وطنية؟!