المحتل الإسرائيلي يحاربنا لأننا الشاهد على جرائمه كشف الإعلامي الفلسطيني، بهاء طباسي، في حوار مطول مع "الحوار"، عن أهم محطاته المهنية وتجربته مع جريدة الخبر الجزائرية، كما تحدث عن أهم المصاعب التي تواجه الصحفي الفلسطيني، وواقع الإعلام بفلسطين، كما تطرق أيضا إلى الظروف الصعبة التي يتخبط فيها سكان غزة المحاصرة ، وإلى أسباب التخاذل العربي اتجاه القضية الفلسطينية وغيرها من النقاط الهامة التي سنكشف الستار عنها في هذا الحوار. عملت بالعديد من الصحف الفلسطينية والقنوات العربية كما تعمل حاليا لصحيفة وتلفزيون الخبر بالجزائر…حدثنا بهاء عن أهم المحطات الإعلامية التي مررت بها؟ كانت أولى خطواتي الإعلامية خلال دراستي الجامعية، حيث كنت أتدرب في صحيفة يومية فلسطينية، لتتوالى بعدها عدة محطات ، أهمها على الإطلاق جريدة وتلفزيون الخبر بالجزائر. ومن المحطات المهمة أيضا عملي كمراسل من غزة لقناة التونسية، وإذاعة أم درمان الدولية، ثم لإذاعة موزاييك التونسية، وإذاعة ماد التونسية، وجريدة الشروق التونسية، وأضواء المستقبل السعودية، ومراسلا لقناة الجسر الإخبارية. ومضيت في عملي إلى أن انتقلت للعمل في جريدة "الخبر" كمراسل من غزة، شاركت خلالها في تغطية أيام الحرب الأخيرة على القطاع، وأعددت العديد من الربورتاجات والحوارات والتغطيات الحية لجريدة "الخبر"، وما زالت أعمل مراسلا لها من فلسطين، وهنا أشير إلى أنني وجدت ب "الخبر" بيئة أفضل للعمل والإنتاج وتوظيف القدرات والمواهب، والحمد لله تكلل ذلك بأن وفقت في أن تكون الصحافة هي عالمي ومصدر رزقي. ماذا عن حياتك العائلية، وهل تؤثر طبيعة عملك عليها؟ تزوجت في جويلية من العام 2012ولي من البنون عبدالله، ومن البنات رغد، والحمد لله هي نعمة من ربنا، وزوجتي متعلمة ومثقفة، فهي خريجة كلية العلوم تخصص الأحياء، إلا أن هذا لم يمنعها من تعلم أبجديات الإعلام لتكون بذلك سندا قويا لي خلال مسيرتي الإعلامية، خاصة من خلال الدعم النفسي والدعاء خلال الحروب، فباختصار هذه هي حياتي ، فالحياة علم وعمل وحياة اجتماعية، وهنا أشير إلى أن الأسرة هي ضمانة العمر، فهي مصدر الراحة والإلهام، فعندما تفرح أوتحزن ستذهب لبيتك الذي تحتويك وبكل مشاعرك، لذا أدعو من هذا المنبر كل صحافي أن لا يتأخر في الزواج. يمارس الصحفي الفلسطيني عمله في الكثير من الأحيان أثناء الحروب التي يكثر فيها القتلى والجرحى… هل تعتقد أنه من الضروري أن يتلقى الصحفي الفلسطيني تكوينا خاصا في مجال الإسعافات الأولية؟ نعم، من الضروري جدا أن يتلقى الصحفي الفلسطيني تدريبات على الإسعافات الأولية اللازمة، خاصة وأن الكثير من تغطياتنا الصحفية تكون بمناطق بها قتلى وجرحى، كما أننا كصحفيين معرضون بشكل كبير لمختلف الإصابات خاصة وأننا نتعرض للاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال، لهذا فمعرفة الصحفي بأهم الإسعافات الأولية يعتبر ضرورية جدا لإسعاف نفسه وتفادي تطور الإصابات التي يتعرض لها خلال عمله الميداني من جهة، وكذا إسعاف الشباب من المقاتلين في ميادين الحروب، وهنا أشير إلى اضطرارنا ببيت حانون شمال القطاع خلال الهدنة إلى مساعدة الطواقم الطبية، ومشاركة المواطنين في إخراج جثث الشهداء والمصابين من تحت الأنقاض. يتعرض الصحفيون الفلسطينيون للعديد من المضايقات والاعتقالات من طرف الاحتلال الإسرائيلي…حدثنا عن طبيعة هذه المضايقات؟ الاحتلال هو الخطر الرئيسي على الصحفيين، ويكمن ذلك من خلال الملاحقات والاعتقالات ومنع السفر والحركة وإصابتهم بالرصاص والقتل، فالاحتلال لا يكتفي بقتل الضحية فقط، وإنما الشاهد على الجريمة. وقد رصد اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية بفلسطين، في تقريره لشهر فيفري2016 ، أكثر من 32 انتهاكًا صهيونيًّا ضد الصحفيين والإعلاميين العاملين في الأراضي الفلسطينية، واحتياجات الصحفيين الفلسطينيين كثيرة ومتشعبة، فهم يعملون في مكان من أخطر بقاع الأرض، وفجأة يتحول المراسل الصحفي إلى مراسل حربي. ما هو عدد الصحفيين الفلسطينيين بالمعتقلات الإسرائيلية؟ في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة على وسائل الإعلام الفلسطينية والصحفيين الفلسطينيين، ارتفع عدد الصحفيين في سجون الاحتلال إلى 19 صحفيا. الاحتلال يحاول من خلال اعتقالاته للصحفيين إبعاد كاميرات الإعلام وأقلام الصحفيين التي تقف له بالمرصاد، وتفضح ممارساته الإجرامية أمام العالم، وتكشف وجهه الحقيقي وتعرى ادعاءاته أنه يحترم حقوق الإنسان ويطبقها، وهنا أطالب بضرورة تدخل المؤسسات والاتحادات والنقابات الإعلامية والحقوقية، المحلية والدولية، للوقوف بجدية أمام استمرار اعتداءات قوات الاحتلال على حرية الصورة والكلمة، وبذل كافة الجهود لتأمين الإفراج عن كافة الصحفيين الفلسطينيين. على ذكر اعتداءات قوات الاحتلال، هل يمكن أن تحدثنا عن أجواء العمل خلال الحروب؟ مهنياً تجربة الحرب غنية جداً، والتغطية لم تقتصر على أيام إطلاق النار الإسرائيلي على قطاع غزة، بل امتدت إلى يومنا هذا. بعد عام أو أكثر من الحرب لا زلنا نغطي تداعيات هذه الحرب الكارثية على كافة الأصعدة. نجوت من الموت بأعجوبة حين ضربت الطائرات الصهيونية صواريخها بالقرب من طاقم صحفي، وهذه من المخاطر الصعبة التي لن أنساها، كما تعتبر صرخات النساء والأطفال وصور الدم جزءا مألوفا من عملنا، وترسخت هذه الصور في مذكرتنا ومن الصعب جدا أن تمحى، خاصة صور الجثث التي تكدست يوم مجزرة "الشجاعية "في ثلاجات الموتى في مشفى الشفاء، حيث لا يمكن لأي صحفي أن يصمد أمام هذا المشهد المروع. وحقيقة ومن دون مبالغة، ومن خلال الأجواء اليومية الصعبة التي يعيشها الصحفي الفلسطيني يمكن القول بأن الصحفي الفلسطيني الأكثر جرأة وخبرة في تغطية الحروب في كافة أنحاء العالم، حيث أنه يكتب الخبر فيصبح جزءا منه، ويصور الحادثة فيظهر فيها قاتله، كبصمة توثق وتؤكد رسالة وطنية ومهنية. الصحافة في كل بقاع الأرض هي مهنة المتاعب باستثناء قطاع غزة فهي مهنة الموت، وأي صحفي في القطاع يحمل روحه على كتفه. الصحفيون في جميع أنحاء العالم يعملون في ظروف صعبة أشبه بحقل ألغام، أما الصحفي الفلسطيني فتزيد معاناته أكثر بسبب استهدافه ومطاردته من طرف الاحتلال، إضافة إلى عدم توفر الأمان لعائلته. أكيد أن مشاهد الجثث والدم وصوت الإنفجارات المتواصل يؤثر بشكل كبير على نفسية بهاء وباقي الصحفيين.. كيف يتخلص الصحفي الفلسطيني من الضغوط النفسية المتراكمة؟ الإنسان عبارة عن مشاعر وعليه مراعاة الجانب النفسي داخله. أنا وزملائي من الصحفيين حضرنا جلسات في التفريغ النفسي للرجوع مجدداً لحياتنا الطبيعية بعدما تعرضنا لصدمات مؤلمة خلال الحرب الأخيرة على غزة. المشاهد تتوارد على الذاكرة وتخلصنا منها من خلال الأنشطة المتنوعة للجلسات، وعلى صعيدي الشخصي ساعدتني جلسات التفريغ النفسي على إحداث تغيير إيجابي في تعاملي مع الناس، فقد تعرفت من خلالها على نقاط القوة لدي، وكيفية التغلب على الضغوط والمحافظة على الهدوء. مرت10 سنوات على الحصار الإسرائيلي على غزة، كيف تلخص للقارئ معاناة سكان غزة خلال هذه المدة الطويلة؟ منذ عشر سنوات فرضت "إسرائيل" حصارها المشدد على قطاع غزة الساحلي، الذي يقطنه نحو مليوني إنسان، ومنذ ذلك الحين، انقلب واقع غزة إلى مأساة متجسدة في كل التفاصيل، حتى تلك البسيطة منها. ومع الحصار وتشديده، صارت غزة على شفير الكارثة، غزة الآن في سجن كبير ومظلم، ورغم ذلك الناس مصرّة على الحياة وتفتح الأسواق والمقاهي والنوادي. وتزداد المعاناة في قطاع غزة مع الإنقطاعات المتكررة للكهرباء والماء، في الحقيقة يمكن القول بأنها أزمة تتصاعد وعناء يتجدد. يمكن وصف مواقف الكثير من الحكومات العربية مع القضية الفلسطينية بالمتخاذلة.. باعتقادك ما سبب هذا التخاذل بالرغم من المجازر الشنيعة التي هزت العالم؟ كما لاحظتم وتابعتم الأخبار، الانتفاضة في القدس عادت إلى ما ابتدأت به إلى أن تكون البؤرة الأكثر اشتعالاً في الصراع العربي الإسرائيلي، وللأسف الشديد ورغم مرور ما يزيد على ستة أشهر، مازالت الأمة تراقب عن بعد، تراقب وكأن الأمر لا يعنيها، في حين نرى أن اليهود في شتى أنحاء العالم يهرعون من كل حدب صوب لخدمة مشروع الهيكل، أوما يسمونه بالهيكل. أول هذه الأسباب، الدول العربية منقسمة على نفسها، فبعضها متحمس للقضية الفلسطينية، وبعضها متخاذل، ويكتفي بالإدانة والشجب، ومطالبة الأممالمتحدة بالتدخل للتهدئة. الوطن العربي مصاب بحالة من الإجهاد نتيجة كثرة المشكلات والأزمات التي يمر بها، ما جعلها تضع القضية الفلسطينية في آخر أولوياتها. قضية بهذه الخطورة، قضية بهذه القداسة تهز مشاعر المسلمين دائماً وأبداً قضية فلسطينوالقدس، ومع ذلك ردّة الفعل دائماً ما تأتي – إذا أدرنا يعني أن نكون مؤدبين في الكلام- مخجلة. لماذا هذا التعامل المخجل مع القضية الفلسطينية، على صعيد الأمة، أنا أريد أن أحصر النقاش كما يقع عادةً في الزعماء ورؤساء الدول والملوك، حتى الشارع الإسلامي لا يتحرك كما يجب في موضوع القدس. عندما تنتهك حرمته بهذه الفظاظة وهذه الوقاحة، لماذا لا نتحرك؟!! زاولت مهامك الإعلامية بعدة منابر فلسطينية… كيف تصف لنا واقع الإعلام الفلسطيني؟ الإعلام الفلسطيني، بكل أشكاله، مكون رئيسا من مكونات الوجود الفلسطيني (ذاكرةً، وثقافةً، ووعياً، وبناءً …) ولأنَّ هذا الإعلام يواجه معضلات كثيرة ومتراكمة، فإنَّه يعاني قصوراً وتقصيراً وارتباكاً في أداء رسالته، دون إجحاف أو قفز عن إنجازاته. الواقع الإعلامي الفلسطيني صعب، فلدينا كفاءات إعلامية كثيرة، ولكن للأسف كلها ذاهبة لقنوات دولية وخارجية، حيث إن الإعلام المحلي لم يعطهم الفرصة، للإبداع، فالإعلام المحلي ضعيف، كما إنني أتمنى أن تكون لدينا نقابة قوية، ووجدت في دول كثيرة أن النقابة هي الملجأ الأساسي للصحافي، إضافًة إلى الجوائز الدولية التي يحصل عليها الإعلاميون الفلسطينيون كل عام، ولا يكون لدينا جسم إعلامي قوي. تعمل حاليا مراسلا لجريدة الخبر الجزائرية… حدثنا عن هذه التجربة؟ تعاملي مع "الخبر "من أجمل التجارب التي مررت بها، فقد أسعدتني جداً هذه الجريدة، وأعتبرها من أهم الجرائد الجزائرية، فالمتابع لها يجد أنها تحاول الاقتراب من صوت الناس دائمًا، وكانت وما زالت تعمل على كسر سطوة الإعلام الرسمي الذي يغيب صوت الجماهير، كما أنها توصل أخبار الوطن العربي إلى قرائها من خلال خلال شبكة الصحفيين الموجودين هنا في فلسطين ، وفي القاهرة وتونس وباريس والصحراء الغربية، فالخبر تجربة مهنية قوية جدًا أفتخر بها، وليس فقط كجريدة جزائرية عربية، ولكن كمتحدثة باللغة الإنجليزية تخاطب المجتمع الدولي. باعتقادك هل يمكن الحديث عن وحدة عربية في ظل التشتت الكبير، والمشاكل الداخلية الكثيرة التي تتخبط فيها معظم الدول العربية؟ انحدر الوضع العربي من ذلك الحماس العارم نحو الوحدة العربية، إلى الرجاء بتوحيد الحارتين الشرقية والغربية في القرية العربية. كان ذلك الزمان الذي كانت تهتف فيه الجماهير العربية بالوحدة العربية والحلم العربي في أن يصبح العرب أمة واحدة رائدة لها وزنها في الساحة الدولية وذات مساهمات كبيرة في الحضارة الإنسانية، وحل مكانه الآن زمان تتكاثر فيه الانقسامات والحزبيات التعصبية والانشقاقات ومفرخات الجماعات من كل طيف وصوب، والتي تتغذى على النسيجين الاجتماعي والأخلاقي العربي، وتؤذن بمزيد من الأحزان والآلام التي قد تقهر المواطن العربي. الأمة العربية غنية بمقومات الوحدة والرغبة والإصرار على النهوض والتقدم، والشعوب حتما ستقلب موازين القوى الداخلية، وإرادة الخير والعطاء ستتغلب في النهاية على قوى الفتنة والتبعية والهزيمة والاستهتار. حاوره/ فاتح عقال